محمد منير
محمد منير


حكايات| «الملك الصغير» .. كيف أحببت محمد منير أكثر من كابتن ماجد؟

أحمد أنور

السبت، 30 مايو 2020 - 06:07 م

 

مشهد 1..

كنت متلهفا لنهاية اليوم الدراسي "المرواح كما كنا نسميه"، فأنا أخطط لهذا الأمر من فترة، وبالفعل خرجت من مدرسة الإمام محمد عبده يحي الترعة البولاقية بشبرا، محتفظا بمصروفي مقاومًا لإغراءات حلوى الكانتين، وهو أمر صعب علي أن لا أتناول "دراكولا" في "الفسحة" وأنظر إلى أصحابي أملاً في إعطائي من بعض ما يحويه هذا الكيس العظيم، لكني تحملت كل هذا من أجله تمنيت أن يعرف كم التضحية تلك، لكي أزين غرفتي بصورته.

توجهت على الفور إلى المكتبة التي لا أعرف غيرها فهي أمام المدرسة مباشرة، لم أتردد ودخلت للفتاة التي احتفظ بملامحها في ذاكرتي حتى الآن، وقلت بلهفة من سيلتقي بحبيبه بعد لحظات "عايز صورة لمحمد منير" هكذا خططت طوال اليوم لكنها قالت لي كأنها تمازح ابن اختها "ده بتحب فيه ايه ده شكله وحش مبيسرحش شعره"، وهنا وكأنها لطمتني على وجهي صدمت حتى أنني لم استطع الرد، خرجت من المكتبة حزينا لم أحزن مما قالت ولكني حزين لأنها لا تحبه مثلي، لكني أعلم أنه ليس ذنبه أنه ليس جميلا مثل مصطفى قمر فتى أحلام ابنة خالتي، والتي كانت لا تمل من وصف محاسنه أمامي.

مشهد 2..

كنت متكئا على ركبتي واستدعي انتباهي وتركيزي من أجل اصطياد  فريستي في معركة "قتلة بشبر"، لو صح نشاني واصطدمت بليتي بها ستكون من نصيبي، تلك كانت أكبر أهدافي وأنا ألعب مع أصدقائي في فترة الإجازة بمنطقة امبابة، أنا لا أرى أي شيء أخر أنا لا أسمع أي شيء أخر، حتى أمي التي اعتادت تناديني من الدور الخامس لا أسمعها، أريد الفوز بأي ثمن، وبعد أن جاء الدور علي أخيرَا، سمعت صوتًا بعيدًا قادما من تلفاز عم صبحي الكهربائي صوتًا جميلاً لكنه لا أفهمه، توقفت مشدوها أنا لا أبالغ إذا قلت أن "النداهة ندهتني"، ما هذا الصوت الجميل وما تلك اللوغريتمات ذهبت للفور لأرى مصدر هذا الصوت "سمعته يقول .. "ااه جا نارووه....ااه جا نارووه .. ااه جا نارووه....ااه جا نارووه .. سية سية ووه سية"، وكان في هذا "الكليب" عاصبَا راسه، وقعت في غرامه على الفور، كانت تلك أول أغنية أسمعها لمحمد منير واحفظها عن ظهر قلب.

مشهد 3..

كان الفيديو قد وصل أخيرًا إلى بيتنا، اشترته أمي، وكان صعبا علي التعامل معه إلى انه فهمت من أبي كيف أدخل شريط الفيديو، كيف اسجل عليه، كيف أوقفه، حتى أصبحت في وقت قصير ملما بكل تلك المهارات، أصبحت في بيتنا فني فيديو أو أسطى شرايط، وكان موعدي الثاني مع محمد منير في حفل ليالي أضواء المدينة وكان يجمعه في الحفل الفنانة أنغام، إلا أن أبي دائما ما يجعلنا ننام مبكرًا لكني في تلك الليلة كسرت قوانين أبي، جلست أمام التلفاز أراقب الحفل، أحضرت شريط فيديو لكي أسجل الحفل أرجعت الشريط من البداية، بعد ساعة من الآن سأمتلك نسخة من محمد منير سأعيد وأزيد فيها سأحفظ كل تلك الأغاني لن يشاركني فيه أحد، لم أتردد لحظة في تسجيل الحفل على شريط كابتن ماجد، أصلا أن لم أكن من مشجعي كابتن ماجد أحببت بسام أكثر منه هو الآخر يملك بشرة سمراء مثل منير، غنى منير " في كل حي ولد عترة وصبية حنان .. ولما ترفع قلتهم تلاقيه عطشان" الحق أنيي لم أفهم الأغنية لكني تعلقت بها وطلبت من أختي التي تكبرني شرح معناها.

مشهد 4..

استمعت للحفل مرات ومرات لن أبالغ إذا قلت إنني سمعتها ما يزيد عن مائة مرة، أخذت في تقليده حركات يديه وانفعالاته الزائدة، حتى عروقه رقبته النافرة أثناء الغناء، كنت أحضر "فوطه" أمسح بها وجهي من العرق مثلما يفعل، أنا لم أتعرق لكن لزوم التقمص، إذا أصبحت محمد منير صغير تمكنت من كل تفصيلة في الحفلة، كنت ألف سلك الكهرباء على رقبتي مثل ما يلف هو سلك المايك، وكانت خطوتي الثانية أن التقي به وكانت عادته في الحفل تقديم كل أغنية من كتبها ومن لحنها ثم يغنيها ولأني لا أعرف شيئًا عن التلحين، وسمعته يمتدح فؤاد حداد ولم أكن أعرفه قررت أنه أكتب أنا أيضا له وبالتالي ستكن خطة محكمة أن أولف له أغنية رائعة أفضل من فؤاد حداد الذي ذكره وسوف يقابلني ويحتضني بل سيشكرني، وأخذت أكتب واكتب وأكتب ولم أصل له ولم أصل إلى تلك الكلمات حتى يومنا هذا، وعرفت لاحقا لما امتدح فؤاد حداد.

مشهد 5..
تحولت في تلك الفترة من أحمد أنور أو "ديدا" حارس البرازيل الشهير التي لقبت نفسي به، إلى منير، البعض يناديني به من تلقاء نفسه وأحيانا أطلبها منهم من الممكن أن تناديني منير، وفي مرحلة الثانوية العامة، دفعني حبي لمحمد منير لكي أخطط لأول جريمة في حياتي، كيف أسرق الكمبيوتر الخاص بصديقي حسن؟، ولهذه الجريمة التي لم تكتمل حكايةأخرى، حيث  التقيت  صديقي حسن والذي يسكن بمنطقة البوهي بإمبابة لأول مرة في تحدي منير، وكان التحدي ببساطة أن أذكر اسم أغنية ويقول كلماتها والعكس صحيح، وكان هو قد وقع تحت يديه كل نوادر محمد منير قبل انتشارها اليوم على "اليوتيوب" لا أعرف كيف حصل عليها، ولكنه يومها قال لي تعرف "خطي خطي" فقلت لا فقال "اللي يبيع بيت أبوه" فسكت، فقال "هو ده اللي انت جايبينه ده غلبان"، فخسرت زعامتي بلقب منير وأني الموسوعة المنيرية الأولى لصالحه، وفكرت كيف أحصل على تلك الأغاني؟، وحين عجزت ارتضيت أن أكون تلميذًا عند حسن وكل يوم "ينقطني" بأغنية.

مشهد 6..
مع هذا المشوار الحافل لمحمد منير "الكينج" كما أحب أن أتغزل فيه بهذه الكلمة، كنت أخوض أنا أيضًا مشوارًا حافلا في حبي له والتقاط المعاني الدفينة في أغانيه، وقراءة أشعار عبد الرحيم منصور، وفؤاد حداد، ونجم، والأبنودي، ومجدي نجيب، لم اكتف به، قرأت عن السلم الخماسي وعن أنماط الموسيقى التي يستخدمها وموسيقي "العرجة" والفلكور والترات، و"الجعافرة"، كبر منير وكبرت معه، حتى امتهنت الصحافة وكان حلمي أن التقي به، حاولت محاورته أعددت مئات الأسئلة، وتوقعت مئات الإجابات منه، متخيله وهو يرشف من كوب الشاي بالحليب الذي يعشقه وأعشقه أنا أيضا بالمناسبة، ولكنه حوار لم يكن ولم اتلق به أبدًا، لكني أنا وهو "لسه بيجري ويعافر ولسه عيونه بتسافر".

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة