د. أمل قصرى
د. أمل قصرى


إعادة نظر

أهل العلم وأهل السياسة

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 25 يونيو 2020 - 06:27 م

منذ بدأ ڤيروس كورونا فى الانتشار وظهرت الحاجة المُلِحة لتطوير علاج أو طرق كشف سريعة،أخذ الجميع يتحدث عن أهمية العلم والعلماء وعما يجب فعله لزيادة دورهم والاهتمام بهم. ظهر علماء كبار يتحدثون بجانب زعماء الدول العظمى لشرح أبعاد المرض وما يجب اتخاذه من احتياطات،بجانب دورهم كناصحين لهؤلاء الزعماء ليساعدوهم فى اتخاذ القرارات التى تضمن المحافظة على صحة الشعوب.
لا شك أن على العلماء واجب أخلاقى لنشر العلم والتوعية،ولكن هل يجب أن "يتورط" أهل العلم فى السياسة؟! هل يجب أن يكون لهم علاقات بأهل السياسة كالاستعانة بهم كمستشارين،أو انضمامهم لأحزاب سياسية سيكون لها أهداف معينة ربما تتعارض مع عملهم؟
يقول البعض أن هذا مطلوب لأن أهل العلم يعتمدون التفكير العلمى التحليلى وهذا ما يحتاجه أهل السياسة لأن لهم معايير مختلفة،فالغرض هو إدخال التفكير العلمى لإحداث توازن ولتحقيق نتائج أفضل. بينما وجهة النظر الأخرى تقول أن هذا مرفوض لأنه عند نقطة معينة لن يحدث أبداً تلاقٍ وسيكون على العالِم أن يختار علمه أو عمله السياسي.
ربما أشهر الأمثله على هذا هو "أوبنهايمر" عندما عمل مع فريقه على اختراع القنبلة الذرية والتى رغم معارضته الأخلاقية لها إلا أنه ضعف فى النهاية ولم يعارض ضرب اليابان بها،ثم لأسباب أخرى،منها اتجاهاته اليسارية قبل الحرب،تمت محاكمته بعدها بعدة سنوات. ومن الأمثلة الأخرى الحديثة اختيار عدد من العلماء فى إيطاليا ليعملوا كمستشارين للحكومة فى الوقت الذى ظلوا فيه فى أماكنهم البحثية،وعند حدوث زلزال مدمر قضى تقريباً على احدى المدن الإيطالية،تم اتهام هؤلاء العلماء أنهم علموا بمؤشرات لاحتمال قيام الزلزال وكان يجب أن يحذروا المواطنين لكنهم استجابوا حينها لضغوط الحكومة من أن هذا سيؤدى لذعر لا داعى له فأعلنوا أنه ليس هناك ما يُخشى منه ونام أهل البلدة مرتاحين ثم قاموا على دمار وموت،وهو ما أثبتته المحكمة بعد عدة سنوات من دراسة القضية ودراسة الأمر من الناحية العلمية وسماع العديد من الشهادات،وأتهمت هؤلاء "العلماء" أنهم بالفعل علموا باحتمال الخطر لكنهم استجابوا للسياسيين وحكمت عليهم المحكمة بالسجن. قام بعدها سجال عنيف فى الوسط العلمى عما ان كانوا يستحقون هذا أم لا. أياً كانت نتيجة هذا السجال،ذهب هؤلاء العلماء بكامل اختيارهم لعمل سياسى ويجب أن يتحملوا نتيجة اختيارهم،فإما العلم وما يمليه ضميرهم فيما يخصه،أو السياسة وما تخبئه من ألاعيب ووسائل غير شفافة فى أغلب الأحوال.
ومع ذلك يجب الاعتراف أن الفصل التام غير ممكن بسبب تطور طرق الدعم للبحث العلمى وربطها المباشر أو الغير مباشر بدعم حكومى وسياسى وهذا هو الحال الآن فى كل العالم تقريباً،فى النهاية هو اختيار لا يُلام صاحبه عليه،لكن الجمع بين الاثنين هو ما سيترك فى الغالب أثراً سيئاً ربما يتبع صاحبه،إلا اذا انتصر لعلمه ولم يضعف أمام السياسة وما تجلبه أحياناً من مغريات ظاهرية،وينطبق هذا على كل العلماء،سواء كانوا علماء فى الطاقة النووية أو علماء ڤيروسات.
< استاذ بالجامعة البريطانية

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة