هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

العمدة أحمد البغدادى..أقريء الأحباب السلام

هشام مبارك

الأربعاء، 29 يوليه 2020 - 06:32 م

 

كان أبى يحب الناس كل الناس، لكن حبه لأبناء شقيقه وشقيقاته أشد، وكانت أمى تحب الناس كل الناس، لكن حبها لأبناء شقيقتها وأشقائها شكل تانى. وعلى هذا نشأت واخوتى بين أب وأم يشغل أبناء أشقائهما مكانة خاصة فى قلبيهما لا تدانيها أية مكانة اخرى. فعرفنا منذ نعومة أظفارنا كيف نحب أبناء عمى وعماتى وأبناء خالتى وأخوالى الذين بادلونا حبا بحب.ذلك الحب الحقيقى الذى ورثناه من أبى وأمى والمستمد من حب أبى وامى لأشقائهما وشقيقاتهما فكان أبى يقضى كل صبحية وحتى الظهر عند عمتى فاطمة التى تسكن على الناصية الاخرى من الطريق. ولولا البعد الجغرافى نسبيا عن بيتنا لقضى بقية النهار عند عمتى زينب بينما لا يتردد فى قضاء السهرة قابعا بجوار عمتى هند أو عمتى رقية يحكى لهما ويسمع منهما، كيف لا وكان يعتبرهما بحكم السن فى مقام والدته جدتى توحيدة. أما عن فرحة أبى عندما يعرف أن عمى صادق فى طريقه من القاهرة للأقصر فحدث ولا حرج. كان ينتظره مثل طفل ينتظر العيد.
كان أبى عند وصولى للبلد والذى يكون غالبا قبيل شروق الشمس وبمجرد أن أضع حقيبتى واسلم عليه هو وأمى يقول لى: روح ياهشام سلم على عمتك فاطمة قبل ماتغير هدومك، فتلتقط أمى الكلمة من على طرف لسانه قائلة:وعدى كمان على بنات خالك وماتنساش تسأل على ولاد خالك لو مش فى البيت وتشوفهم فين وتروح تسلم عليهم، وعندما كنت أداعبهما قائلاً: طب انتوا فرحانين بابنكم الحيلة عشان جه بالسلامة إيه بقى ذنب عمتى ولا بنات خالى عشان اروح اخبط عليهم فجارى كده؟ ادونى حتى فرصة أستنى لما اخواتى يصحوا الأول عشان اسلم عليهم، وبعدين أروح لعمتى ولبنات خالى فيقول أبي: عمتك بتصحى بدرى وعمالة تسأل من امبارح على ميعاد وصولك، وتضيف أمى: بنات خالك بيصحوا من الفجر، هو انت فاكرهم زى اخواتك اللى بيصحوا الضهر؟روح سلم عليهم وعلى ماتيجى يكون اخواتك صحيوا عشان يحضرولك الفطار.
تذكرت كل تلك الحوارات وأنا أتلقى منذ أيام خبر رحيل ابن خالى الحبيب عمدة البياضية أبا عن جد احمد البغدادى أو أحمد النايب كما اشتهر.كنت منذ رحيل أمى حريصا فى كل زيارة للبلد أن أبدا بزيارته هو وشقيقه الحاج عبد الرحيم النايب متعه الله بالصحة والعافية ليس فقط لتنفيذ وصية محببة لقلب أمى ولكن لأنى كنت أشم فى العمدة احمد البغدادى رائحتها.وكان رحمه الله يهش لرؤيتى ويسألنى عما لو كانت أجازتى طويلة أم قصيرة،  فقد كان اشد مايشغل باله هو وشقيقه أن يظل بيت عمته المجاور لهما مفتوحا كما كان فى حياتها هى وأبى وكان يقول لى: لن احتمل ان انظر للبيت وهو مغلق.وكنت كلما مررت عليه وهو جالس على الدكة بعد أن أقعده المرض عن الذهاب لديوان العمدية كان يسألنى حتى لو التقيته أكثر من مرة يوميا عما تبقى من الاجازة.
الطريف أننا عندما كنا اطفالا كنا ننادى العمدة احمد البغدادى وشقيقه عبد الرحيم بكلمة عمى وكانت امى تضحك وهو تحاول افهامنا أن احمد وعبده ابناء خالنا وليسوا اعمامنا. كان ربما الفارق بين أعمارنا هو الذى أوحى لنا بهذا الخطأ.فكان العمدة احمد النايب وعبد الرحيم فى نفس سن والدى وكانوا هم الثلاثة ندماء منذ الطفولة يلعبون ويدرسون معا.
كان يحلو لى أن انتظر صباح كل عيد قدوم العمدة احمد البغدادى وشقيقه عبده واظل مندهشا وانا ارى هذين الشيخين الكبيرين وهما يجلسان قبالة امى فى هدوء لاتفارق الابتسامة وجهيهما وهما يقولان لها:كل سنة وانتى طيبة ياعمتى.كانا يخرجان من صلاة العيد على بيتنا فى عادة لم تنقطع حتى رحلت أمى وها هو ابن أخيها القريب من قلبها يلحق بها قبيل أيام من عيد الأضحى المبارك.رحم الله العمدة احمد النايب وجميع أمواتنا وبارك الله فى أعمار كل أبناء وبنات عمى وعماتى وخالتى واخوالى وفى اعمار أولادهم وحفظهم من كل سوء ورزقنا جميعا حسن الخاتمة وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة