أحمد عبد الظاهر
أحمد عبد الظاهر


قضية ورأى

القوة الناعمة القانونية.. مصر الفرعونية

بوابة أخبار اليوم

السبت، 04 يوليه 2020 - 07:11 م

 

د. أحمد عبد الظاهر

فى العام 2015م، صدر كتاب القانون (The Law Book)، للبروفيسور الأمريكى «مايكل روفر»، متضمناً أهم 250 حدثا فى تاريخ القانون، منذ نشأة الكون وحتى المحكمة الجنائية الدولية. ويتناول الكتاب، فى الصفحة الحادية والعشرين منه، أول حدث قانونى هام فى تاريخ البشرية، والرائع أنه كان فى مصر الفرعونية. ففى 26 ديسمبر سنة 1889م، نشرت صحيفة «لندن ستاندرد» خبراً حول اكتشاف أقدم وصية عرفها التاريخ. وتشير تفاصيل الخبر إلى أن «فليندرز بترى»، عالم الآثار الإنجليزى الشهير والمتخصص فى علم المصريات، قد عثر على ورقة بردى فى مدينة «كاهون» المصرية القديمة، والتى تقع فى مدينة الفيوم حالياً. ووفقاً للصحيفة، فإن هذا الاكتشاف يوضح بشكل جلى أن تنظيماً قانونياً رفيعاً كان موجوداً فى مصر الفرعونية آنذاك.
وقبل الاكتشاف الذى توصل إليه العالم «بترى»، كان تركيز المؤرخين وعلماء القانون منصباً على دارسة الوصايا القديمة وتطورها فقط من خلال المراحل المتتالية للحضارات اللاحقة، مثل: مناقشات «سولون» لإدخال الوصايا إلى اليونان القديمة خلال القرن السادس قبل الميلاد، والقانون الرومانى المتعلق بالوصايا الذى ظهر على اللوائح الاثنتى عشرة العائدة للقرن الخامس قبل الميلاد، وفى «قانون جستنيان» الذى صدر فى منتصف القرن السادس من عصرنا. أما الوصية التى اكتشفها العالم بترى، فتحمل تاريخاً أقدم يعود تقريباً إلى العام 2548 قبل الميلاد، وتنتسب إلى شخص يدعى «سيخنرن» كتبها لزوجته «تيتا»، (للتصرف فى جميع الممتلكات التى قدمها له شقيقه مدى الحياة).
والواقع أن ما يميز هذه الوصية القديمة ليس فقط تاريخها، وإنما أيضاً «شكلها الحديث الفريد»، بما يجعلها قريبة جداً من وصايا اليوم. وقد تضمنت هذه الوصية منع الزوجة من هدم المنازل التى بناها شقيقه له، ولكن أجازت لها منح هذه المنازل لأى من أطفالها. وتتضمن الوصية إشارة إلى إجراء التصديق عليها بواسطة السلطات العامة، حيث تذكر أن اثنين من الكتبة قد شهدوا على إصدارها. ولكن أكثر ما فاجأ العلماء فى هذه الوصية هو منح الزوج لزوجته حق التصرف فى ممتلكاته فى وقت كان يعتقد فيه أن النساء ليس لديهن الحق فى تملك العقارات أو ممارسة الحقوق عليها. كما أدى هذا الاكتشاف أيضاً إلى قلب الاعتقاد السائد حول التقاليد الذكورية القديمة فيما يتعلق بأيلولة الممتلكات إلى الابن الأكبر. وهكذا، فإن هذا الاكتشاف يشكل تحولاً جذرياً عما يُعتقد بشأن الأعراف السحيقة، بحيث يبدو جلياً أن مسيرة التطور القانونى تعود إلى أكثر من عشرين قرناً من الزمن.
إن مصر الفرعونية قد تميزت ليس فقط بعظمة مبانيها ومعابدها والأهرامات التى تشكل إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، ولكن تميزت أيضاً بسمو النظم القانونية السائدة فيها ورقى أفكار ومعتقدات المصريين القدماء إلى الحد الذى يقف أمامه العلماء فى ذهول غير مصدقين لما وصل إليه المصرى القديم من تطور ورقى وتقدم فى مختلف الميادين. ومن الواجب على المصرى اليوم أن يفخر بهذا الإرث الحضارى وبهويته الثقافية الممتدة إلى آلاف السنين، وأن يسهم فى إبراز هذه الهوية الثقافية الرائدة إلى العالم أجمع. وفى اعتقادى أن هذا الدور هو الدرع الأول الواقى فى مواجهة حروب الجيل الرابع التى تستهدف زرع بذور الشك فى نفوس المصريين وهدم هويتهم الثقافية واعتزازهم بأنفسهم إلى الدرجة التى دفعت بعض الخونة إلى الترويج لاحتلال عثمانى جديد. إن هذه الكائنات الشاذة لا تدرك عظمة مصر وعراقة تاريخها إلى الدرجة التى تجعلنى أكاد أجزم بأنهم ليسوا مصريين أو على الأقل لا يستحقون الانتساب إلى هذا الوطن بجنسياتهم. ولو كان الأمر بيدى لأصدرت أمراً على الفور بإسقاط الجنسية عن كل من يتفوه بهذا الكلام البذىء. حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء... والله من وراء القصد.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة