د.يسرى عبد المحسن خلال الحوار
د.يسرى عبد المحسن خلال الحوار


حوار| أستاذ طب نفسي: «كورونا» كشفت عن أزمة في البيت المصري

غادة زين العابدين

السبت، 20 يونيو 2020 - 10:12 م

هو واحد من أشهر دكاترة الطب النفسى، وهو أيضا خبير فى أعماق النفس البشرية، يحمل فى صندوقه الأسود آلاف الأسرار والمشكلات، وهى أسرار أضافت له كثيرا من الحكمة والخبرة والرؤية، وجعلته أكثر رحمة بالناس، لكنها أيضا أثقلت قلبه بالهموم. هو الطبيب والمفكر والمحلل النفسى د.يسرى عبد المحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة.
...............
الفترة التى نعيشها حاليا كشفت عن ملامح جديدة للشخصية المصرية وأزمة فى البيت المصرى وداخل الأسرة، ينبغى دراستها وعلاجها، فالمصريون يقضون ٨٠٪؜ من حياتهم فى الشارع بسبب أو بدون سبب، وفى المقابل لا يعرفون كيف يعيشون ويستمتعون بالحياه الأسرية داخل البيت، ولا يهتمون بممارسة هوايات ثقافية أو فنية تشغل وقتهم، وحينما اضطررنا للحظر المنزلى، ظهرت هذه المشكلات، وظهرت معها حالة الإحباط والحزن والملل والاكتئاب، وفى أحيان كثيرة تحولت هذه الحالة إلى طاقة عدوانية انفجرت داخل البيوت فى صورة «خناقات» بين الأزواج، وصدام بين الأهل والأبناء.
< ..............؟
ظاهرة الحياة فى الشارع، هى ظاهرة دخيلة على مجتمعنا، فزمان كان هناك تواصل قوى بين أفراد الأسرة، وكنا نرتبط بالبيت ولمة العيلة، فأنا مثلا من قرية كفر بولين بكوم حمادة بالبحيرة، كانت أمى هى أساس البيت، وكانت تعرف كيف «تعشش علينا»، وتلمنا حولها، تحكى لنا وتسمع منا، تنتظرنا عند عودتنا من المدرسة لنحكى لها كل كبيرة وصغيرة، وكانت تسمع مشكلاتنا، وتكتم أسرارنا، وتقدم لنا الحلول، أما أبى فكان ناظر مدرسة.. حكيما وحازما، نحترم رأيه، ونعمل له ألف حساب».
< ..............؟
هناك أمراض نفسية عديدة انتشرت مع أزمة كورونا، أهمها حالات الفوبيا من العدوى والموت وفقدان الأحباء، هناك أيضا الوساوس المرتبطة بالأوجاع الجسمية، وهى وسوسة تعوق التفكير والتركيز والنوم، وترتبط بعدم الشعور بالأمن والأمان والطمأنينة.
وفى كثير من الأحيان ترتبط هذه الأمراض النفسية بأعراض أخرى شديدة، مثل سرعة النبض وطنين الأذن وصعوبة الهضم والعرق الغزير وزغللة العين والكوابيس، ومع صعوبة الخروج من المنزل، فأنا أتواصل مع المرضى تليفونيا فى كثير من الأحيان، وأحاول أن أريحهم قدر الإمكان.
< ..............؟
أنا شخصيا تعرضت لأزمة نفسية شديدة حينما أصيب ابنى الطبيب بالكورونا عند بداية انتشار المرض، بعد أن التقط العدوى من أحد مرضاه، وعزل ابنى نفسه فى البيت لمدة شهر كامل لم ير خلاله أى فرد منا، حتى ابنه الرضيع كان يسمع بكاءه ولا يراه، وكانت مسئوليتى أكبر كطبيب نفسى أحاول دعم كل أفراد الأسرة، وكأب يشعر بالخوف والرعب على ابنه، والحمد لله تجاوزنا الأزمة بالصبر والدعاء، حتى منّ الله عليه بالشفاء.
< ..............؟
أهم ما نتعلمه من هذه الأزمة كيف تتكاتف الأسرة لتحقيق الدعم النفسى لبعضها، وخاصة دعم الأطفال والشباب الصغير وكبار السن، ويجب أيضا أن نتعلم من هذه الأزمة، كيف تكون لدينا بدائل فى الحياة.
< ..............؟
كنت أتمنى وأنا صغير أن أصبح طبيبا أو وكيل نيابة أو دبلوماسيا.. وأخيرا.. اخترت الطب.. ثم اخترت قسم الطب النفسى.. طبقا للمجموع.. وقد اكتشفت بعد ذلك أن الطب النفسى يجمع كل ما تمنيته.. فالطبيب النفسى دبلوماسى مع مرضاه.
< ..............؟
تعلمت من دراسة الطب النفسى أن الإنسان يجب أن يكون مرآة لنفسه.. يحلل نفسه ذاتيا بشجاعة.. ويكاشف نفسه بعيوبه.. ويحاول التخلص منها قدر
الإمكان.. وقد تعلمت من ممارسة مهنتى أن أكون رحيما بالناس.. أقدم لهم العذر وأكسب ثقتهم وأضع نفسى مكانهم قبل لومهم.. فالإنسان تحكمه متغيرات كثيرة.. اقتصادية وثقافية وتعليمية ونفسية واجتماعية.. ولابد من هذه الرؤية الشاملة الحكيمة للمريض النفسى حتى أستطيع التعامل معه وتفسير سلوكه.. وبدون هذه الرؤية يكون العلاج منقوصا.
< ..............؟
أقضى معظم وقتى فى القراءة، فأنا أعشق القراءة، فأقرأ الكتب وأتابع كل الصحف تقريبا، ومنذ بداية أزمة كورونا، أصبحت أهتم أكثر بالتواصل مع أقاربى وأبنائى وأحفادى، كما أستمتع بالجلوس مع نفسى والتأمل والتدبر فى أحوال الدنيا.
< ..............؟
الطبيب النفسى يجب أن يحافظ على الحاجز الرفيع بينه وبين مريضه.. ويحكم على المريض بموضوعية وليس من خلال مفاهيمه الذاتية، ومع الخبرة والممارسة يصل الطبيب لهذه الرؤية والمقدرة.. ولكن هناك أطباء يفشلون فى هذا الفصل.. مما قد يؤثر سلبيا على مرضاهم أو عليهم هم كأطباء.. وكثيرا ما طالبت بضرورة وضع اختبارات شخصية ونفسية لمن يريدون الالتحاق بقسم الطب النفسى.. ولكن للأسف تم رفض هذا المطلب.
< ..............؟
«أنا زى الصندوق الأسود.. أحتفظ بأسرار تقشعر لها الأبدان.. ولا يمكن أن أبوح بها لمخلوق..، واعترف أننى أفشل أحيانا فى علاج بعض المرضى.. لأن نجاح العلاج النفسى لا يتوقف على الدواء فقط بل أيضا على استعداد المريض وتجاوبه مع طبيبه.
وقبل وفاة أمى كنت استشيرها فى بعض المشكلات لحكمتها وخبرتها بالحياة. والحقيقة أننى كثيرا ما استفدت بآرائها الحكيمة.
< ..............؟
تزوجت عن حب.. من د.سميحة، وتعمل صيدلانية.. وأنجبنا أربعة ذكور، ربيناهم بديمقراطية كاملة.... عمرو وياسر أطباء نفسيين مثلى.. وخالد صيدلى مثل والدته.. أما معتز فهو مدرس فى أكاديمية الفنون وعازف قانون فى الأوبرا.. ويبتسم قائلا: «كان نفسى فى بنت.. لأن البنت زى التكييف اللى بيلطف الجو فى عز الحر..» لكن الحمد لله.. منحنى الله سبعة أحفاد ذكور وإناث، هم الآن مصدر سعادتى الحقيقى، أقضى أسعد أوقاتى وأنا أتأمل شقاوتهم.. ومشاجراتهم اللطيفة.
< ..............؟
أشعر الآن أننى تعبت كثيرا فى الحياة.. بدأت من الصفر.. وحققت المكانة الأدبية والعائلية.. وآن الآوان للاسترخاء والطمأنينة.. صحيح أن طموحاتى الأدبية كانت أعلى بكثير.. وأننى كثيرا ما كنت أفضل سرعة الانسحاب وعدم الإصرار والمقاتلة.. وكنت أتمنى أن أكون أكثر صبرا وجرأة وقدرة على المراوغة.. حتى أحقق كل ما طمحت إليه.. لكنى والحمد لله حققت الكثير فى مجالات أخرى.. وأشعر دائما أن الدنيا لا تستحق كل هذه الصراعات، وكل ما يشغلنى الآن أن أكون راضيا عن نفسى.. وليس بينى وبين أحد أى خصومة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة