إسلام عفيفي
إسلام عفيفي


إسلام عفيفي يكتب.. متحف الشهداء

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 27 مايو 2020 - 12:40 ص

إلى متى ستظل بطولات منسى ورجاله فى ذاكرة المصريين ؟
إلى متى ستعيش تلك الملحمة فى قلوب المصريين ؟
من سيتذكر عشرات القصص وتضحيات الشهداء ؟


كيف تظل محفورة فى ذاكرة الوطن، تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، كيف تظل تلك البطولات ماثلة أمامنا تنبض بالحياة تلهمنا محبة الوطن وترابه، وتفضح المتآمرين والخونة؟.


كان الاختيار فرصة لاستعادة الروح، واستعادة الوعى، وكشف كثير من المستور لدى التنظيمات الإرهابية، نجح المسلسل أن ينقلنا إلى أجواء المواجهة، فجر الاختيار مشاعر دفينة من الولاء والانتماء لهذا الوطن ما خبت يوما وإن توارت وراء تفاصيل زحام حياة مليئة بالشواغل والمسؤليات، رسم مشاهد تضحيات لن تزول من عقول الصغار ولا من قلوب الشباب والكبار، توحد المصريون أمام شاشات التليفزيون وهم يَرَوْن دماء ذكية تروى الرمال، لرجال وهبوا أنفسهم فداء للوطن والأهل، ودفاعا عن عقيدة بإيمان لا يتزعزع ولا يلين ، إيمان خالص نقى صاف مثل ابتساماتهم وهم ينطقون الشهادة استعدادا لارتقاء اختاروه بكامل الإرادة إلى السماء.


مشاعر مختلطة خلفها المسلسل عن تلك الملحمة التى خاضها ومازال يخوضها رجال القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب وأنصاره والشر وأهله ، مشاعر فخر وكبرياء بقادة وفتية آمنوا بربهم فزادهم هدى، مشاعر فرحة اختلطت بالدموع ونحن نودع كل حلقة شهيد من أبناء الوطن البسطاء الذين لا يبغون الكثير من الحياة، مشاعر غضب من حفنة ضلت الطريق وأصابها العطب عقلا وفكرا وديناً، قلة باعت نفسها للشيطان فأغواها بالقتل كذبا أنه جهاد، وبالدمار أنه إصلاح، وبالموضوعية أنها إعمار، وبتحريف كلام الله ليكون على مقاس تأويلات أمرائهم فاستباحوا ظلما دماء بريئة ووطنا كانوا يوما أبنائه حتى خرجوا عليه شاهرين فى وجهه السلاح.


هذه قصة الاختيار وهى أيضا قصة وطن، وقضية دين فسد على يد طامعون فى السلطة وشهوتها وجبروتها، وعقيدة باطلة اجتمع من أجل نصرتها كل شارد وضال ومأجور ومرتزق.


زخم كبير صاحب عرض الحلقات أعادنا لملحمة وذكريات رأفت الهجان ، التف الجميع ولأول مرة منذ زمن بعيد حول الشاشة الأطفال والكبار وكانت مشاهد وبطولات أحمد منسى ورفاقه حديث السوشيال ميديا طوال شهر رمضان، ويظل التحدى أمامنا كيف نحافظ على هذا الزخم، الذى يصهر المصريين معا فى وجه هؤلاء التعساء، وكيف نوثق قصة وطن قاوم الإرهاب وتنظيماته وأفشل مخطط مموليه وداعميه لتظل شاخصة أمام التاريخ والزمن لا يأتِ عليها النسيان؟.


هل يمكن أن نقيم متحفا للشهداء يحكى قصة وطن ضد الارهاب، يسرد بطولات وتضحيات لا يجب أن يطويها النسيان ، متحفا يحتل موقعا يستحقه فى العاصمة الإدارية، متحفا للمستقبل، للاجيال القادمة ووسط عاصمة المستقبل التى نفخر ببنائها فى رحلة تعمير مصر وأرضها، وبناء الإنسان المصرى وتشكيل وجدانه؟.


اعتقد أن علم المتاحف الذى شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية ومع التطور التكنولوجى ووسائل العرض الحديثة يمكن الاستفادة منها فى تقديم رائع لقصص البطولات تخلق حالة من الإبهار بعروض فيديو وآداء صوتى، بل وتسجيلات ومشاهد حقيقية، بجانب الوثائق والمستندات التى يمكن السماح بنشرها، وبالتأكيد ستكون فرصة لعرض بعض المقتنيات الرمزية لشهدائنا وصور فوتغرافية و بورتريهات أُعدت خصيصا وعلى أعلى مستوى.


متحف يحكى بالصوت والصورة والفيديو والوثيقة والمجسمات ما جرى، يوثق تاريخا ويسجل ملحمة مصرية هى مدعاة للفخر، يقدم للاجيال جزء من تاريخ مؤلم عشناه لكننا تمردنا عليه شعبا، وكافحته دولة بكل مؤسساتها ودفعنا ثمنا غاليا فى هذه الحرب التى فرضت علينا، هذا ما يجب ألا ننساه ، وأن نجعله حاضرا دائما أمام المستقبل، حاضرا بدون مواربة.


ليس هذا فقط بل يجب ان يكون متحفا عالميا بمعنى الكلمة  شكلا وتصميما ومحتوى يحكى قصتنا مع الارهاب بأكثر من لغة اجنبية ليكون مزارا عالميا شاهدا على جريمة فى حق الدين وحق الانسان، لنقطع الطرق على كل من تسول له نفسه أن يقايض بدماء الشهداء او يخون تضحياتهم أو يتنكر لعظيم صنائعهم ، حاضراًً كواحد من دروس التاريخ، حتى لا نبدأ بعد فترة من الزمن من جديد وكأن شيئا لم يكن، متحف يصد هجمات قادمة سيقودها المنتفعون والمهتزون والمرجفة قلوبهم وحملة مباخر التطرّف والتشدد والمبشرون بالارهاب الذين ينتظرون كل فرصة لينقضوا علينا من جديد ، مستغلين ضعف الذاكرة أو هوان النخبة وهشاشة المثقفين ولهاث الحزبيين.


ما أجمل أن نتجول فى المتحف بين رائحة مقتنيات الشهداء وبريق ذكريات وطن كسر شوكة الإرهاب لم ينحني ولم يقبل المساومة أو حديث الموائمات وصالونات التفاوض والصفقات مع أياد ملطخة بدماء المصريين وعقول سيطر عليها الهوس الديني وارتضت أن تكون معول هدم ودمار وتخريب وإفساد فى الأرض.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة