د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

تأملات فى الدين والحياة

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 09 يوليه 2020 - 04:51 م

 

د. مبروك عطية

 

وسر هذا اليقين اطمئنان القلب والنفس لأمر الله، والسير على هدى فى دروب الحياة، فلا يملك النفع والضر إلا الله وحده.

لماذا خلقنا الله ؟
السبت:
الإجابة عن هذا السؤال: لماذا خلقنا الله تكون من سورة الذاريات، حيث قال تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " أى إلا ليعبدونى، وأغنت الكسرة عن ياء المتكلم، والعبادة بمعناها الصحيح شعائر تؤدى كالصلاة والصيام، وسلوكيات تعكس أثر تلك الشعائر فهى روحها، وسر أسرار التكليف بها، " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "، " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " وهكذا، وقد ضمن الله عز وجل لمن خلق الرزق، فقال :" وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها" وأساس العبادة بمعنييها الشعائر والسلوك التوحيد، توحيد الله عز وجل، والاعتقاد بأنه الله المستحق لتلك العبادة، الذى لا يقبل إلا خالص الدين، وخالص الدين هو الدين الذى لا تشوبه شائبة من الشرك أى شرك، قال سبحانه :" ألا لله الدين الخالص " فلا يقال تسلية ولا مزاح، فى محاولة معرفة الغيب والطالع، والنجوم والأبراج، ولا خرزة زرقاء، ولا لطشة دم على جدار، ولا شيء مما يسمونه يمنع العين والحسد، ولا سحر ولا أعمال: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم "، وسر هذا اليقين اطمئنان القلب والنفس لأمر الله، والسير على هدى فى دروب الحياة، فلا يملك النفع والضر إلا الله وحده، فماذا على الإنسان إن آمن بأن النفع والضر بيد الله وحده أن يضره دجل دجالى، أو قول مشعوذ، وغير ذلك من المتاهات، لن يضره شيء، ولن تسحر أذنه كلمات، ولا همهمات، وفى مطلع هذا الدين أسلمت جارية ضعيفة مسكينة اسمها :" زنيرة " وبمجرد أن أسلمت عميت عيناها، فانتهز المشركون تلك الفرصة، وأذاعوا فى الناس أن اللات والعزى من أصنامهم سبب عماها لما تركت دين قومها، وعبدت إله محمد صلى الله عليه وسلم - فلما سمعت هى ما أذاعوه خرجت إلى الكعبة، وقالت : "أيها الناس، إن اللات والعزى حجارة لا تنفع ولا تضر، وإنما الله الذى لا إله إلا هو من بيده النفع والضر، وهذا قدرى، ولا شأن للات والعزى بما أصابنى"؛ فرد الله تعالى إليها بصرها فى الحال.
وقصة زنيرة هذه تمثل قمة الاعتقاد، وقد رأينا ثمرة هذا الاعتقاد، وكذلك من ثمرته أن قيض الله تعالى لها رجلا هو أبو بكر الصديق رضى الله عنها الذى اشتراها بحر ماله، ورحمها من تعذيب أصحابها الكافرين الذين كانوا يعذبون من أسلم من عبيدهم بسبب إسلامهم، وقد صبروا، وما دفعهم إلى الصبر، ووجدوا فيه السعة إلا بمثل ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم لآل ياسر، وهم يعذبون بسبب إسلامهم : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة " ولأنهم يصدقونه صبروا، ولأنهم يصدقونه علموا أن العبرة بالنتيجة، فهانت الدنيا، أى هان عذابها، وقد ذهب خباب بن الأرت الذى كووه بالنار فى ظهره فانفلق، ورآه بعينه عمر بن الخطاب، ففزع، وقال له : ما هذا يا خباب ؟ فقال : والله لقد أشعلوا النار فى ظهرى فما أطفاها إلا شحمى، وكان كما وصف فى كتب السيرة بحرا، محاولين معه بتلك الطريقة أن يكفر، فما كفر، ذهب خباب رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وسأله وكان مستلقيا بجوار الكعبة : يا رسول الله، ادع الله لنا، فنحن نعذب أشد عذاب ؛ فقال له صلى الله عليه وسلم، يا خباب لقد كان الرجل قبلكم يؤتى بالمنشار، فيشق نصفين، ويلقى فى النار حتى يموت، ولا يشرك بالله، وسوف ينتشر هذا الدين، ويغلب، ويفتح له الله، ولكنكم تستعجلون ؛ فصبر خباب الذى كان يعمل حدادا، وقد عمل للعاص بن وائل سيوفا، وجاءه يطالبه بثمنها، وكان العاص مشهورا بأكل أموال الناس، فقال له : أكفر بمحمد وأنا أعطيك، فرد عليه خباب، وقال له : والله لن أكفر به حتى تموت، ويدخلك الله النار. إن هؤلاء وغيرهم جنوا ثمرة اليقين، وحصدوها، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من عاش حتى رأى فتوحات الله، وتحقيق وعد رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبما أننى مشغول باستثمار المعانى أقول : لو استثمرنا دروس اليقين من قصة زنيرة، ومن قصة خباب رضى الله عنهما فى حياتنا، فرأى أحدنا شخصا فى حياته قد يكون ابنه، وقد يكون زوجه يشق بالمنشار نصفين، وينزع لحمه عن عظمه ولا يكفر به، ولا يهجره، ولا يعطى مخلوقاً أذنه ليسمع فيه شراً لكان هذا الذى يراه أكثر تعلقاً بالحياة، ولمنحه روحه وهى رخيصة، لكن ضعف يقيننا ببعض قد ضيع معنى العلاقات، وصرنا نبغض الحياة لأن من هم سبب تعلقنا بها لا يقين فيهم بنا، إنهم سرعان ما ينقلبون علينا، وسرعان ما يكونون، ومن يحدثهم بسوء عنا سواء، لديهم استعداد أن يسمعوا فينا، واستعداد أن يهجرونا، واستعداد أن يسمعوا غيرنا ولا يسمعونا، ويصدقون غيرنا ولا يصدقونا، فنظل العمر نحلف لهم، وندافع عن أنفسنا بين أيديهم، فمتى نتفرغ لأعمالنا، ومتى نتفرغ لعبادة ربنا، ومتى نتفرغ لقراءة آيات الجمال حولنا التى تثبت قدرة ربنا ووحدانيته، إن هذا اليقن المغيب سبب فى مصائبنا المتوالية، وهو يحقق صدق قولنا :" اللى نبات بيه نصحى عليه " نكرر اليوم ما قلناه بالأمس، لقد كان أحد الأئمة يصلى بالناس، وكان يأمر من أكل لحم الإبل منهم أن يعيد وضوءه، فجاء رجل، وأخبره أنه صلى وراء أبى بكر، وكان قد أكل من لحم الإبل ولم يعد وضوءه، فقام هذا الإمام، وبلغ الناس أن ليس عليهم إعادة وضوء إن أكلوا من لحوم الإبل، فسأله منهم سائل، وقال له : كيف تقول لنا ما قلت، وكنت متشددا فيه ! فقال له : بلغنى من ذى ثقة أن الصديق رضى الله عنه فعله ولم يتوضأ، وما كان أبو بكر رضى الله عنه ليفعله لولا أن علم بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولئن يخر أبو بكر من فوق جبل على رأسه أهون عنده من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشاهد فى هذه القصة قوله: " أن يخر أبو بكر من فوق جبل على وجهه أهون من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف علم الرجل عن الصديق هذا اليقين، وكيف تجلت ثمرته فى أن يغير شيئاً كان يلتزم به ويلزم به مأموميه، فهل علم بعضنا عن بعض ما علمه هذا الرجل عن الصديق ؟ هل قالت زوجة فى زوجها الذى قيل لها فيه: إنه كذا وكذا : لئن يخر من فوق جبل على وجهه أن يفعل كيت وكيت ! أى لا تصدق شيئا مما سمعته فيه، وتنطلق على يقينها، وإن غضبت لما يغضب بسببه الناس فعلت ما سوف نراه من غضب أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها.
لا أهجر إلا اسمك
الأحد:
قال النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها : إنى لأعلم متى تكونين على غضبى، ومتى تكونين عنى راضية ؛ فسألته : وكيف تعرف ذلك ؟ فأجابها حين تكونين راضية عنى تقولين : لا ورب محمد، وحين تكونين غضبى تقولين : لا ورب إبراهيم ؛ فقالت : نعم، والذى بعثك بالحق لا أهجر إلا اسمك، ومعنى هذا الحديث أن الصديقة التقية النقية تغضب، ولكن لا يؤدى الغضب بها إلا إلى هجر الاسم، لكن لا يؤدى الغضب بها مثلما يؤدى حين تغضب من تدعى العقل والدين والحب حين تهجر كل شيء، إنها لا تهجر مجرد اسم من كان سبباً فى غضبها، قد لاحظ النبى صلى الله على وسلم وهو شديد الملاحظة أن زوجه حين تغضب لا تهجر فراشه، وهى فى فراشه على عهدها عند الرضا، وكذا عند الطعام والشراب، وسائر الأحوال، لا يلحظ أقل شيء فيه تغيير، فقط تقول : لا ورب إبراهيم، بينما فى حال الرضا تقول : لا ورب محمد، وقد أقرت بما قال، وأقسمت أنها حال الغضب لا تهجر إلا اسمه، هذا الذى أسميه عبقرية المؤمن عند الغضب، وهو من المعانى الكبار، أن يغضب منك غاضب فيعييك ان تبحث عن سلوك له يدل على غضبه، ولن تجد إلا نحواً مما وجده النبى صلى الله عليه وسلم فى زوجه، ومحال أن تجد وجها للمقارنة بين زوج النبى صلى الله عليه وسلم، وسائر نساء الأمة اليوم إذا غضبت منهن الواحدة سبت ولعنت أو انزوت، وبكت، وأسقطت من الويلات ما تسقط، وبعد ذلك تفتح المذياع على (رمضان جانا وفرحنا به) ثم تقول بأنفاس الحسرة : يجعله رمضان مبارك على عبيده وأمته، فالدين عندها أيام مباركة وجمعة مباركة، وليالى مفترجة، وصلاة بلا روح،وعبادة مجانية، كالصوم والسؤال المتكرر عنه، ولا تعرف ولا أحد رباها على هذا الدين الذى من عناوينه النافعة :" عبقرية المسلم عند الغضب " لا يكسر إناء، ولا يذرف بكاء، ولا يصور من أغضبه شيطانا، فإذا أرضاه صار ملاكا، هذا حالنا، وواقعنا المجرم، الذى فسدت فيه الدنيا، وسافر فيه الدين الصحيح إلى مكان بعيد، فكل ما من شأنه أن يبقى على استمرار الحياة جميلة كما خلقها الله هو من صحيح الدين، وكل ما من شأنه تعكير الصفو، وقلب المزاج المعتدل، واختلال الموازين من صنع الأبالسة من شياطين الإنس والجن الذين سكنوا ديارنا، واحتلوا بتسليم منا عقولنا وقلوبنا، حتى صرنا نسلم بالذى قالوا، ونقول : هذا طبيعى، ونكرر طبعاً من حقه، وطبعاً من حقها، كسر الله حقها وحقه، ما على هذا تركنا رسولنا الله صلى الله عليه وسلم، وقد تركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وما أكثر الهلكى فى هذا الزمان، وأشد خطراً من هلاكهم أنهم يظنون أنهم على صواب.
نعم وأنا من الشاهدين
الاثنين:
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة كيف يعرف حال غضبها من رضاها قال سعد، ذلك الشاب الذى كان من أهل قريتنا وقد مات فى شبابه رحمه الله لأمه، وكانت جارتنا، قال لها عجباً، نعم وأنا من الشاهدين، قال : والله يا أمى إنى لأعرف متى تكونين غضبى ومتى تكونين راضية، فضحكت، وقالت : إزاى يا وله !
قال : عندما تكونين راضية وشك بينور، وحين تكونين غاضبة وشك بيتغير، فقالت : أنت ابن بطنى، وابن أبيك حقاً، روح الله يفتح عليك ؛ لأنك حفضت أمك، والله صحيح كلامك يا ابنى. ومعنى هذا أن أم سعد لم يكن فى سلوكها ما يدل على غضبها، وإنما كان وجهها مرآة صادقة تبين حالها، ففى رضاها يبدو كفلقة القمر، وفى غضبها يبدو قطعة من الليل مظلمة، لكنها لم تكن مثل أمهات هذا الزمان، تغضب الواحدة منهن، فتسمع ولدها ما يقتل فيه روح الجمال، من سبه ولعنه، بل لعن اليوم الذى جمعها بأبيه حتى أنجبته فضلاً عن دبيبها فى الأرض، وإهمالها شئونه، وغير ذلك، وأذكر ان أم سعد بعد وفاته لحقت به، وما نطقت بكلمة بعد أن شيعته حتى لحقت به.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة