لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى بمشايخ وأعيان القبائل الليبية
لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى بمشايخ وأعيان القبائل الليبية


«القبائل».. الرقم المهم في المعادلة الليبية

بوابة أخبار اليوم

السبت، 25 يوليه 2020 - 02:17 ص

 

محمود قاسم

 

تشهد الساحة الليبية مؤخرًا جملة من التطورات والتفاعلات بين مختلف الأطراف المعنية بالأزمة، ففى الوقت الذى تُصر فيه أنقرة على مواصلة دعمها للميليشيات المسلحة فى الغرب عبر تعزيز قدرات حكومة الوفاق العسكرية قامت القاهرة برسم خطوطها الحمراء حول محور سرت والجفرة على اعتبار أن تجاوزهما يعتبر انتهاكًا واضحًا وتهديدًا مباشر للأمن القومى الليبى والمصرى يستوجب التعامل بحسم وحزم.


 وسط هذه الأجواء المتشابكة عاد مرة أخرى الحديث حول حدود وطبيعة دور القبائل الليبية انطلاقًا من كونها رقمًا لا يمكن تجاهله فى ظل الترتيبات والتحركات القائمة بين الفواعل فى المشهد الليبي. وقد اكتسب لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى مع عدد من مشايخ وأعيان القبائل الليبية أهمية كبيرة نظرًا لطبيعة الدور التاريخى التى لعبته القبائل من خلال مساهمتها الفاعلة فى دحر الاحتلال الإيطالى والعثماني، علاوة على دورها السياسى والاجتماعى والذى يمكنها من لعب دور مؤثر فى مجمل التحولات الراهنة.


انطلاقًا مما سبق يمكننا استخلاص عدد من الرسائل التى شكلها اللقاء الذى جمع الرئيس عبدالفتاح السيسى بمشايخ وأعيان القبائل الليبية وذلك عبر الوقوف على موقف القبائل من الأزمة الليبية وذلك فيما يلي:


دور وطنى  


تُعدُّ القبائل الليبية رقمًا فاعلًا فى كافة التفاعلات على الساحة الليبية. ولم يكن هذا الدور وليد اللحظة، ولكنه امتداد طبيعى لحدود وطبيعة دور القبيلة فى الساحة الليبية عبر التاريخ، حيث تمكنت القبائل فى الماضى من لعب دور حيوى فى دحر الاحتلال الإيطالى والعثماني، وقد التفت كافة الحكام للقبيلة ودورها فى تعزيز نظام الحكم، حيث عمل الملك «محمد أدريس السنوسي» على ترسيخ قواعده وتنفيذ سياسته من خلال تدشين تحالفات مع أبرز القبائل الليبية فى ذلك الوقت. واتبع القذافى استراتيجية مماثلة، حيث عمل على دعم نظامه وترسيخ قواعده عبر عدد من القبائل وفى مقدمتهم القذاذفة، الورفلة، والمقارحة. ما يعنى أن العنصر القبلى مترسخ وضارب بجذوره فى الساحة الليبية. ومن هنا تأتى أهمية وقيمة القبيلة باعتبارها رقمًا فاعلًا.


وقد لعبت القبيلة دورًا مهمًا فى كافة التفاعلات التى أعقبت سقوط نظام القذافي، خاصة فى دعم الدولة الليبية ومؤسساتها، وعلى الرغم من وجود عدد من القبائل التى تقف فى صف حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، إلا أن السواد الأعظم قد أعلن فى مرات عديدة دعمه للجيش الوطنى الليبي، الأمر الذى يمكن الوقوف عليه من خلال عدد من التحركات، حيث تجلت مظاهر الدعم بشكل صريح فى أعقاب التدخل العسكرى التركى العلنى والمباشر فى الأزمة الليبية، فقد أعلنت قبائل برقة عن إغلاق حقول النفط والموانئ خشية وقوع مواردها فى أيدى مرتزقة تركيا وحكومة الوفاق، وقد تسبب هذا التحرك فى خسائر بلغت نحو 7 مليارات دولار حتى يوليو2020 كان من الممكن أن تستغلها حكومة الوفاق فى دعم وتمويل جهودها الحربية.


من ناحية أخرى، أبدت قبائل الغرب الليبى دعمها للجيش الوطنى ومؤسسات الدولة الشرعية رغم خروج البعض عن النص وتأييد تحركات حكومة الوفاق إلا أن أبرز قبائل الغرب الليبى وأكثرها ثقلًا تقف فى صف الجيش الوطنى ضد حكومة الوفاق ومرتزقة تركيا ما جاء فى رد فعل قبائل ترهونة والتى تمثل أكثر من ثلث سكان طرابلس بنحو65 قبيلة فرعية، بالإضافة إلى قبيلة ورفلة- أكبر القبائل الليبية- وتمثل نحومليون ليبى عبر تأييدهم لخطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمنطقة الغربية العسكرية ورفضهم لما وصفوه بالاحتلال التركى لبلادهم. الأمر ذاته ينسحب على قبائل إقليم «فزان» جنوب ليبيا والتى عبرت عن دعمها للجيش الوطنى الليبي.


خمس رسائل 


تحت شعار «مصر وليبيا شعب واحد… مصير واحد» افرز لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى مع ممثلى القبائل الليبية خمسة رسائل مباشرة وواضحة الأمر الذى يمكن توضيحه فيما يلي:


> الرسالة الأولى: أكد اللقاء على دور القبائل الليبية باعتبارها صمام الأمان والرهان الحاسم الذى يمكن أن يُرجح كفة طرف على حساب الآخر، خاصة وأن المجتمع الليبى يسيطر عليه الطابع القبلي، إذ يصل إجمالى القبائل الليبية لنحو140 قبيلة موزعة بين الأقاليم الثلاثة برقة شرقًا، طرابلس غربًا، وفزان جنوبًا. ولا يُعدُّ موقف مصر تجاه القبائل وليد اللحظة، حيث تضع مصر القبيلة كجزء من الحل وأساس للتسوية منذ بداية الأزمة وهوما ترجمته التحركات المصرية مبكرًا من خلال استضافتها ملتقى القبائل الليبية (مايو2015) لبحث تهدئة الأوضاع وحلحلة الأزمة الليبية.


> الرسالة الثانية: أضفى اللقاء مزيدا من الشرعية حول أية تحرك مصرى مستقبلى تجاه ليبيا، حيث وفر اللقاء لمصر شرعية وحاضنة شعبية بجانب الحاضنة المؤسساتية التى أقرها مجلس النواب الليبى من خلال دعوته للجيش المصرى لحماية الأمن القومى الليبي، وبذلك باتت تتوافر للدولة المصرية كافة أشكال وصور الشرعية التى يمكن أن يحتاجه أية تدخل مستقبلي، ناهيك عن الشرعية القانونية التى يُقرها ميثاق الأمم المتحدة لأى دولة خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن النفس فى حالة تهديد الحدود والنيل من السلامة الإقليمية للدولة، بحيث يصبح من حق أية دولة التدخل المباشر شريطة أن تطلب منها المؤسسات والكيانات الرسمية للدولة المعتدى عليها القيام بذلك، وعليه يمكن التأكيد على أن شرعية التدخل العسكرى المصرى حال حدوثه ستصبح مكتملة الأركان.


> الرسالة الثالثة: وقد تشكلت عبر التأكيد على الثوابت المصرية تجاه الأزمة الليبية والقائمة بالأساس على رفض النموذج الميليشياوى والعمل على دعم مؤسسات الدولة الليبية وترسيخ النموذج الوطنى على حساب النموذج الميليشياوى الذى تدعمه تركيا عبر محاولاتها لتجاوز دور الدولة وخلق كيانات تحمل ولاءات فوقية تتجاوز الولاء للدولة ومؤسساتها وهوما بدى جليًا من خلال مساعى أنقرة لتشكيل فرق عسكرية مشتركة تشبه فى تكوينها نموذج الحرس الثورى الإيراني، إلا أن هذا النموذج تقابله جهود مصرية فى بناء جيش وطنى موحد، وذلك من خلال تفكيك وحل الميليشيات المسلحة، وهوما عبر عنه الرئيس السيسى عبر حديثه عن عدم السماح بالرهان على الميليشيات المسلحة فى ليبيا.


> الرسالة الرابعة: حمل اللقاء دلالات واضحة وتأكيدات لا شك فيها حول الخطوط الحمراء التى وضعتها مصر فيما يخص محور سرت والجفرة، الأمر الذى يعنى أن مصر لن تتردد فى حماية أمنها القومى ضد أية تهديدات حدودية وذلك من خلال استخدام القوة الغاشمة والحاسمة وهوما عبرت عنه كلمات الرئيس السيسى فيما يتعلق بقدرات مصر فى تغيير ميزان القوى العسكرى بصورة حاسمة وسريعة، وهوما يُشير إلى أن مصر تقدم رسالة ذات شقين، الأولى رسالة سلام تدعولوقف القتال واللجوء للمفاوضات كخيار يضمن حقن الدماء وإنهاء الصراع الليبي، فى الوقت ذاته تبعث برسالة حسم تؤكد على أن الأمن القومى المصرى لم يعد مرتبطًا بالشرق فقط بل يمتد ليشمل كافة الأراضى الليبية.


> الرسالة الخامسة: تعزيز الثقة الليبية فى القاهرة، حيث يؤكد اللقاء على ما تحظى به القاهرة من ثقة شديدة من الأطراف الليبية ـ قبائل ومؤسسات- باعتبار القاهرة بمثابة الضامن الأول للأمن القومى الليبى ووحدة أراضيه وهوما يضع الوجود التركى وحكومة الوفاق فى مأزق شديد، إذ إن ذلك يعنى أن كافة الأطراف الداخلية الفاعلة والشرعية ترفض التحركات التركية ودعمها العسكرى للمجموعات المسلحة والميليشيات فى الغرب، خاصة أن هذا الاجتماع قد تم تمثيل فيه كافة قبائل ومدن ليبيا فى الشرق والغرب والشمال والجنوب الأمر الذى يؤكد على افتقاد حكومة الوفاق لكل سبل وأشكال الدعم باستثناء الدعم المقدم من أنقرة.   

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة