عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

حرب اشتعلت نجهل من صاحب الحق فيها

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 08 يونيو 2020 - 07:27 م

العالم مقبل على متغيرات عميقة جدا ستهز قواعد العيش فيه بصفة غير مسبوقة، الأمر لا يقتصر على ما فعله وباء كورونا فى الاقتصاد وفى أنماط العيش البشرى، ولا على ما خلفه قتل المواطن الأمريكى الأسود البشرة بدم بارد من طرف الشرطة الأمريكية من ردود فعل انتشرت فى العالم كما تفعل النار فى الهشيم، وهذه كلها أحداث لا يمكن لخبير ولا لعالم فى مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والفيزيائية والسياسية والرياضية والدراسات المستقبلية، التكهن بمسار تداعياتها على الكون وعلى الاقتصاد وعلى أنماط العيش، وهذا يكفى للتأكيد على أن العالم بأسره سيعيش مرحلة قلق عميق تشتعل خلالها أسئلة حارقة حول مصير الإنسانية.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المثير للجدل، لم يحصر كل انشغاله فى هذه القضايا المصيرية التى يتأكد تدريجيا أنها ترهن المستقبل، بل أصر على أن يلقى بحجرة كبيرة فى بركة انشغالات الرأى العام الدولى غير الراكدة أصلا، بأن باغث العالم بتوقيع أمر تنفيذى بإلغاء البند 230 من قانون آداب الاتصالات الأمريكى وهو الأمر الذى يهدد بهز أركان عرش كبريات منصات التواصل الاجتماعى، التى تحولت إلى شركات اقتصادية عملاقة تراكم أرباحا مالية خيالية غير مسبوقة، وتتحكم فى صناعة الرأى العام العالمى.
فما قصة هذا البند، وما الذى سيحدث فى حال نجاح ترامب فى مسعاه هذا؟
البند 230 ينتمى إلى قانون آداب الاتصالات الأمريكى، الذى شرع لأول مرة سنة 1996، وكان الهدف منه لحظة تشريعه التحكم فى محتوى المواد الإباحية، لكن هذه الحماية كانت تهدد حرية التعبير فى بلاد العم سام، ولذلك سارع السيناتور الأمريكى رون وادين والنائب الجمهورى كريستوفر كونش إلى اقتراح البند 230 بهدف حماية حرية التعبير وتنظيم عمل المنتديات فى الشبكة العنكبوتية، ليتاح لجميع الأشخاص المشاركة بأفكارهم والكشف عن مواقفهم، وبدون هذا البند كان من ضرب الخيال أن تكون شبكات التواصل الاجتماعى على ما هى عليه اليوم، لأن هذا البند يقضى بألا يتم التعامل مع مزودى خدمة الأنترنت باعتبارهم ناشرين، لأن المحتوى مقدم من مزودين آخرين، وهى بذلك ليست مسئولة قانونيا عن المحتوى الذى تنشره، بيد أن آخرين رأوا، ولازالوا يَرَوْن، أن هذا البند حول شبكات التواصل الاجتماعى إلى تربة خصبة لممارسة التسلط عبر الإنترنت، ونشر الكراهية والأخبار الزائفة وغيرها من أشكال التعبير، التى أضرت بعمق وجوهر حرية التعبير. لذلك سارع الرئيس ترامب إلى استهداف منصات التواصل الاجتماعى.
لعل الأكثر أهمية فى هذا التجاذب الذى يهدد ركائز بنية التواصل الحديثة، يكمن فى التساؤل ما الذى سيحدث إذا نجح الرئيس الأمريكى فى تعديل هذا البند، إن الذى سيحدث سيغير صورة وشكل وقوة الإنترنت، بما ستكون له تداعيات على المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، وستكون له تأثيرات مالية واقتصادية هائلة جدا. ذلك أن شبكات التواصل الاجتماعى ستتحول من مجرد حمالة لمواقف وأفكار وتعبيرات متباينة ومختلفة، دون أن تكون مسئولة قانونيا على محتوياتها، إلى منصات ناشرة لهذه المحتويات ومسئولة عما يترتب عن هذا النشر الذى من المحقق أنه سيتحول فى كثير من الأحيان إلى أفعال يعاقب عليها القانون، هذا يعنى أن التغريدات المباشرة  live- tweeting والبث المباشر على اليوتيوب والفايسبوك سيختفى بصفة نهائية. وبِما أن هذه المنصات ستصبح مسئولة قانونا عما تنشره وتقدمه من خدمات، فإنها ستكون مجبرة على تكليف مراقبين على ما ينشر ومدى ملاءمته مع التشريعات المختلفة، من المواد المنتجة والمعروضة وممارسة الرقابة القبلية لن تكون سهلة، إن لم تكن مستحيلة.
طبعا، لم تبق شركات التواصل الاجتماعى مكتوفة الأيدى أمام ما يحيكه ضدها الرئيس الأمريكى، بل الواضح والأكيد أنها ستلتجئ إلى استعمال جميع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لكسب رهان هذه الحرب الضروس والمصيرية.
الأكيد أن هذه المواجهة غير المسبوقة فى مسار تطورعالم الاتصال تكتسب جميع شروط ومواصفات شد الانتباه، مواجهة بين الفاعل السياسى الذى ضاق ذرعا مما يقوم به الفاعل الإعلامى من أدوار سياسية، ولا أحد يمكنه التنبؤ بما ستحمله الأسابيع القليلة المقبلة، والتى لن يخرج عن ثلاثة احتمالات لا رابع لها. إما أن الرئيس الأمريكى، الذين ينوب فى هذه المواجهة عن أعداد غفيرة جدا ممن يشاطرونه الانشغال، وبالتالى يحق القول من الآن إن العالم مقبل على تحولات عميقة جدا فى عالم الاتصال والصناعات جد المتطورة المرتبطة به. وإما أن هذه الشركات ستستعمل أسلحة الدمار الشامل، لأنها تخوض حرب وجود وليست حرب حدود، وستنجح فى إزاحة ترامب عن عرش البيت الأبيض. وإما أن البراجماتية الأمريكية ستحضر مرة أخرى، ويجلس الفرقاء حول طاولة للتوصل إلى توافق يقضى بتبادل المصالح. ومهما كان المآل فإن ترامب شرع بابا جديدا لا يمكن الادعاء بأنه يملك وحده مفاتيحه.
نقيب الصحافيين المغاربة

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة