د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

الأدب دين

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 11 يونيو 2020 - 06:15 م

الدين عند هؤلاء جماعة، تخرج زاعمة أنها فى سبيل الله، تاركة ما وراءها من مسئوليات اجتماعية.

هل أتبعك على أن تعلمنى


السبت:
  أرشده الله، وهو رسوله وكليمه، إلى عبد من عباده، علمه من لدنه، فلما وصل إليه قال: هل أتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشدا؟ قال جميع العلماء: هذا أدب مع المعلم، سأله بهل، وجوابها إما نعم، وإما لا، وقال العبد: إنك لن تستطيع معى صبرا، والتمس له العذر، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا! وكان جواب الرسول المؤدب: ستجدنى إن شاء الله صابرا، ولا أعصى لك أمرا، وأمرا نكرة تفيد العموم، أى لن أعصى لك أى أمر كان، وفى الموقف الأول يرجوه: لا تؤاخذنى بما نسيت، وفى الثانى: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبنى، وكان الفراق فى الثالث على أدب جم وأنت لا تعرف المؤدب حق المعرفة إلا عند الفراق، وهذا يجعلنى أقول: إن معظمنا يعيش مع أناس غير مؤدبين، وهو يكاد يحلف أنهم عنوان على الأدب، حتى تنكشف الحقيقة، عند غضبهم، أو عند مفارقتهم، انظر إلى زوجين، يقول كلاهما فى الآخر شعرا، فإن حدث الطلاق اسمع، كان بلا أهل ربوه، وشهادته مزورة، ودينه نفاق، وعشير ستات، ورفيق بنات، وبخيل، وملحد، تسمع العبر، والله أعلم بالحقيقة، الأمر الذى يجعلك تقول: كيف تم تزويج مثل هذا، ولو سألت الذى يذم منهما من كان صاحبه: كيف أو لم تزوجته؟ وكيف كانت المعاشرة بينكما، لم تجد جوابا إلا: أهوه بقا، ومنهم من يقول: نصيب، ومكتوب، ولا هو بنصيب، ولا هو بمكتوب إلا من حيث علم الله بعكنا، وسوء اختيارنا، والشاهد أن إفرازات سوء قد خرجت عند الوداع، وهى موجودة فى كيان من لم يعرف الأدب، كانت تنتظر الوقت، كما ينتظر الصائم ضربة مدفع الإفطار فإذا به يلتهم الطعام كأنه لم يذق له طعما من سنين، كذلك عديم الأدب تخرج وقاحاته منهمرة كمطر المنذرين الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجين، لا تتركهم إلا هلكى، ولم تتوقف إلا بعد يقين هلاكهم، وكانت تخرج أيام المصلحة والمنافع كقطرات الندى فى الصباح، وهذه دعوة إلى الاستمتاع بما تراه من ظاهر الناس، لا بأن تفكر فيما وراء الابتسام من خبث نية، وفساد طوية، وانتظار حتى تنفجر القنبلة، لأن هذا الدين لا يأمر الناس بتفتيش داخلهم، وقراءة نياتهم، روى البخارى أن خالد بن الوليد رضى الله عنه أراد أن يقتل رجلا أساء الأدب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنهاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله، لاحتمال أن يكون ذلك السيئ من المصلين؛ فقال خالد: كم من مصل يا رسول الله بجوارحه، وقلبه منكر؛ فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله لم يأمرنى أن أفتش عما فى قلوب الناس، أى لم يكذب النبى صلى الله عليه وسلم خالد، لم يقل له: لا يا أخى لا تقل هذا، كل مصل بجوارحه قلبه مؤمن، وإنما قال له: وليكن، لكن ليس من مهامى كرسول أن أفتش فى القلوب لأرى أيها مؤمن، وأيها كافر، بل أدع القلوب لرب القلوب، وحده يعلم ما فيها، ووحده يجازى أصحابها، ولى الظاهر، متى كان الرجل يصلى فقد نهيت عن قتل المصلين، مؤمنين بقلوبهم، أو غير مؤمنين بقلوبهم، والمتأمل فى الحديث الصحيح يتوقف عند قوله: لعله أن يكون من المصلين، فمعناه عظيم، لأن احتمال كونه من المصلين يصون دمه، وما كان أسهل أن يسأل الرجل: هل تصلى يا هذا؟ وهذا دليل على أن الإسلام ليس بذى شهوة لإراقة الدماء، كما يتوهم الجاهلون، وإذا كان قتل المحتمل أن يكون من المصلين حراما، فما بالنا بمن يقتل المصلين فى المساجد، وهو يراهم بعينه يركعون، ويسجدون، ذلك أشنع فى التحريم، وأقوى فى التجريم، تجريم من يقتل المصلين زاعما أنهم كافرون، وهو - لو كان مسلما- منهى عن قراءة ما فى قلوب الناس، لأن الإيمان والكفر محلهما القلب، وهو محجوب عن عيون الناس، لا يرونه، وإنما يراه رب الناس وحده، والمسلم السوى لا يفتش؛ وذلك لأنه متى فتش وجد، فتسوء العلاقة بينه، وبين الناس، وتتعطل مصالح الفرد، والجماعة، بل وتتوقف الحياة، وتصبح أنهارها وديان دماء، ومعارك، صباح مساء.
 ربنا يبارك ربنا يزيد
 وما لا يعلمه كثير من الناس أن الأدب دين، لأن هؤلاء درجوا على أن الدين عندهم إقامة شعائر، ومناظر، ولباس، ومسابح، وإمساك بسواك ومصاحف، وتمتمات على الشفاه، لا يدرى لها تفسيرا، وإنما يراها فى صعود وهبوط، فيقول: ربنا يزيد، ربنا يبارك، كنجيب الريحانى الذى ارتدى ثياب الأمير، وهو رجل بسيط، لا يحسن التعامل كأمير مع ما يراه من مشاهد يزورها، فنصح بأن يقول عند المسرات: ربنا يزيد ربنا يبارك، فقالها عند سماعه أرقام الحرائق التى تقوم بإطفائها المطافئ، الدين عند هؤلاء جماعة، تخرج زاعمة أنها فى سبيل الله، تاركة ما وراءها من مسئوليات اجتماعية، لتعتكف فى مسجده، وتقرأ كتابا، وتدعو الناس إلى الصلاة، والدين عند أهل العلم غايته تهذيب السلوك الآدمى، وفى الكتاب العزيز: "هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة" وقدم ربنا تعالى (التزكية) على التعليم، كما قدمنا نحن التربية على التعليم فى اختيار اسم الوزراة، والعوام يقولون: الأدب مفضل على العلم، ومقدم عليه، وفى الحديث الشريف إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم فى الهجير، أى الصائم فى يوم شديد الحرارة، محتسبا عند الله صومه، وفيه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، وأنا أحفظ له رواية ذكرها ابن عبد البر فى موسوعته التمهيد: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا، أى أن الصلاة الأصل فيها أنها تقرب المصلى من الله، فإن صار منه قريبا نال رحماته، ونفحاته، ورضوانه، ومغفرته، وواسع جنته، وإن لم تنهه عن سوء السلوك من الشتائم والسباب واللعان، وفحش القول لم يزدد بها إلا بعدا عن تلك الغنائم التى لا يحصل عليها بما فى الدنيا من أموال، روى أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن" وهو يبين لنا أن الأدب أفضل ما يعطى والد ولده، لأنه بالأدب الحسن ينال فوق ما كان أبوه معطيه من ثروات الدنيا، وزيادة، شيء ما جعله الله فى نفوس عباده، فهم يؤثرون المؤدب، ويقدمونه على غيره، ويقربونه، ويسندون إليه من الأعمال ما لا يسندونها إلى غيره، وكثير من الناس يقولون فى الحاصل على أعلى الشهادات وهم يعلمون سوء أدبه: يغور بشهاداته، كفاية قلة أدبه، وكثيرات من بنات المسلمين يأبين أن يتزوجن سيئ الأدب برغم توفر ماله، قائلات: يغور بفلوسه، كفاية غروره، وطولة لسانه، حتى الفقير البائس، يعف عن صدقة المؤذى له بلسانه، قائلا: أموت م الجوع، ولا أسمع منه كلمة سيئة، مازالت تلك الكلمات الطاردة لغير المؤدبين، فى كل المواقع، وستبقى، وإن قلت نسبة قائليها شاهدا لا يموت على أن سيئ الأدب منبوذ، والناس ترغب عنه، وترغب فى غيره، وإن كان أقل منه جاها ومالا، ونحن فى حاجة إلى خطاب دينى تتجلى فيه تلك الحقيقة، أن يفهم الناس أن الأدب دين، وأن الدين برمته قد نزل لتزكية النفوس التى من أجلها استدعى الفضلاء لاسيما الأمراء فى العصر العباسى من يؤدب لهم أولادهم على مبادئ الدين، وأساسيات العلوم، والثقافة، ومعرفة أصول الكلام، وكيف يأكلون، ويشربون، ولمن يقومون، وكيف يضحكون، ومتى يضحكون، ومتى يتوقفون، والنبى صلى الله عليه وسلم علم الدنيا معنى الأدب، وقال لمن سأله مرافقته فى الجنة: أمسك عليك لسانك، وقال: وهل يكب الناس فى النار إلا حصائد ألسنتهم، وفى التنزيل يذكر لنا ربنا من صفات المؤمنين الذين هم مفلحون، فيقول: والذين هم عن اللغو معرضون، والإعراض معناه منتهى الكراهية للغو، وفى الحج يقول ربنا تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، والعلماء يقولون إن الرفث والفسوق والجدال مبغضون فى غير الحج، وهن فى الحج أشد تبغيضا، والمسلم كما قال ابن عبد البر إذا علم أن كلامه من عمله قل كلامه، وكثرت أفعاله، وقد أصبحنا نرى اللغو سائدا مجالسنا، والرفث فيها شائعا، وهو الكلام السيئ على العموم، ليس خاصا بالنساء، وصرنا نسمع القهقهات يعدها البعض ضربا من ضروب الترفيه، والتفريج عن النفس، ودليلا على عدم العقد، والأمراض النفسية والثابت عن سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بالغ فى الضحك كادت نواجذه ـ أى أنيابه ـ تظهر، فكيف نرى من أمته من إذا لم يبالغ فى القهقهة ظهرت للناس حنجرته من الداخل فضلا عن المبالغة، وكيف صرنا إلى هذه الحال؟ لا شك أن مفهوم الدين صار لدينا شعائر، ولم نسمع خطبة جمعة، أو درسا فى الدين عنوانه الأدب دين.
 شبكات تقاطع لا تواصل
الإثنين:  
اتفقنا على تسميتها شبكات تواصل اجتماعى، وهى عند كثر من الناس شبكات تقاطع اجتماعى، تشكو لى فتاة فتقول: إن حماتها لغير سبب غضبت عليها فقامت ونصحت لبناتها بإهانتى على الفيس، ورميى بأشنع الصفات، وقذفى، وسبى، وشتمى، ولعنى، ولعن أهلى، ولم أملك إلا أن قلت لها: اخرجى من هذا العالم، ودعيهن يكتبن ما شئن حتى لا ينكد ذلك عليك عيشك، ويكدر صفوك، ما هكذا يكون التعامل مع نعم اللهى التى اخترعها غيرنا ووصلت إلينا، لم يصل إلينا المحمول لنرسل من خلاله البذاءة، والتشهير، ويتجسس به بعضنا على بعض، ويذيع من خلاله بعضنا أسرار بعض، ويهدد به بعضنا بعضا، وما كان غيره من فيس وبرامج واتس اب، وغيرها إلا وسائل للاتصال الهادف، أن يسأل بعضنا عن حال بعض، وأن يخبر بعضنا بعضا بموعد وصوله، وأن نتكسب به، لتوفيره الوقت والجهد، كنت أسافر إلى الأستاذ الدكتور المشرف على رسالتى فى الماجيستير إلى بلدته من القاهرة، ولم يكن لديه تليفون أرضى، ولم يكن المحمول قد شرف البلاد، وكنت بعد عنت السفر لا أجده رغم اتفاقنا على اليوم، ولو كان هذا الجهاز موجودا أيامها لما لقيت عنتا، وخسرت وقتا، كنت أؤكد عليه بكلمة، أو كان يتفضل علىّ برسالة: حدثت ظروف ولا لقاء غدا، الله الله لو كان موجودا أيامها، كان سيوفر لى يوما كاملا بما فيه من جهاد فى المواصلات، وضياع للوقت الذى هو عمر الإنسان، وخنقة تعترينى كلما وقفت ببابه، وخرج لى ولده، وأخبرنى أنه ليس موجودا، كم من وسيلة للراحة يرهق بها الأحمق نفسه وغيره ممن يستحق ومن لا يستحق، ومن لا يستحق حسن الأدب أولى به حسبة لله.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة