عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب


شىء من الأمل

المقامرة الإثيوبية التركية !

‬عبدالقادر شهيب

الإثنين، 27 يوليه 2020 - 07:59 م

 

لأننا فى مرحلة صياغة عالم جديد تتم بصعوبة وبطء، فإن خريطة العلاقات الدولية تتسم بالكثير من الفوضى والاضطراب.. فلا توجد علاقات بين الدول تمضى فى مسار مستقيم واضح وانما تنطلق فى مسارات متعرجة فيها الكثير من الانحناء والالتواء بل والتضاد ايضا.. وهذا يبدو واضحا فى علاقات القوى الدولية الكبرى مع القوى الإقليمية.. وهو امر يختلف تماما عن العالم الذى عرفناه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذى اتسم بثنائية قطبية:(امريكا والاتحاد السوفيتى السابق)، وايضاً يختلف عن عالم القطب الواحد الذى عشناه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى.. حيث كانت العلاقات الدولية اقل غموضا مما هى عليه الآن حتى فى ظل تصاعد الصراع بين الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر والأول وهى امريكا والدولة التى تحتل المركز الثانى اقتصاديا وهى الصين.
وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على علاقاتنا بالقوى الدولية، مثل امريكا والصين وروسيا، وكان له تأثيره على قضايانا المهمة والحيوية، وبالتالى اضاف علينا عبئا اكبر ونحن نتصدى للتحديات التى نواجهها الآن.. مثلا ان حرص امريكا على مواجهة توسع النفوذ والوجود  الروسى فى منطقتنا جعلها تسكت على ما يقوم به اردوغان فى ليبيا واخطره نقل آلاف من ارهابى داعش والقاعدة والنصرة إلى الاراضى الليبية، مثلما استباح الاراضى السورية والعراقية من قبل وقام باحتلال مساحات منها عنوة.. وذات الشىء ينطبق على موقف امريكا من اثيوبيا التى أحرجتها ورفضت المشاركة فى الجلسة الاخيرة من مفاوضات سدها التى كانت مخصصة لتوقيع اتفاق حوله مع كل من مصر والسودان.فلم توجه امريكا ولو لوما رقيقا لاثيوبيا، لأنها تحرص ايضا على مواجهة توسع وتمدد النفوذ الصينى فى القارة الافريقية، خاصة ان امريكا ترامب تعتبر الصين العدو الأول لها.
وقياسا على ذلك يمكننا ان نفسر لماذا مد الروس للأتراك يد التعاون والتنسيق فى الأزمة الليبية ومن قبل فى الأزمة السورية، وعدم اتخاذ موسكو موقفا صارما تجاه ما يفعله اردوغان فى ليبيا،فى ظل اعتماد السياسة الخارجية الروسية على النقلات التكتيكية المفاجئة على ساحة الشطرنج الدولية، بعضها قد يتضمن تراجعا مؤقتا راعى دوما حاجة روسيا لتركيا فى تصدير الغاز الروسى لأوربا، وقبلها حاجتها لإبعاد تركيا عن أوربا وامريكا .. ويمكننا ان نفسر ايضا لماذا ساعدت الصين اثيوبيا فى بناء سدها فى ظل المخاوف المصرية، رغم علاقتها الوطيدة والطيبة معنا ، لماذا مازالت تعد هى المستثمر الأجنبى الأول فى اثيوبيا، ولم يكن لها دور مؤثر فى مفاوضات السد ولو بمجرد تنبيه اثيوبيا لخطورة التمادى فى تعنتها وخرقها للقانون الدولى والاتفاقات التى تلزمها بعدم اتخاذ اجراء احادى بخصوص تشغيل السد وملء بحيرته قبل التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان.
وهكذا.. الفوضى والاضطراب الذى يسود العلاقات الدولية منح الفرصة لكل من تركيا وإثيوبيا للمضى قدما فى مغامرة ومقامرةَ التصعيد بخصوص ليبيا وسد النهضة.. وزاد ذلك من حدة تحدياتنا بالطبع.. لكن إدراكنا لذلك من شأنه ان يزيد من قدراتنا على مواجهة هذه التحديات، ويجعلنا نتأهب لمعارك طويلة، سواء فيما يتعلق بليبيا او يتعلق بالسد الاثيوبى.. مع العلم ان هذا الاضطراب فى العلاقات الدولية ليس حكرا على احد استثماره والإفادة منه، وهو كما يمنح الخصوم فرصا للتحرك فإنه يمنحنا ايضا فرصا للتحرك، وهذا ما فعلناه عندما حددنا خطا احمر للاتراك فى ليبيا، وحينما سعينا لتدويل مسألة السد الاثيوبى فى مواجهة مراوغات وتعنت اثيوبيا وتحديها للاتحاد الافريقى ورئاسته.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة