الداعشيون التوانسة
الداعشيون التوانسة


الداعشيون التوانسة يهددون تونس من البوابة الليبية 

بوابة أخبار اليوم

السبت، 25 يوليه 2020 - 02:37 ص

محمد عبد الرازق

لطالما حذر المراقبون والمحللون والمجتمع المدنى التونسى من خطورة انغماس تونس فى المشروع التركى بشكل عام، ومشروع أنقرة فى ليبيا بشكل خاص، لما يمثله هذا من تهديد للأمن القومى التونسى أولًا، والأمن القومى لدول الجوار الليبى ثانيًا، والأمن القومى العربى برمته ثالثًا، ذلك فضلًا عن المساهمة فى تفتيت الدولة الليبية، وتحويلها إلى مستقر ومستودع للإرهابيين والمرتزقة، ومسرح لصراعات القوى الدولية. إلا أن الدولة التونسية على وقع التجاذبات السياسية الداخلية والصراع بين مؤسساتها الحاكمة ووجود عنصر تابع لتركيا داخل منظومتها الحاكمة وهوحركة النهضة الإخوانية انغمست جزئيًا فى هذا المشروع، لتستفيق بعد ذلك على تهديد إرهابى خطير.


أرسلت تركيا حتى الآن نحو16 ألف مرتزق من سوريا إلى الغرب الليبى حسب إحصاءات المرصد السورى لحقوق الإنسان، عبر رحلات لا تتوقف إلى مصراتة وطرابلس، منهم نحو3800 مرتزق وصلوا إلى غرب ليبيا فى الربع الأول من العام الجارى حسب التقرير الفصلى لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بشأن عمليات مكافحة الإرهاب فى أفريقيا، مدفوعين بوعود تركية بمنحهم رواتب شهرية تقدر بنحو2000 دولار، ومنحهم الجنسية التركية.


تخلى أنقرة عن وعودها للمرتزقة السوريين دفعهم للبحث عن مسارات بديلة عن العمل العسكرى فى الميدان الليبي، إما بالتسلل إلى تونس، أواستغلال الشواطئ الليبية للتسلل إلى القارة الأوروبية. وقد كشفت التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع التونسى عماد الحزقى عن ذلك بجلاء، إذ أشار «الحزقي» إلى أن وتيرة محاولات التسلل إلى التراب التونسى تصاعدت مع حالة الحرب التى تشهدها ليبيا وتدفق السلاح والمرتزقة، محذرًا من خطورتها فى ظل الحرب الجارية فى ليبيا، مؤكدًا أن «الجيش التونسى سيتصدى بكل صرامة وحرفية لكل ما من شأنه أن يهدد سلامة الأمن التونسى عن طريق التسلل إلى المناطق الحدودية العسكرية».


الكثيرون ممن انضموا إلى تنظيم داعش فى أوج قوته وسيطرته على العراق وسوريا كانوا ينحدرون من الأراضى التونسية، إذ أكد تقرير لخبراء بالأمم المتحدة فى 2015 أن تونس هى صاحبة أكبر عدد من الإرهابيين المنضمين إلى صفوف داعش، وقُدّر عددهم فى هذا التوقيت بـ5500 إرهابي، فيما أعلن رئيس الوزراء التونسى فى ذلك الوقت «الحبيب الصيد» أن السلطات التونسية منعت نحو15000 شاب تونسى من مغادرة البلاد والالتحاق بتنظيمات إرهابية فى الخارج.


والآن وبعد خمس سنوات من هذه الإحصاءات والبيانات الرسمية، وبعد أكثر من ثمانية أشهر من بدء تركيا تسيير رحلات المرتزقة إلى الغرب الليبى للقتال فى صفوف الميلشيات التابعة لحكومة الوفاق، أفاد المرصد السورى لحقوق الإنسان أن الاستخبارات التركية نقلت أكثر من 2500 من عناصر تنظيم داعش الذين يحملون الجنسية التونسية نحوليبيا. مما يزيد من الأخطار المحدقة بالدولة التونسية، فهؤلاء التونسيون العائدون من داعش حتمًا لن يعودوا إلى حيث جاءوا فى سوريا، ولن يبقوا فى ليبيا حتى لواستمر الصراع هناك، وسيعمدون قطعًا إلى العودة إلى بلدهم، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية هناك تعيد الوجود الداعشى من جديد على الأراضى التونسية.


البعض من هؤلاء الإرهابيين قد عاد بالفعل إلى الأراضى التونسية، ومنهم من نجح تسلله إلى داخل البلاد، وآخرون استطاعت القوات التونسية ضبطهم، دون أن تفصح السلطات التونسية عن ذلك، وهوما كشفت عنه واقعة تقديم الكادر الطبى بمركز طبى خاص بعلاج فيروس كورونا بمدينة المنستير الساحلية التونسية لاستقالتهم الجماعية إثر إيواء ثلاثة إرهابيين مصابين بفيروس كورونا المستجد قادمين من ليبيا، من بينهم إرهابى محكوم عليه بالإعدام. وبيّن أحد الأطباء بالمركز أن هؤلاء الإرهابيين نقلتهم إلى المركز فرقة مكافحة الإرهاب بالعاصمة.


يٌضاف إلى ذلك إعلان وزارة الداخلية التونسية يوم 18 يوليونجاح «عملية استخباراتية مشتركة، بين عناصر من الوحدة الوطنية للأبحاث فى جرائم الإرهاب، بإدارة مكافحة الإرهاب للحرس الوطني، وإدارة مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات والأمن للدفاع، فى الكشف عن عنصر تكفيرى خطير مبايع لتنظيم داعش الإرهابي، تلقى تدريبًا معمقًا فى صناعة المتفجرات وسعى إلى الحصول على مكوناتها لاستهداف إحدى الوحدات الأمنية». وإعلان الداخلية التونسية يوم 20 يوليوإحباط مخطط إرهابى يستهدف دورية أمنية بإحدى ولايات الجنوب بواسطة عبوة ناسفة بعد الكشف عن عنصر تكفيرى عملياتى تابع لتنظيم داعش كان يخطط لتنفيذ العملية.


ويمكن فهم ذلك بصورة أوضح إذا اقتُرن بتصريحات وزير الدفاع التونسى عماد الحزقى السابق ذكرها، فالرجل الذى حذر من قبل من خطورة ما يجرى على الأراضى الليبية، ووصف فى منتصف شهر أبريل الماضى المقاتلين فى صفوف حكومة الوفاق بالميلشيات الخارجة عن القانون، استشعر من مثل هذه الوقائع أن تهديدًا كبيرًا وخطيرًا بدأ يتسلل إلى الداخل التونسي.


أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بدء غزوبلاده لليبيا من داخل قصر الحكم فى تونس أثناء زيارته إلى هناك فى 25 ديسمبر الماضي. ورغم نفى الدولة التونسية انضمامها إلى أى من المشاريع أوالأحلاف فإن الواقع الميدانى يعزز من فرضية استغلال تركيا للأراضى التونسية فى دعم عملياتها ومرتزقتها فى الغرب الليبي.


فشل أردوغان فى انتزاع موافقة تونس على أن تكون أراضيها نقطة انطلاق للقوات، ولكن عدة وقائع أشارت إلى استغلال المطارات التونسية فى دعم الميلشيات غرب ليبيا، أوفى نقل بعضهم؛ إذ صرح المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى فى 10 مايوالماضى قائلًا «ما يقلقنا كثرة هبوط الطائرات التركية والقطرية فى جربة ومطارات أخرى جنوب تونس، ونتخوف من استخدام هذه المنطقة لإيجاد منطقة آمنة لدعم الميليشيات والتكفيريين، وإيجاد بدائل فى أماكن آمنة أخطر على القوات المقاتلة فى المناطق الموجودة ضمن العمليات العسكرية، باعتبار تلك المناطق آمنة ومحمية بقوانين دولية، فهناك محاولة لإيجاد قواعد شؤون إدارية للأتراك والقطريين ومجموعة الإخوان المسلمين المتحالفة مع راشد الغنوشى فى تونس، بجوار الحدود الليبية الغربية . وكانت الرئاسة التونسية قد سمحت فى أول شهر مايوبهبوط طائرة شحن تركية بالهبوط فى مطار جربة جرجيس، محملة حسب البيان الرسمى التونسى بمساعدات طبية إلى حكومة الوفاق الليبية.


تُعزى هذه الاختلالات إلى التجاذبات السياسية فى الداخل التونسي، بين حركة النهضة الإخوانية بزعامة رئيس البرلمان راشد الغنوشى والموالية تمامًا لتركيا وتعمل على تنفيذ مشاريعها وأجنداتها، والرئاسة التونسية التى تتخذ مواقف رمادية أحيانًا إزاء ما يجرى فى ليبيا. 


تقف فى المنتصف مؤسسات تونس الراسخة وهى المؤسسات الأمنية التى تدرك تمامًا خطورة ما يجرى فى ليبيا على أمن تونس القومي، ولذلك وصف وزير الدفاع عماد الحزقى المقاتلين مع حكومة فايز السراج بالميلشيات الخارجة عن القانون، ووقف وزير الداخلية هشام المشيشى يوم 13 يوليوالجارى أمام مخططات حركة النهضة داخل البرلمان لإلغاء ما يُعرف بـ»الاستشارة قبل السماح بالعبور» وهوالإجراء المتبع على المعابر الحدودية التونسية لضمان عدم عبور الإرهابيين ومن يهددون أمن تونس. هذا إضافة إلى منظمات المجتمع المدنى التونسية سواءً الأحزاب السياسية المناوئة لمخططات حركة النهضة، أوالاتحاد العام التونسى للشغل الذى حذر من اصطفاف تونس فى المحور التركي.


حركة النهضة دعمت وتدعم حكومة الوفاق الليبية وميلشياتها بشكل واضح ومعلن، متخطية فى صورة رئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشى كافة الأعراف السياسية التونسية، ومتخطية الرئيس التونسى نفسه. أما الرئيس التونسى قيس سعيّد فتبدومواقفه متباينة، بين نفى تصريح وزير الدفاع حول ميلشيات الوفاق، وتأكيده على أنها لا تعبر عن موقف تونس الرسمى من ليبيا، ثم تصريحه لصحيفة لوموند الفرنسية أواخر الشهر الماضى بأن «تونس دفعت ثمنًا باهظًا للحرب التى لا تنتهى فى ليبيا أمنيًا وسياسيًا، وحتى داخل طبقتها السياسية كما لوأن المشكلة الليبية كانت تونسية « تونسية، فقد دعم البعض المخيم فى الشرق، والبعض الآخر فى الغرب».


وهوما يلقى بظلاله على ما تسعى حركة النهضة لجر تونس إليه من اصطفاف ودعم واضح فى مشروع أنقرة، وفى كل الأحوال يبدوأن تونس مقبلة على مرحلة خطيرة سياسيًا وأمنيًا، بفعل التهديدات الأمنية والإرهابية التى بدأت تلوح فى الأفق مع حالة السيولة السياسية والأمنية التى تشهدها ليبيا، وقد تدفع تونس خلال هذه الفترة ثمن بعض المواقف التى اتخذتها فيما يخص الأزمة الليبية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة