سعيد الخولى
سعيد الخولى


يوميات الأخبار

تلميذ فى الستين

سعيد الخولي

السبت، 30 مايو 2020 - 06:46 م

 

أشفق على المجمع وشيوخه وأطالبهم بتوسيع دائرة الباحثين الشباب المؤهلين فهم الأقرب للغة الشارع والتفاعل مع كل المبادرات الجديدة الرقمية على منصات الشبكة العنكبوتية.

يقول المثل الشعبى القديم «بعد ما شاب ودوه الكتّاب»، والمثل يجرى على قدر أهل زمانه وحدود معرفتهم، فالكتّاب كان آية التعلم فى الماضى وكان بداية كل طفل مسلم فى طريق العلم مع اكتمال عامه الثالث أو الرابع، قبل أن يزيحه من الطريق تيار الحداثة بحضانات الأطفال منذ الرضاعة ثم رياضهم فى سن الكـتّاب زمان. والفارق بين زمن الكتاب وزمن رياض الأطفال الحالية يجسد تماما حالة اللغة العربية وقتها والآن فالطفل المسلم كان يبدأ فى حفظ القرآن وهو ابن ثلاث سنوات حتى إذا ما أكمل أعوامه السبعة أو الثمانية أو العشرة ـ أتم فى الغالب حفظ القرآن الكريم وتحول فى الكتاتيب لحفظ ألفية ابن مالك، وتصبح حصيلته اللغوية وقتها خمسين ألف كلمة من القرآن وحده عدا الألفية الشهيرة.
مجمع الخالدين
السبت:
فى ديسمبر الماضى وقبل تداعيات كورونا واحتفالا باليوم العالمى للغتنا العربية الأم تلقيت دعوة كريمة من مجمع الخالدين حامل أختام الدفاع عن لغة الضاد التى تمثل هوية يجتهد المجتهدون فى محاولة مسخها والتنكيل بها، استكمالا للتنكيل بهذه البقعة من العالم بكل أشكال التنكيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتشتيتا للأخوة وزرعا للفتنة بين الأشقاء من بنى البلد الواحد؛ بعدما فرقوا بين أبناء الوطن العربى كله.
وأخذنى الحنين إلى قاعات العلم والدرس وصافحت عيناى وجوها كريمة وعقولا عظيمة جلست إليها متلقيا عنها العلم مذ كنت طالبا بدار العلوم، فها هو سادن العربية رئيس المجمع الشيخ الأزهرى الدرعمى الدكتور حسن الشافعى يتقدم المنصة بالجبة والقفطان، وقد كان معلمى وأستاذى بدار العلوم منذ أكثر من أربعين عاما كأستاذ للفلسفة الإسلامية، وها هو أستاذى فى علم اللغة الدكتور محمد حسن عبد العزيز والدكتور عبد الحميد مدكور والدكتور محمود الربيعى والدكتور عبد الحميد شيحة والدكتور محمد فتوح؛ كل أولئك الأساتذة العظام جمعتنى بهم ثانية قاعات مجمع الخالدين، فعدت أدراجى متحللا من معارف ستين عاما أحملها إلى ظمأ عشرينيات العمر الأولى تلميذا متلقيا مستزيدا من علمهم وخبرتهم التى زادتها السنون وراكمتها قاعات الدرس ومنصات الملتقيات العلمية.
وعدت منبهرا بحوار أساتذتى وجدلهم حول نقاط غاية فى الدقة تستلب الإعجاب والإنصات لحجج كل منهم داعما رأيه. وكم أشفق عليهم وعلى المجمع التليد من مسئولية عظمى عن لغة تتمدد لينا وتغريبا وسفاهة وبذاءة ـ يوما بعد يوم ـ ترفدها لغة للشارع تتوالد على ألسنة الحرفيين والصبية وسائقى الميكروباص والتوكتوك وفى الأعمال الفنية؛ فضلا عن التقدم التكنولوجى الرهيب بمصطلحاته الأجنبية المفروضة على أبنائنا وعلى شعب به نسبة أمية عالية يردد المصطلح الغربى ولا يجد اهتماما كافيا بتعريبه وتقديمه له مخففا بلغته الأصلية. أشفق على المجمع وشيوخه وأطالبهم بتوسيع دائرة الباحثين الشباب المؤهلين فهم الأقرب للغة الشارع والتفاعل مع كل المبادرات الجديدة الرقمية على منصات الشبكة العنكبوتية وعدم «تكسير مجاديف» من ينزلون تلك الميادين للتواصل بلغة العصر، ولو كان بها نوع من الربحية والطابع التجارى، مادام المردود فى صالح لغتنا الأم، فمن ينفق فى هذا المجال ليربح دون إخلال بأسس اللغة هو بالقطع خير ممن يقف صامتا متحجرا، وكم من قنوات للأطفال أسدت للعربية بين الناشئة ما لم تسده جهود فى الهواء لمنافذ علمية لم تعرف كيف تتواصل أو تصل بجهدها العلمى ليفيد منه الناس.
وأعود أدراجى للمثل الذى بدأت به «بعد ما شاب ودوه الكتّاب» لأردد فى قرارة نفسى حكمة تقول: «التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر». وأترك لكم تكملة الحكمة.
النوم سلطان
الأحد:
 أمثال شعبية عديدة كان النوم موضوعا لها؛ منها مثلا: «النوم سلطان»، «فايدة الليالى السودة النوم» و»ما ينام الليل إلا اللى قلبه خالى» وأخيرا مثل تقول كلماته «ليلته سعيدة اللى يدفيه المنام».
النوم وما أدراك ما النوم، سر دفين من أسرار الله فى الإنسان فبه يستريح الجسد ويتخفف العقل من أعباء تثقل كاهله طوال النهار، خاصة لو كان صاحب ذلك العقل لا يرحمه ولا يمنحه بعضا من الراحة الاختيارية، وقد يصل به إلى درجة الراحة الإجبارية.
وهذه الأمثال البسيطة هى نتاج خبرة حياتية عالية ولا تبدو بسيطة كبساطة كلماتها، بل فيه كل أسرار الصحة النفسية. فمن كان النوم سلطانا عليه أو يدفئه النوم طائعا مختارا نوع من اثنين: نوع لا يحمل هما ولا يأبه بما يجرى حوله، وهو فى الغالب شخص فى مثل الماء لا لون ولا طعم. أما الآخر فشخص سليم النفس متصالح معها متخلص من أدران ما يقلقها ويقض مضجعها. ومن يدفئه النوم طائعا مختارا فليلته سعيدة ونومه هانئ بلا قلق أو كوابيس، دون حاجة لنوم إجبارى بعقاقير طبية.
وقد طالعت دراسة علمية لرسالة دكتوراة للطبيب الدكتور عبدالله مكى حول اضطرابات النوم وتعاطى العقاقير ذات التأثير النفسى. وجاء بالرسالة أن النوم ظل مجهولا وغامضا ولا يعرف العلماء عنه شيئا حتى قرابة قرن من الزمان حيث تم اختراع جهاز المخ الكهربائى فى عشرينيات القرن الماضى، وحسب ما يقوله العلماء فقد تغير كثيرا نمط النوم حاليا بسبب الحضارة المعاصرة واختلاف بيئة واحتياجات العمل وتطوير الإنسان وسائل إضاءة ساعدته على أن يحيل ظلام الليل إلى نور ساطع للعمل والسهر والاستمتاع، فضلا عن التطور المزعج لآليات الترفيه ووسائل المعلومات والتواصل عبر التكنولوجيا المرعبة.
وتتطرق الرسالة للأرق الذى قدرته بعض الدراسات بـ30 ـ 45%، وتقول تلك الدراسات إن الأرق ينتشر أكثر بين النساء ضعف معدله عند الرجال، وكذلك بين المفكرين والحاصلين على درجات علمية أعلى والشخصيات التى يسيطر عليها القلق وأصحاب الطموح، ولا يفرق الأرق واضطراب النوم بين الكبار والصغار، فللأطفال اضطرابات كثيرة مثل الكوابيس الليلية والفزعات الليلية والمشى أثناء النوم والحديث أثناء النوم والتبول اللاإرادى. أما الكبار والمسنون فيشيع بينهم اضطراب النوم والشخير واضطراب دورة النوم، بل إن العلماء تمكنوا من رصد 80 مرضا خاصا بالنوم، ولذلك طورت مصانع وشركات الأدوية العديد من العقاقير التى تساعد الإنسان أن يصحح سقم نومه زيادة أو نقصانا.
ألم أقل لكم «ليلته سعيدة اللى يدفيه المنام»؟.
تأشيرة علاء
الإثنين:
فى الزمان والمكان والإنسان سافر الكاتب الصحفى الصديق علاء عبد الهادى حاملا جواز سفره وتأشيرات عديدة كل تأشيرة منها بمكان وزمان مختلفين يخرج منهما دائما بزاد يحتاجه الصحفى ليصبغ به معارفه وما يكتبه للناس.
من أدب الرحلات كان كتاب علاء عبد الهادى «تأشيرة سفر» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ملخصا مشاهداته خلال سفرياته العديدة للإنسان والمكان والزمان مستدعيا للذاكرة سفر أنيس منصور الأشهر «200 يوم حول العالم»، غير أن علاء عبد الهادى سرد مشاهداته خلال سنوات طويلة استغرقها عمله الصحفى. وكان صريحا فى مقدمة كتابه وهو يروى تفاصيل رحلته الخارجية الأولى إلى عمان بالأردن، وكانت الدعوة للرحلة موجهة لرئيس تحرير الجريدة القطرية التى كان يعمل بها، والذى أراد مكافأة محرره المجتهد فاختاره للرحلة، لكن ـ وكما يقول الأستاذ علاء ـ المنحوس منحوس، فقد كانت الرحلة ذهابا وعودة فى نفس اليوم بين الدوحة وعمان فالدوحة، بل إنه لم يغادر مطار الملكة علياء الدولى، فالمناسبة كانت تدشينا لأول رحلة للخطوط الجوية القطرية إلى عمان.
هكذا كانت رحلته الأولى المتواضعة التى لم يتقاض عنها بدل سفر - لأن جواز سفره لم يختم فى عمان وبالتالى اعتبره مدير الحسابات ـ وكان مصريا ـ لم يسافر من الأساس! - لكن آماله الكبيرة بالسفر حول العالم توالت فى التحقق بعدها وكان عمله الصحفى هو بساط الريح الذى حمله وطاف به كثيرا من بلاد العالم قديمها بحضارته السابقة وحديثها بحضارته المعاصرة، وتنوعت رحلاته من بريطانيا إلى أمريكا ثم أوسلو واستانبول فألمانيا واليونان وروسيا وجنيف والدنمارك وأخيرا موناكو أكبر كازينو مفتوح فى العالم.
وكانت حصيلة تلك البرامج السياحية صفحات ذلك الكتاب الممتع فى الزمان والمكان والناس والمعالم والأحداث.
.. ودهشة عبد الهادى
الثلاثاء:
وعبر دروب ومسالك اللغة العربية وفنونها ودهشاتها كانت تأشيرة سفر أخرى حملها الكاتب الصحفى الصديق عبد الهادى عباس، ممتشقا قلمه بديلا للسيف ومتخذا من ذائقته الأدبية وعشقه للعربية خلية نحل كاملة الجنود والشغيلة والملكة لتكون مدادا لكلماته وليخط أول كتبه «سراديب الدهشة» وهى سراديب مدهشة بالفعل يزهد فيها المتجرد من أسلحته جهلا بكنوزها وخوفا من ثناياها التى تحتاج إلى مرونة فيمن يروضها اكتشافا لها وتجلية لجمالها، فيقدمه سائغا لعطاشى الجمال والشاربين.
عبد الهادى عباس كما عرفته «عقّادى الهوى» يسوس فصيح اللغة ويسلكه عقدا منتظم الفرادة والجمال والافتتان بالجزالة اللفظية، وهو فى ذلك ينفق كما ينفق كل ذى سعة من سعته، يستهويه قارئ من طينته. وكان افتتانه بالعقاد الكبير ذريعة لاختياراته وسراديب دهشته فى النماذج الأدبية نثرا وشعرا ورواية، وكانت قراءته للعقاد شاعرا رحلة ممتعة جديدة فى قراءة العقاد من أحد محبيه المتيمين السائرين على دربه. ومنه كانت رحلته مع أستاذه المباشر الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم الملقب أبو همام، وكيف لا وهو الحلقة الوسطى بين الأستاذ الكبير والتلميذ المبشر.
سراديب عبد الهادى عباس مدهشة فى زمن ملايين العشاق المخدرين بنمبر وان وشواكيش المهرجانات المخربة للعقول والأفكار، وجدير ببعض من الجهد لاستكناه مخبوءاته.
.. والختام
عجبا لأمر الإنسان.. يبدأه أبواه بشهوة، ويتشكل فى رحم أمه بين ماء وظلمة، وينزل للدنيا متوجسا بأزمة، ويستقبلها شاكيا بصرخة، ويشغلها لاهيا بلعبة، ويملأها مفتونا بحركة، ويملّها يئوسا بغصّة، ويزهدها مُعْرٍضا بأنّة، ويودعها بَغْتة بشهقة، ويعود لرحم الأرض أكفانا وجثة... فسبحان من جعل كل ذلك رهنا بكلمة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة