مفيد فوزى
مفيد فوزى


عاجل جداً.. للحياة!

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 28 يونيو 2020 - 07:23 م

بقلم/ مفيد فوزي

- لن أراهن على وعى «كل» الناس الغائب. والستر من الله خالق كل الكائنات.

(١)
خلاص! لم تعد الحكومة «بابا وماما وأنور وجدى»!
فالحكومة قامت بدورها فى مواجهة أزمة الكورونا وحاصرت الفيروس وبذلت أقصى ما تستطيع، والحق يقال أن مصر كانت رشيدة عبر نار التجربة. وربما لأول مرة نمر بمثل هذه «الصاعقة» ونفكر بهدوء لا بعصبية ويكون لنا مجلس أعلى للازمة ومستشار صحى لرئيس الدولة يضع الأمور فى سياقها ولاتزعجنا أرقام الاصابات أو الوفيات.
ومن الممكن القول -دون مبالغة- أننا سبقنا العالم فى التعامل مع الوباء الشرس. صحيح أن الاسئلة حول الوباء أصله وفصله أكثر من الاجابات ولكن الناس التزمت بالقواعد الاحترازية من باب «الخوف» لا من باب الوعي!
(٢)
عشنا ٩٠ يوما فى موجة «الصخب والملل» فالصخب يصم الاذان والملل صارت شهرته مثل الفيروس عابرا للقارات.
أما الصخب، فانصب على اللقاح المضاد. اجتهادات العلماء من كل شبرفى الكرة الارضية تكلمت عن علاج الوباء وظلت الأمور فى عداد التجارب العلمية دون ان نهتدى الى اللقاح المضاد الذى تقره منظمة الصحة العالمية وتبارت الدول فى عرض تجاربها ولم نصل الى اليقين! ولاتزال اجتهادات الاطباء وآه من اجتهادات الاطباء تتسابق لتحقق النجاح المنشود.
 أما الملل فقد أصاب سكان العالم بسبب البقاء فى البيوت والبحلقة فى اسقف البيوت وصارت أكبررحلة مشى هى بين غرفة النوم والحمام وتبارى شباب العالم فى مواجهة الملل، بين فرق موسيقية فى البلكونات وطيارات ورق تطير من فوق الاسطح. وجاء الملل بعاصفة من الاحباط والاكتئاب ووصفات دواء! فقد اصبح نصف الشعب المصرى «أطباء بلا روشتات» ينصحون ويفتون والناس من هول صدمة الوباء وتناثر الأخبار حول أعداد الوفيات جربوا كل الروشتات الشفوية! واختلط الحق بالباطل والغش بالسليم فى صيدليات عديدة فقد استثمرت الكورونا هذا الزمن وعمَّ الغش الكمامات والكحول ونسبته المطلوبة للتطهير! وعم الجشع وزميله الطمع فى أجور العلاج فى المستشفيات الخاصة! كأن أحدا لم يستفد من أبلغ درس للكرونا.. صحتك فوق المال والجاه.
الخبر من «بيرو»
راجت رواجا هائلا صناعة «التوابيت» والمصانع تحاول أن تحقق طلبات الدول للضحايا الذين أنهى الوباء حياتهم.
(٤)
خلاص، الحكومة ألقت الكرة فى ملعب المواطنين وقالت لهم: «حياتك مسئوليتك» وبدأت الدولة تفرج عن الحظر المنزلى وهى دعوة الناس للخروج مع الحذر والاحتراس واعلنت أنه بالكمامة على أنفك وبالنظافة المستمرة وبالمناعة انت تواجه عدوا والاحتياط واجب قبل ملاقاته!
هناك عادات نفسية وذهنية تقف حائلا ضد الاحتياط.
١- ٥٥٪ من الناس رواد مقاهي، ٢- ٢٢٪ من الناس رواد اندية، ٣- ١١٪ شباب يتسكع بلا طائل، ٤- ٣٤٪ سيدات عاملات يشاركن الازواج فى مصاريف البيت، ٥- ٢١٪ أصدقاء الشيشة فى المقاهى، ٦- ٤٣٪ يستخدمون المواصلات «الترام والمترو والاتوبيس». ٧- ٢٧٪ تجمهر حول الشهر العقارى والمحاكم وخيم الامتحانات والقطارات وحين تطالب الدولة بـ ٢٥٪ رواد فكيف تضبط الأمر. هل الذهاب المبكر للنادى أو السينما أو المقهى هو الحل وهل التباعد البدنى قائم فى هذه الظروف. وماذا عن اقتراب الناس العفوى لزوم الحميمية فى المقهى أوالنادي؟ وهل يقف رجال الأمن على باب النادى حين يصل جمهور الاعضاء الى ٢٥٪ ويمنعوا الدخول؟
من الناحية الفعلية العملية هل تغلق ابواب النادى أو ترفض المقهى زبائن اكثر من ٢٥٪ من سعة المقهى. وما عقوبة مقهى يقدم لزبائنه الشيشة «الممنوعة بقرار» علما بأن المقهى لايتكسب فى واقع الأمر إلا من مدمنى الشيشة. وهل يراقب احد تكلفة الدولة استخدام الشيشة فى المقهى.
من بين العادات النفسية والذهنية.. المصريون يحبون التجول فى الشوارع ربما يقصد الشراء فهو يمثل فى حد ذاته «لذة ما» ذكرها علماء النفس فى قائمة اللذات!
حقيقة أضعها أمام أصحاب القرار: ان انطلاق الناس لحظة الافراج عن الحظر سيكون تجمهرا عفويا بعد «الحبس الارادى ٩٠ يوما كاملة» والخطورة تكمن فى المخالطة.
(٥)
أتوقع -وأرجو أن يكذب الواقع توقعاتى ازدياد اعداد الاصابات وازدياد اعداد الوفيات ولست متشائما، فأنا أفكر بمنهج واقعى لكى لا استطيع الرهان على وعى الناس. هل اعادة النظر فى قرار الغاء الحظر.. وارد؟ نعم! هل الافراج التدريجى عن بعض المنشئات وارد؟ نعم! هل اعادة الحظر فى البيوت مرة أخرى وارد اذا زادت أعداد الوفيات عن الارقام المتوقعة؟ نعم!
> أهم سؤال شغل بال الدول، ليس مصر وحدها بل كل دول العالم التى منيت بخسائر فادحة. والمعادلة الطبيعية هى بدون الصحة لا يتحقق اقتصاد وخسائر الدول وبعض القطاعات بالمليارات وحتى ابسط الناس الذين قاموا بمشروعات صغيرة توقفوا تماما عن العمل واضرت حياتهم واستدانوا بهدف الاستمرار فى الحياة. ولكن الدول تفكر فى الأمور بدون رومانسية وربما بلاقلب أو مشاعر، فاقتصاد الدول هى سبب بقائها. والدول التى تحطم اقتصادها تتسول العودة الى الحياة الطبيعية- والدول تقلد بعضها، فاذا كانت انجلترا على سبيل المثال قد ألغت الحظر الكلى فهى تعتمد على وعى المواطن الانجليزى بينماالمواطن المصرى يردد عبارات «اللى يعمله ربنا حيكون» صحيح ان مشيئة الله فوق كل شئ ولكن العقل الرشيد يحترس ويحافظ على نفسه ولايلقى بنفسه فى «التهلكة».
(٧)
ان سريرك فى بيتك أفضل من سريرك فى المستشفى «إن وجد»! ورغم هذه الحقيقة فإن الناس «تتجمهر» وبالتالى «تخالط» ولا تستطيع أن تضمن نتائج هذه المغامرة مع فيروس لايعرف الهزار وسابح فى الفضاء وراقد على أسطح الاشياء.. والكمامة عنصر أمان وعدم ارتدائها هو نوع من العنجهانية اى التباهى المظهرى السخيف بالقوة.رغم ان الفيروس كما يقول د. مجدى يعقوب: تساوى الغنى والفقير امامه وتبخرت نصف ثروات العالم فى شهور بحثا عن علاج او حماية وراحت اهميتك واصبحت مقيما فى بيتك تختبئ وراء كمامة وجوانتى والموت لم يكن على بالنا، أصبح اليوم أقرب الينا من انفسنا!!
(٨)
الاستفادة من التاريخ.. منهج العقلاء
فى عام ١٩١٨ضربت الانفلونزا الاسبانية العالم لمدة عامين وضربت على ثلاث موجات مخلفة ٥٠٠ مليون مصاب و٥٠ مليون وفاة وكانت معظم الوفيات فى الموجة الثانية، فعندما شعر الناس بالسوء حيال اجراءات الوقاية والابتعاد الاجتماعى قامت الحكومة برفع الحجر لأول مرة فابتهج الناس فى الشوارع واختلطوا فى الاسابيع التالية، ووقعت الموجة الثانية فقتلت عشرات الملايين! العقلاء ينصحون: ان رفع الحظر لايعنى مطلقا العودة للحياة الطبيعية والمخالطة واقامة الولائم والتجمعات. فالفيروس مازال فى ذروته ورفع الحظر هو نتيجة لتنشيط الاقتصاد العالمى قبل انهيار دول كثيرة ولهذا فكرت الدول فى ان تتحمل الشعوب المسئولية، فهل الشعب المصرى على قدر هذه المسئولية. انه «امتحان» صعب للشعوب ان تحيا فى ظل فيروس لم يرحل بعد ومن هنا صيغة التعايش.
(٩)
التعايش مع الكورونا صيغة وصلت اليها الدول لكى تنقذ اقتصادها قبل مرحلة الانهيار مع وجود الفيروس نشطا فى ذروته وربما يدخل المرحلة الثانية. والتعايش صيغة بين ملتزم ومستهتر. فالملتزم محترس بـ أمان الكمامة وضرورة النظافة وأهمية المناعة ان بعض الناس صدقوا ان الحرارة  الشديدة وجو الصيف يقتل الفيروس وثبت ان هذا غير صحيح. فالفيروس يعيش صيفا وشتاء. وتصور البعض أنه الاقرب كمرض للملاريا ويعالجونه بدواء الملاريا وثبت أن هذا غير صحيح.
وشاعت بين الناس حكاية ان الاصابات والوفيات فى الهند وباكستان قليلة لوجود توابل الشطة فى الغذاء وان الفيروس لايهاجم الشطة. ثم ثبت ان المعلومة غير دقيقة.
ان المانيا تعاملت مع قضية التعايش مع الفيروس باحترافية أساسها وعى الناس. وحتى عندما خرجت مظاهرة تندد بالعنصرية وكان قوامها اكثر من مائتى أسود، صدرت التعليمات بفض المظاهرة وسجن المحرضون عليها بلارحمة. الالمانى لا يخالط ويحتفظ لنفسه بالمسافة الآمنة حتى فى مقهى او مطعم أو قطار المترو. لاتوجد جماهير غفيرة غافلة فى انتظار الابناء اثناء الامتحانات. احد العادات المصرية التى تدرك ان المخالطة مغامرة غير آمنة ومع ذلك لاتتردد فى التجمهر والمخالطة! هل السلوك عن جهل أم عن عناد؟!
(١٠)
الاحترام واجب للطبيب المصرى الذى كان «جنديا» شجاعاً وكفئا فى معركة «الحرب» على الوباء. واكتشفنا «الممرضة المصرية» التى تعلم خطورة المخالطة بالمرضى ورغم ذلك نالت الاحترام بعملها الانسانى. الاحترام واجب لمبادرات التبرع والتطوع لتطويق الوباء، الاحترام واجب لكل من اهدانا زهور الطمأنينة لتزيح أشواك الكآبة والملل. الاحترام واجب لمصر الرسمية التى انتفضت وحاربت الفيروس بتعليمات وقرارات وحظر كلى فى البيوت. الاحترام واجب لصيدليات التزمت الامانة فى هذا الظرف التاريخى. الاحترام واجب للمؤسسات الدينية التى كانت على نفس موجة مصر الرسمية.
(١١)
خلاص.. لم تعد الحكومة بابا وماما وأنور وجدي!
لقد ألقت الكرة فى ملعب الناس ونصحتهم بالاحتراس.
اجابت الحكومة على السؤال المهم «الصحة أم الاقتصاد»؟
واجابت الاقتصاد.. مع الصحة. ثم «فتحت الابواب المغلقة»
ابواب الرزق وابواب المقاهى وابواب الاندية!
(١٢)
ورغم الوحدة والتباعد البدنى والملل القاتل هذا هو «بروتوكولي» الشخصى. أى على مسئوليتى الشخصية.
- لن أندفع، - لن اتهافت - لن أستهتر، - لن أخالط، - لن أنزع الكمامة، - لن اكف عن المطهرات، - لن ألبى دعوات الخروج، - لن أحضر أفراحاً، - لن أتنازل عن مسافة آمنة مع جارى، - لن استبعد الخطر مادام لم يرحل الفيروس، - لن أترك بيتى، قلعتى، - لن أنسى انها المرحلة الثانية الأخطر للوباء.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة