حسام العادلى
حسام العادلى


كل يوم

فيروس الكتابة عن الفيروس

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 31 مايو 2020 - 06:57 م

من اللافت - والمزعج أيضًا - أن حديث بعض المعنيين بالشأن العام عن وباء «كورونا» أخذ مَنْحى لا يتلاءم مع خطورة الظرف الراهن ، فقد ظهرت وجهات نظر متعجلة وقاصرة تُقيِّم الوضع الاجتماعى والاقتصادى والسياسى ، تقترن غالبًا بأطروحات تنبؤية عن مستقبل العالم فى أعقاب انحسار الوباء ، ولَم تسلك هذه الروئ منهجًا علميًا قائمًا على تتبع الرصد الرقمى الدقيق والرسمى المتزامن مع هذا الحدث الاستثنائى أو تسترشد حتى بتاريخ وملابسات أزمنة حدوث الأوبئة. تندرج أغلب التأويلات تحت عنوان رنّان «العالم قبل كورونا والعالم بعد كورونا»؛ وتطلق العبارات الفخمة المظللة باللون الأحمر على غرار: تغيُّر منظومة القيم الاجتماعية فى العالم ، الصعود أو الانهيار الاقتصادى لدول بعينها ، حرب فيروسية خفيّة بين الصين والولايات المتحدة ، وبعض المتشدّدين يروج بأنه حلّ بالأمم الكافرة حتى يقتص منها وأنه علامة من علامات نهاية الزمان ، وإلى جانب آخر من الفتاوى الطبية من غير أهل الخبرة الطبية تتحدث بثقة عن طبيعة الفيروس وطرق علاجه التى لم تكتشف بعد. الخطورة العالمية لمثل هذه التأويلات أن مصادرها لا تقتصر على منشورات من مواقع إلكترونية مجهولة فى الإنترنت ، بل تُنشر فى مواقع وصحف عالمية وإقليمية مهمة لها وزنها ومصداقيتها لدى قطاع كبير من الجمهور. هذه الكتابات التى تتحدث عن الفيروس هى فى حقيقتها أشدّ فتكًا من فيروس «كورونا» ذاته ، إذ تؤثر سلبًا على التوجيهات الرسميّة للقيادة السياسية التى تمتلك وحدها الأدوات والمعلومات الصحيحة وتشوش على نفاذ قراراتها ، بل وتعتبر بدورها بشكل غير مباشر منبعًا خصبًا للشائعات والمعلومات المغلوطة التى تحاربها الدولة للعبور الآمن من تلك الأزمة. إذ تؤثّر -كفيروس فكرى - على العقلية الجمعية للشعوب ؛ ففى نطاق الشبكة الذهنية المعقدة للمتلقى الواحد فى هذه الفترة الحرجة المتخمة بالقلق والتوتر، تتداخل كافة الافتراضات التى يقرؤها مع بعضها : الاجتماعية ، الاقتصادية والسياسية والطبية والدينية ؛ تخترع لديه تصورًا مشتتًا ومغايرًا سواء للواقع أو للمستقبل، وعندما يتفاعل ويتعامل بشكل تلقائى مع المحيطين به يؤثر عليهم -وكأنه عدوى فيروسية - فيتخذ السلوك الإنسانى فى مجمله وبشكل واسع النطاق أسلوبًا غير متناسب مع طبيعة الأزمة سواء بالمغالاة فى التشاؤم أو الإفراط فى الاستهتار.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة