مجاعة قاسية  ضربت مصر ودفعت المصريون يأكلون لحوم البشر
مجاعة قاسية ضربت مصر ودفعت المصريون يأكلون لحوم البشر


تعرف على قصة «مجاعة قاسية» ضربت مصر ودفعت المصريون يأكلون لحوم البشر

شيرين الكردي

السبت، 20 يونيو 2020 - 04:27 ص

يروي الأثري حمادة سعد رمضان مفتش آثار بمنطقة وسط الدلتا ، حكاية " المستنصر بالله آبى تميم بن الظاهر لدين الله على بن منصور الحاكم بأمر الله "، هو خامس من تولى الخلافة بمصر من خلفاء الدولة الفاطمية ،ولد سنة 420 هجريًّا والذي تولى الخلافة في عام 427 هجريًّا، وهو في السابعة من عمره.

ذكر "بن إياس" في بدائع الزهور في وقائع الدهور الجزء الأول :

"أن العامة قد أكلت الحب ثم أوراق الشجر ثم الحيوانات الأليفة ، فلما أنتهي ذلك كله أكلت الناس بعضها ، حتى أن العامة كانت تجلس على الأسطح وفى أيديها أحبال تنتهي بكلاليب يخطفون بها المارة ، فإذا امسكوا بأحد أكله بعظامه" .

من هو "المُستنصر بالله" :

بلغت الشدة المستنصرية مداها المأساوي لولا تلك الملامح والسمات الخاصة لفترة حكم المستنصر بالله ، فنتيجة لصِغَر سن الخليفة وضعف شخصيته تزايد نفوذ الوزراء وقادة الجند، واحتدم الصراع بين فرق الجيش للسيطرة على الحكم، وزاد الطين بله دخول التجار إلى أروقة الحكم وتولى بعضهم منصب الوزارة، الأمر الذي أدى لتغييرات جوهرية في السياسة الداخلية للفاطميين، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الغلاء وتجنّب الآثار السلبية لانخفاض فيضان النيل.

أولى مجاعات عهد المستنصر :

وأضاف الأثري حمادة سعد، أن في عام أربعمائة وواحد وخمسين هجريًّا انخفض قاع النيل ولم يفض ، فضربت المجاعة البلاد على مدار سبع سنين ، وعلى الرغم من أن "المقريزي" يشير إلى أن سبب هذه المجاعة هو انخفاض النيل، فإن المصادر التاريخية تتفق على أن الفيضان تجاوز 17 ذراعًا في تلك السنة، وهو ما يدفعنا للبحث عن عامل الدولة وطبيعة دورها في تلك المجاعة،و فني من أهل مصر نحو الثلث ، وأكل الناس فيها الحي والميت .

وأوضح الأثري حمادة سعد، أن أولى مجاعات كانت في عهد المستنصر في عام (444 هجريًّا)، وذلك أثناء وزارة " اليازوري" ، التاجر القادم من الأراضي الشامية.

أول أزمة جوع وغلاء شهدتها مصر بعد الإسلام :

ويمكن الجزم بأن سبب تلك المجاعة هو تغيير" اليازوري" لوظيفة المتجر السلطاني، وهو إدارة حكومية تمتلك العديد من المخازن التي توضع بها المشتريات من السلع والبضائع التى تحتاجها الإدارات الحكومية وقصور الخلافة، بالإضافة إلى بعض السلع التي يبيعها المتجر لتحقيق الربح.

وتقليديًّا كان المتجر يخصص كل عام 100 ألف دينار لشراء الغلال كاحتياطي غذائي، يتم توزيعه وقت الأزمات على الطحانين والخبازين بالسعر العادل، وكان وجود هذا المخزون كفيلًا بمنع التجار من التفكير في التلاعب بالأسعار.

فقد حدث عندما كان "اليازوري" قاضيًا أن نظر في قضية مفادها أن بائع خبز باع الخبز بأقل من السعر المحدد في الأسواق خشية كساده، فعاقبه عريف الخبازين بالضرب والغرامة، فاشتكى إلى القاضي اليازوري الذي ذهب بدوره للخليفة وزيّن له أن يتخلى المتجر السلطاني عن شراء الغلال وبيعها في الأسواق.

وطالما أن الرخاء يعمّ البلاد، يتبنى المتجر سياسة ربحية بشراء وتخزين السلع التي لا تفسد بمرور الزمن والتي يرتفع سعرها، ووافقه المستنصر بالله على أن يقيم متجرًا لا كلفة فيه على الناس، ويفيد أضعاف فائدة الغلة ولا يخشى عليه من التغيير في المخازن لانحطاط سعره، وشرع اليازوري يشتري للمتجر الخشب والصابون والحديد والرصاص والعسل.

وجاء الاختبار الحقيقي لسياسة المتجر الجديدة عندما انخفض فيضان النيل ولم يتجاوز 15 ذراعًا إلا ببضع أصابع، ورافق انخفاضه وباء فتاك عمَّ البلاد، ولم يكن في مخازن السلطان إلا جرايات من في القصور ومطبخ الخلفية وحواشيه.

واضطر اليازوري إلى مصادرة ما كان بمخازن تجار الغلال، وأربح كلًّا منهم دينارًا مقابل كل دينار من مشترياتهم، وسارع إلى توزيع الغلال وضبط الأسواق لتجنب خطر المجاعة.

وصحب هذه المجاعة وباء شديد أودى بحياة كثيرين، خاصة في عامي 447 و448 هجريًّا، حتى إن عطارًا باع في يوم واحد ألف قارورة شراب، وقُدّر من مات في مصر خلال عام 448 هجريًّا، بألف إنسان كل يوم.

ويذكر أن 3 من اللصوص نقّبوا بعض الدور فوُجدوا عند الصباح موتى، الأول على باب النقبة، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب التي كورها.

ونتيجة للمجاعة التي وقعت عام 455 هجريًّا، بسبب وصول الفيضان لحد الغرق، انتشر وباء الطاعون، فمات في 10 أشهر كل يوم ألف إنسان، أي ما يقرب من 300 ألف شخص.

إلا أن كل هذه الوقائع تتضاءل أمام جسامة أحداث المجاعة التي اجتاحت مصر لمدة 7 سنوات، واشتهرت هذه المجاعة باسم الشدة المستنصرية، والتي يقال إنه لم يحدث مثلها منذ زمن يوسف عليه السلام.

بداية هذه المجاعة :

وسبب بداية هذه المجاعة هو قصور ماء الفيضان، فارتفعت الأسعار وأعقب ذلك الوباء حتى تعطلت زراعة الأرض لموت الفلاحين، وظل النيل بعد هذه السنة يمد وينزل، فلا يوجد من يزرع الأرض، ولا جدال في أن ضعف السلطة المركزية والصدام المسلح بين فرق الجند الفاطمي، قد فأقم من النتائج المأساوية لتلك الشدة التي بلغت ذروتها، فعظم الجوع واشتدّ الوباء وانتشر السلب والنهب، ولعل ذلك عائد لمحاصرة ناصر الدولة بن حمدان لكل من القاهرة والفسطاط في ذلك العام.

وخلال هذه السنوات السبع، انهارت القوة الشرائية للنقود، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشدة، حتى إن حارة بالفسطاط بيعت بطبق خبز، كل رغيف فيه بمنزل، فعُرفت لذلك بحارة "الطبق" .

ونظرًا لاشتداد المسغبة وطول أمدها لجأ الناس إلى أكل نحاتة النخل، بل طبخوا جلود البقر وباعوها رطلًا بدرهمين، ثم أكل الحيوانات الأليفة فبيع الكلب ليؤكل بخمسة دنانير والقط بثلاثة دنانير، ولم تسلم دواب الخليفة من السرقة لتؤكل حتى لم يبق له سوى 3 أفراس، بعد أن كانت 10 آلاف ما بين فرس وجمل ودابة.

وحدث أن وزير المستنصر ترك على باب القصر بغلته، وليس معها إلا غلام واحد، أخذوا البغلة منه، فلم يقدر على دفعهم لضعفه من الجوع، وذبحوها وأكلوها فأُخذوا وصُلبوا، فأصبح الناس فلم يروا إلا عظامهم، إذ أكل الناس في تلك الليلة لحومهم.

أكل لحوم البشر :

وأوضح الأثري حمادة سعد، أن الرجل كان يدخل بيت جاره فيخطف ابن دارى أمام أعين أبيه ويذبحه ويأكله .

وتعدى الأمر إلى أكل الجيف والميتات ثم لحوم الآدميين، فيُذكر أن طوائف من أهل الفساد اعتادت أن تسكن بيوتًا قصيرة السقوف قريبة من المارة تمكنها من خطف المارة، بواسطة خطاطيف، وحبال أعدوها لذلك ليقوموا بعد خطف الضحية بضربه بالأخشاب حتى يتمكنوا من تشريح لحمه وأكله.

ويبدو أن قصص أكل لحوم البشر لم تكُن من نسج خيال الكُتَّاب، إذ أورد لنا ابن دقماق اسمين لزقاقين بالفسطاط لهما صلة بتلك القصص، أولهما زقاق البواقيل الذي يُعرف أيضًا بزقاق الندافين، حيث كان جماعة أيام الشدة المستنصرية يقفون تحت القبو هناك، فمن مر بهم ندفوه ونزعوا ما عليه ورموه في بئر هناك، وثانيها هو زقاق العكامين، حيث كان أناس يعكمون المارة باكر في أفواههم ثم يحملونهم إلى زقاق القتلى، ليقتلوهم فيه فسمي بذلك، وصارت لحوم الآدميين سلعة رائجة يقوم الطباخون ببيعها مطبوخة بعد أن يذبحوا ضحاياهم من الصبيان والنساء.

حوادث أكل لحوم البشر الشهيرة:

ومن حوادث أكل لحوم البشر الشهيرة، ما ذُكر عن امرأة خطفها إنسان، وكانت بدينة فأدخلها بيتًا فيه سكاكين وآثار الدماء وزفرة القتلى، وأوثقها وأخذ يشرح من فخذيها ويشوي حتى شبع وسكر، ففرّت منه واستغاثت بالوالي الذي كبس الدار وضرب عنق الرجل.

وربما كان أكل الجيف والميتات ولحوم البشر من أهم الأسباب التي أدت لانتشار الوباء الذي كثرت ضحاياه، حتى عجز الناس عن تكفين موتاهم، فألقوهم في الحفر جماعات وأهالوا التراب عليهم أو قذفوا بهم في النيل دون أكفان.

ويقدّر البعض أن الشدة المستنصرية وما صاحبها من الأوبئة قد أفنت قرابة ثلثي أهل مصر، خاصة مع انتشار الجدري بين الأطفال، فقد أفنى هذا الوباء 21 ألف طفل في شهر واحد.

كما تركت الشدّة المستنصرية تأثيرًا كبيرًا على التوزيع الديموغرافي للسكان، حيث كان أعداد الموتى كبيرة في الريف حتى فنيت قرى بأكملها، وهجر من بقي ببعض القرى بلادهم، متجهين للقاهرة والفسطاط، وقد تناقصت أعداد القرى بشكل واضح، فبعد أن كان عددها في بداية العصر الإخشيدي يبلغ نحو 2395 قرية، نقص هذا العدد في نهاية العصر الفاطمي.


وقد ذكر "المقريزي" في خططه أن الوزير دخل دار الخلافة ذات يوم وترك بغلته مع غلامنه ، فلما أنتهي وخرج لم يجدها فقد خطفها الناس واكلوها ، فلما سألوا عنهم وعرفوهم شنقوهم وفى اليوم التالي لم يجدوا جثثهم ، فقد أكلهم الناس .

وقد ئكر بن الجوزى : أن أمراءه من ربات البيوت خرجت إلى الفسطاط ترهن عقد لها من اللؤلؤ مقابل الدقيق ، فقبل ذلك رجل واخذ العقد مقابل من جراب من الدقيق ،فلم علم ذلك الناس تكالبوا عليها ونهبوا ما معها من دقيق ، ولم تخرج من ذلك كله إلا بحفنة من الدقيق ، أخذتها وعجنتها رغيف ووضعته على جريدة ، ثم ذهبت إلى قصر الزمرد حيث يسكن المستنصر بالله ثم نادات بأعلى صوتها : يا أهل مصر أدعوا للخليفة المستنصر بالله بالنصر إن جعل رغيف العيش في عهده بألف دينار وهو ثمن عقدها التلة باعته مقابل الدقيق .

فلم سمعها المستنصر بالله اسندعى الوزير والحاجب وهددهم بالشنق إلالم يظهر الدقي في الأسواق فخرجوا من عنده وفتحوا البيوت والدكاكين عنوه وعرضوا ما بهم حب ودقيق ، فأخذا الرخاء يعم قليلاً .

ويحكى "المقريزي" أن رجل ئهب إلى طبيب حتى يبظر أخاه المريض فلما انصرفا إلى مكان مظلم ، توقف الرجل وقد سمعه الطبيب يقول لشخص آخر آت هذا الطبيب هزيل وضعيف لن يكفى لاثنين ، فقد كانت خطه لخطف الطبيب واكله بعد ذلك.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة