محمد عزت عادل
محمد عزت عادل


حوار| رئيس هيئة قناة السويس الأسبق يكشف كواليس التأميم في 1956

نهاد عرفة

الإثنين، 27 يوليه 2020 - 08:03 م

«الأخبار» تحاور محمد عزت عادل أحد أضلاع مثلث تأميم قناة السويس

 

عبدالناصر قال لنا: «لو فشلتم لن نسترد القناة إلى أبد الآبدين»

 

شرق القناة الجديدة وغرب خليج السويس.. «دبى جديدة» على أرض مصر

 

«يونيو» أنقذت القناة من مؤامرة إخوانية .. وعام حكم «الجماعة» كارثى


شاهد على أربعة عهود من حكم مصر منذ عهد الزعيم جمال عبد الناصر وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسى، ارتبطت حياته بمحطات مهمة فى التاريخ الحديث للدولة المصرية، فهو أحد الأضلاع الثلاثة لعملية تأميم قناة السويس 56، الذين اعتمد عليهم جمال عبد الناصر فى عملية التأميم - الى جانب البطلين عبد الحميد أبو بكر ومحمود يونس، تجرى مياه القناة فى عروقه.

 

وكما يحمل شهر أغسطس الكثير من الذكريات التى لا ينساها، يقول أن لشهرى يونيو ويوليو ذكريات ستظل محفورة فى وجدان الشعب المصرى، فثورة 30 يونيو حافظت على هوية مصر من الاختظاف، وأنقذت المنطقة العربية بأكملها من الخراب، والقوات المسلحة أنقذت مصر من مخطط التقسيم.. الكثير من الآراء حول الأوضاع السياسية والاقتصادية التى تتابعت خلال السنوات السبع الماضية.. هو المهندس محمد عزت عادل الرئيس الأسبق لهيئة قناة السويس.. وإلى الحوار...


قبل بدء الحوار معه بادرنى قائلاً:  رغم أنى تركت منصبى منذ أكثر من عشرين عاماً إلا أن مياه القناة مازالت تجرى فى عروقى متتبعاً لكل مايحدث فيها خاصة بعد ثورة 30 يونيو التى أنقذت مصر بالكامل، وليست القناة فقط "..  


وأكمل قائلاً: قناة السويس كأى نشاط تجارى واقتصادى تواجه تحديات كبيرة، أهمها طريق رأس الرجاء الصالح، فهو طريق آخر لمرور السفن نتيجة للتغير الحرارى الجو، فالثلوج فى القطب الشمالى بدأت فى الذوبان بغزارة وهو ما أعطى للمراكب والسفن من شرق آسيا وأمريكا وأوروبا أن تسير عبر القطب الشمالى وهذا يتطلب فى الوقت الحالى دراسة رسوم قناة السويس حتى تجتذب هذه السفن مرة أخرى خصوصاً بعد أن ضرب وباء الكورونا العالم بأسره وهو ما أثر على التجارة العالمية التى كانت تزيد بمقدار 2٫5% وأصبحت الآن تقل بنسبة 7٫5% تقريبا وهذا يؤثر على الأوضاع فى منطقة القناة، رغم أن المؤشرات أظهرت تحسن معدلات الأداء فى الربع الأول من العام الحالى 2020.


> سألته، من وجهة نظرك وخبراتك لسنوات عديدة فى إدارة قناة السويس، كيف يمكن تفادى سلبيات أزمة وباء الكورونا على اقتصاديات القناة..؟


ـــ قال: الحقيقة أن ثورة 30 يونيو اهتمت بالمنطقة الاقتصادية شمال شرق القناة فى بور سعيد والعريش وخلافه وشمال غرب خليج السويس فى العين السخنة، وهما منطقتان واعدتان لجذب التجارة العالمية سواء تجارة الترانزيت أو المراكب التى تستخدم لتخزين البضاعة وإعادة نقلها، هاتان المنطقتان أتصور أنه سيصبح لهما وضع كبير جداً فى المستقبل مثل وضع المنطقة الحرة فى دبى بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر تستحق لأن الموقع الجغرافى لهما لا يتكرر،  وهذا يعوض الخسارة التى حدثت بسبب أزمة وباء الكورونا، أو نقص التجارة العالمية أو الطرق الإضافية البديلة مثلما قلت، ودعينى أذكرك بطريق رأس الرجاء الصالح الذى تحدثت عنه بالإضافة إلى طريق آخر ينافس قناة السويس وهو طريق السكة الحديد فى روسيا الذى ينقل جزءا من تجارة جنوب وجنوب شرق آسيا إلى أوروبا، كل هذه العوامل كبيرة ومتغيرة وهو ما يجب أن نكون على علم دائم بما يجرى فيها ومحاولة تقليل آثارها على قناة السويس، وبإذن الله ستظل القناة داعمة لاقتصاد مصر بمجهود عمالها ورئاستها.


> قلت لى فى البداية أن ثورة 30 يونيو أنقذت مصر بالكامل وليست القناة فقط، ما هى ذكرياتك عن تلك الفترة..؟


ـــ سنوات الإخوان كانت كارثة بكل المقاييس بالنسبة لمصر نسأل الله ألا يتكرر مثل ذلك مرة أخرى، فثورة يونيو أنقذت مصر وأنقذت القناة من مؤامرة إخوانية بعد عزمهم منح امتياز القناة لقطر على مدى 99 عاما مما يؤدى إلى فقد جزء غال من الوطن، لقد تم خلال فترة حكم الإخوان الكثير مما لا يمكن أن يتصوره أى إنسان، واستطاع الشعب المصرى الواعى بمساعدة جيشه الوطنى عبور نتائج هذه الفترة.

 

وقامت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة وكتائب الخدمات وأجهزة التصنيع بجميع فروعها بالقوات المسلحة بمجهود كبير ومذهل لإعادة البناء بما لا يمكن تقييمه بالمال، وهوَ ما يذكرنى بسلاح المهندسين الأمريكى أيام غلق قناة السويس نتيجة حرب 1967، الذى جاء به الجنرال ويلز إلى مصر لإنقاذ العوالق الغارقة فى القناة، كنت وقتها ضابط مهندس بالقناة، وشاهدنا وقتها مجهودات سلاح المهندسين الأمريكى لإنجاح مهمته، وقتها بدأنا نؤسس سلاح المهندسين المصرى، فسلاح المهندسين له دورا كبيراً فى دول العالم الكبرى فى الحرب والسلم، فالمهندسون هم أول من يتقدمون الصفوف خلال الحروب لإزالة العوالق التى تمنع مرور الجيوش مثلما حدث خلال الانتصارات الكبيرة لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وله دور آخر كبير وأساسى فى غير الحروب، وهو البناء، وهوَ ما نفذه الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد ثورة يونيو، وللأسف هناك من يتخيل أن الجيش أو القوات المسلحة يشارك فى البناء للمنافسة وهذا غير حقيقى، لأن دور سلاح المهندسين يضيف للآقتصاد المصرى ولا ينافسه، فهو يبنى بأفضل الأسعار وقوة كبيرة متمكنة يجب الانتفاع بها فى العمل الاقتصادى وهو ما ظهر فى السبع سنوات الأخيرة التى نفخر ونفتخر بها جميعا من مشروعات كبرى مثل الطرق والكبارى ومشروعات القناة الجديدة والمشروعات السكنية والصناعية والاقتصادية وغيرها وكلها أعمال مدنية بمساعدة سلاح المهندسين المصرى الذى يجب علينا أن نفخر به.


> وإذا عدت بالذاكرة لأبعد من ذلك، ليلة تأميم القناة وكنت أحد ثلاثة اعتمد عليهم عبد الناصر عام 1956 لخطة التأميم، ما أصعب اللحظات التى قابلتها..؟


ـــ بعد فترة صمت أغمض فيها عينيه ليعود 64 عاماً للوراء، كانت من أصعب اللحظات فى حياتى فقد كان مطلوبا منا، عبد الحميد ابو بكر ومحمود يونس وأنا، السرية التامة فى العملية وإلا كما قال لنا الزعيم جمال عبد الناصر " لو فشلتم مصر لن تسترد القناة إلى أبد الآبدين " وكانت الفترة قصيرة لأن الزعيم عبد الناصر أبلغنا بذلك قبل 48 ساعة من إعلانه التأميم، وقمنا بتنظيم مجموعات كبيرة من العمل لمساعدتنا بدون علمهم بمهمة التأميم، كانت العملية صعبة فالقناة ممتدة لمسافة 162 كيلو مترا، ونحمد الله على نجاحنا فى المهمة التى أدهشت العالم كله وقام وقتها ولم يقعد، وكانت الفترة الأكثر صعوبة حين تم سحب جميع المرشدين الأجانب لتعجيز مصر عن قيادة القناة، والحمد لله أن الإدارة المصرية استطاعت التغلب على هذه المشكلة، وتم تسيير القناة بشباب المهندسين من الجيش والبحرية مع بعض الخبراء الأجانب القريبين من المهنة الذين تم استقدامهم من الدول الصديقة.


> بصفتك خبيرا بالمنطقة وعشت بها عمراً طويلاً، ما رأيك بالمشروعات الكبرى التى تم تنفيذها خلال الأربعة أعوام السابقة بقناة السويس الجديدة.


ـــ أراها مشروعات ضخمة وعملاقة، بدءاً من مشروع منطقة ممر قناة السويس وأهميته فى زيادة حجم التجارة الدولية وتطوير مدن القناة، ومشروعات المنطقة الصناعية والاقتصادية، فمنطقة القناة تتمتع بموقع استراتيجى فريد وهى من أهم طرق التجارة الدولية فى العالم، والمشروعات التى تنفذ بها تشمل موانئ شرق وغرب بور سعيد والعريش والقنطرة والطور والعين السخنة..الخ، إضافة إلى مشروع أنفاق القناة الذى يربط سيناء بكل محافظات مصر وهو مشروع ضخم يساهم فى تنمية سيناء والقضاء على الإرهاب. 


> بعد مرور 64 عاماً على تأميم القناة، كيف تراها فى المستقبل..؟


- قناة السويس لأهميتها العالمية كانت مصدراً للحروب والمؤامرات منذ إنشائها فى أواخر القرن الثامن عشر، إنها الشريان الحيوى الذى دفعت فيه مصر والمصريون ثمناً باهظاً، وكانت المعركة الكبرى هى معركة التأميم عام 56، وأتشرف بأننى كنت أحد الأضلاع الثلاثة الذين اعتمد عليهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى عملية التأميم، قناة السويس هيَ الشريان الرئيسى لمصر، وأراها مستقبلاً بالمشروعات الضخمة التى تقام بها وحولها من أكبر وأهم الممرات الملاحية العالمية ومن أكبر المناطق الحرة فى العالم، ومصدراً مهماً للدخل القومى والمتزايد.


> وكيف ترى مصر الدولة مستقبلا..؟


ـــ العالم كله تغيرت نظرته لمصر تغييرا جذرياً، ودور مصر بالنسبة للدول العربية والأفريقية اختلف أيضاً عن العهود القليلة السابقة بعد ثورة 30 يونيو وتحسن الأوضاع ليس فقط اقتصادياً بل وسياسياً واجتماعياً، ولو سارت مصر على هذا الاتجاه فى البناء والإنتاج وثانياً فى مجارة الفساد بكل قوة، وثالثاً بحب مصر وبقوة جنودها وقوة شعبها ومساندته لقواته المسلحة ورئيس دولته ستكون مصر خلال العشر سنوات القادمة فى مكانة كبيرة تنافس العالم بأكمله، فالرئيس عبد الفتاح السيسى رجل وطنى مخلص وشجاع استطاع خلال سنوات قليلة أن يحمى مصر من الإرهاب وينقلها نقلة حضارية كبيرة وأدعو الله أن يوفقه فى هذا العمل الصعب.


> رحلة طويلة من العطاء نلت عنها العديد من الأوسمة والنياشين والتكريم خلال العهود السابقة ما أهمها بالنسبة لك..؟ 


ــ لقد منحنى الرئيس جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى بعد نجاح عملية تأميم القناة عام 1956، ومنحنى الرئيس محمد أنور السادات وشاح ونيشان الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1981 لتطوير وتوسيع وتعميق مجرى القناة بعد حرب 1967، وبعد 40 سنة شاقة من عملى بالقناة مدّ لى الرئيس مبارك الخدمة وتوليت رئاسة الهيئة فى عام 1985 حتى عام 1996 تم خلالها أكبر مشروع فى القناة وقتها من تطوير وتوسعة المجرى الملاحى، وتكريمات أخرى كثيرة من الدول العالم أهمها نيشان الشمس من الحكومة اليابانية التى اشتركت معنا فى عملية توسيع القناة، وآخر تكريم لى كان من الرئيس عبد الفتاح السيسى عام 2016 خلال الاحتفال بمرور 60 عاماً على تأميم القناة، أتذكر عندما تم النداء على اسمى كنت أجلس فى الصف الأول ولكن كنت بعيداً عن السجادة الحمراء وفوجئت بالرئيس السيسى بتواضع شديد يترك مكانه ويسير مسافة بعيدة ليحتضننى ويكرمنى، وهذا التكريم أعتز به كثيراً لأنه تكريم عن مجمل سنوات عملى بالقناة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة