فرج أبوالعز
فرج أبوالعز


مع احترامى

لست أنساك وقد «أنقذتنى»

فرج أبو العز

الإثنين، 13 يوليه 2020 - 08:56 م

لا أدرى لماذا جال بخاطرى منذ أسبوعين مع رغبة ملحة فى الكتابة عنه لمآثره على شخصيا كأستاذ جامعى تخرجت على يديه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ودوره السياسى كوزير للاقتصاد الفترة من 1982 وحتى 1985ودوره كنائب فى البرلمان ورئيس للجنة الاقتصادية بمجلس الشعب لدورات عدة.
إنه أستاذى ومعلمى د. مصطفى السعيد الذى رحل عنا قبل أيام يرحمه الله ويحسن مثواه فذكراه العطرة ستستمر وتنتشر لما أعطاه للعلم وخدمة وطنه وتلاميذه المنتشرين فى كل مكان والذين تتلمذوا على يديه فى كلية الاقتصاد.
كان من حسن حظى أن أبدأ مشوارى الصحفى محررا لشئون وزارة الاقتصاد وكان حينها د. مصطفى وزيرا للاقتصاد واحتضننى بروح المعلم قبل أن يكون مسئولا سياسيا لديه الكثير من الضغوط..  كدت ألا يكتمل حلمى الصحفى منذ البداية بسبب خطأ صحفى فادح لولا هذا الرجل الإنسان الذى صعب عليه أن يخطئ أحد تلاميذه وأصر على الوقوف بجانبه ومساندته وتصحيح مساره.
كتبت خبرا من الوزارة بعنوان: حظر استيراد 16 سلعة.. ولا أعرف حتى الآن لماذا حدث الخطأ فقد سمعت من المسئول الذى أعطانى الخبر أنه حظر استيراد ولكن الصحيح هو حظر تصدير.. كانت قائمة السلع استراتيجية ومهمة ولا يكفى انتاجنا المحلى منها للاستهلاك وبينها القمح والزيت واللحوم ولكن الخطأ ضخم الحدث وجعل أستاذنا الراحل الكاتب الصحفى الكبير وجيه أبو ذكرى مدير التحرير التنفيذى فى ذلك الوقت يأخذه مانشيتا للجريدة.
لم تسعفنى خبرتى الصحفية فى ذلك الوقت لأتدبر الخبر وفى اليوم التالى قامت الدنيا ولم تقعد كيف تحظر الدولة 16 سلعة مهمة وأثار الخبر جدلا كبيرا فى أروقة الحكومة فما كان من د. مصطفى السعيد إلا الاتصال بأستاذنا الكبير موسى صبرى رئيس التحرير ورئيس مجلس إدارة أخبار اليوم لتوضيح الأمر وأن هناك خطأ واضحا وصريحا وليس به مجال للشك.
كنت لا أزال أسافر يوميا من بنها للقاهرة بالقطار وطوال طريق العودة بدأت أتدبر واحترت بين أننى كتبت حظر استيراد أم حظر تصدير.. باختصار «حسيت بمصيبة جيالي» فاسمى لا يزال مكتوبا بالرصاص.
كانت ليلة سوداء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.. لم أذق طعم النوم وقضيت منذ الفجر قابعا أمام بائع الجرائد الوحيد فى قريتنا إلى أن جاءت عربة التوزيع.. التقطت الجريدة وأسقط فى يدى فقد وقع الخطأ والسلام والنتيجة «ضاعت الصحافة حلم العمر يا ولدي».
عدت للمنزل مهموما مكسورا فاقدا للامل لكن من فضل الله دخلت فى نوم عميق ولم أفق إلا فى الواحدة ظهرا وقررت عدم الذهاب للجريدة ثانية والأفضل الاتجاه لمكتب الوزير علنا نجد حلا.
ذهبت لمكتب الوزارة فى شارع عدلى فإذا بعامل الأسانسير يلتقطنى قبل مدخل الوزارة.. وصل الأسانسير للدور الخامس حيث مكتب الوزير وإذا بمدير مكتبه محمد عبد الواحد وكان فارع الطول يرمقنى بنظرة غريبة ويمسك بيدى كأنه أمسك حرامى أتوبيسات.
توقعت ثورة هائلة من رجل يعانى ضغوطا كثيرا وموقف لا يحسد عليه فى خلاف مع المدعى العام الاشتراكى المستشار حسنى عبد الحميد لكنى وجدت العكس حدثنى برفق متسائلا: كيف لا يفرق تلميذى بين التصدير والاستيراد.. عموما لا تحرج نفسك وتذهب للجريدة الأمر انتهى.
أدركت أننى غارق لا محالة وأعطانى الله تعالى قوة الصمود وقلت له: عارف إذن خذنى أعمل معك لم أبرح مكتبك حتى تجد لى وظيفة، قال لى اجلس وأملانى خبرا جديدا تماما أى انفراد وفى آخر الخبر فقرة صغيرة تصحح ما نشر بالخطأ واتصل بالأستاذ موسى طالبا السماح والعفو.. وكان درسا تعلمت منه طوال مشوارى الصحفي.
رحمك الله يا دكتور مصطفى وخالص العزاء لأسرتك الكريمة.. «لست أنساك وقد أنقذتني».

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة