كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

الدعاة وأولاد وبنات الذوات!

كرم جبر

الثلاثاء، 30 يونيو 2020 - 06:08 م

القاتل ليس فقط من يدوس على الزناد، ولكن من يحرض ويملأ العقول بأفكار أكثر خطورة من الديناميت والمتفجرات، وعشنا أياماً سوداء استخدم فيها شيوخ الإرهاب خطاباً دينياً ناعماً كالأخطبوط، يسحب الشباب فى دوامته، ثم يطبق على رقابهم الخناق.
منهم الداعية الناعم الرقيق الذى ينطق «الراء» «ياء»، ويرتدى أفخم الملابس من بيوت الأزياء الإيطالية، والساعات الذهبية ذات الماركات العالمية والبرفانات التى تمتد رائحتها عشرات الأمتار.
داعية خمس نجوم اختار جمهوره المستهدف من أولاد الأغنياء وبنات الطبقة العظمى، ليفرش لهم الطريق إلى الهداية، بالأفكار الملونة التى تدغدغ المشاعر، وتتفق مع أبناء الطبقة.
ودشن الداعية الذى ينطق «الراء» «ياء» أسلوباً جديداً فى الدعوة، أغرى عشرات من الدعاة المودرن الذين لا علاقة لهم بعلوم الدين، أن يسيروا على نهجه الذى يضخ فى حساباتهم ملايين الدولارات الساخنة، وكأنه كنز على بابا «دهب ياقوت مرجان».
ويذهب الداعية الذى يتلاعب بحرف «الراء» لمزيد من الجاذبية، إلى مدرجات تشيلسى لمؤازرة محمد صلاح قبل انتقاله إلى ليفربول، ثم يكمل مسيرة التشجيع أينما ذهب الفرعون المصري، ليس حباً فى كرة القدم التى لم يطأها فى حياته، وإنما للحصول على جزء من رصيد صلاح بين الشباب.
زمان كانوا يصفون المصريين بأنهم شعب يكره الدماء، ولكن عشاق جراف دايموند «أغلى ساعة فى العالم» وبريونى «أغلى بدل فى العالم»، يصنعون من أوجاع الشباب وفقرهم أرصدة ذهبية، ليؤكدوا مقولة أن تجارة الفقر هى الأغنى والأكثر ربحية.
المصريون لا يعشقون الدماء، ولكن دعاة العواطف الناعمة غلفوا الدماء بملابس فاخرة وعطور نافذة، وقسَّموا شباب الأمة فئتين: أولاد الذوات الذين يمولون ويدفعون، وأولاد القطط السوداء الذين هم وقود الجهاد ولابسو أحزمة الديناميت.
القاتل ليس فقط من يدوس على الزناد، ولكنه أيضاً من يصنع حبلاً سرياً بين العقول والأصابع، فتتجرد المشاعر الإنسانية من الرحمة، وتتحجر النبضات فى القلوب، دوس، دوس.. اقتل، اقتل.. والضحية ليس كافراً ولا عدواً، وإنما ابن وطنك من نفس دينك، وربما يسكن معك فى نفس العمارة، ويركب معك نفس الأتوبيس.
دعاة العواطف الناعمة هم من مهدوا الطريق الملطخ بالدماء، وصوروا للناس أنها ورود حمراء، ويجب أن نتعود عليها ونستسيغ رائحتها، فبعد فترة سوف تصبح الرائحة النتنة أحب للأنوف من أذكى العطور.
قديماً قالوا إن اللحية الخفيفة تأتى لصاحبها بالخشوع والوقار، ولكن دعاة العواطف الناعمة حلقوا ذقونهم فأصبحت ناعمة لمزيد من الجاذبية، وارتدوا الجينز المحزَّق تزلفاً لعشاق السنيهات، والقاعدة هى «الزن على الودان أمر من السحر».
لن ينصلح الحال إلا إذا تصدر المشهد شيوخ حقيقيون، زاهدون فى الذهب والمجوهرات والطائرات الخاصة وعيشة القصور وهدايا السلطان.. طبعاً صعب.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة