جانب من الحوار
جانب من الحوار


خاص| سفير أرمينيا بالقاهرة: تركيا تريد فرض أطماعها التوسعية وتحقيق «العثمانية الجديدة»

إبراهيم مصطفى

الجمعة، 31 يوليه 2020 - 12:47 م

 

نعمل على تسريع التوصل لاتفاق تجارة حرة بين مصر والاتحاد الأوراسى

أنقرة دورها سلبى فى علاقاتنا مع أذربيجان ورصدنا دعما عسكريا تركيا لها

سياسات أردوغان لضرب الاستقرار بالشرق الأوسط والمتوسط وأفريقيا أدت لمعاناة شعوب المنطقة


اتهم السفير الأرمينى فى القاهرة كارين كريكوريان، تركيا بدعم أذربيجان عسكرياً فى الاشتباكات الأخيرة التى نشبت بين باكو ويريفان.

 ووصف السفير فى حوار لـ «الأخبار» الدعم التركى بأنه استمرار لسياسات «العثمانية الجديدة» التى يتبعها الرئيس رجب طيب إردوغان لزعزعة الاستقرار فى المنطقة، مؤكداً حق شعب «ناجورنو-كارباخ» فى الدفاع عن نفسه ضد محاولات أذربيجان للسيطرة عليه، كما كشف عن محاولات بلاده لتسريع عملية التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوراسى الذى يضم أرمينيا إلى جانب روسيا ودول أخرى.. وإلى نص الحوار:

 ما أسباب الاشتباكات الأخيرة بين الجيشين الأرمينى والأذربيجاني؟
- السبب الأساسى لمهاجمة أذربيجان لأرمينيا فى 12 يوليو الجارى هو محاولتها فرض تنازلات على أرمينيا بشكل أحادي، فيما يتعلق بقضية ناجورنو-كارباخ. أعتقد أن أرمينيا أظهرت أنه هناك حل واحد للنزاع وهو التوصل إلى تسوية بين كافة الأطراف المعنية وهى أرمينيا وناجورنو-كارباخ وأذربيجان.
كما يبدو أن هناك سلسلة من الأسباب لسلوك أذربيجان المعادى لأرمينيا سواء داخليا أو خارجيا، بالنسبة للقيادة الآذرية تعد هذه طريقة لإلهاء شعبها عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الهائلة التى يواجهونها، مثل تداعيات كورونا وغياب العدالة الاجتماعية وانتهاك حقوق الأقليات الدينية والقومية وغيرها من المشكلات، كما يوجد سبب داخلى يعد الأهم هو ترويج القيادة الآذرية للاتجاه المعادى لأرمينيا داخل المجتمع الآذرى خلال العقدين الماضيين، وأصبحت السياسية المعادية لأرمينيا حجر أساس فى الدولة الآذرية، حتى أصبحت صورة العدو الأرمينى تغرس فى كل مواطن داخل أذربيجان بدءاً من الحضانة وداخل كل المؤسسات التعليمية وغير التعليمية طوال حياته، كما يتم فرض مفهوم العداء لأرمينيا فى كل خطاب عام أو فيلم أو كتاب وغيره من المنتجات الثقافية داخل أذربيجان. حاليا القيادة الآذرية من ناحية تحاول الاستفادة من تلك البروباجندا التى خلقتها، ومن ناحية أخرى أصبحت باكو أسيرة لسياسة العداء لأرمينيا، كما يريد الشعب الآذرى أن يشعر بنتائج الإنفاق العسكرى الضخم لرؤية تحقيق الوعود العنيفة التى منحتها إياهم حكومتهم، حيث رأينا فى الأيام الماضية فى العاصمة الآذرية مسيرات للآلاف من الشباب الغاضبين من تراجع بلادهم العسكري، ومطالبين بشن حرب ضد أرمينيا، وبالتالى الرأى العام يدفع أذربيجان إلى مغامرة عسكرية.
العامل الخارجى الرئيسى هو تأثير تركيا على أذربيجان، وهو أحد أهم أسباب الاشتباكات لأنه دون دعم أنقرة لم تكن باكو تجرؤ على اتخاذ خطوات لتصعيد الوضع.
هل هناك محاولات للوساطة أو مقترحات لوقف إطلاق النار؟
- تعد مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا مفوضة ومعترفا بها دوليا للوساطة فى نزاع جمهورية «ناجورنو-كارباخ» ذات الشعب الأرمينى وأذربيجان، وهى الإطار الوحيد لمفاوضات وقف إطلاق النار بين البلدين باعتبارها الضامن لحماية ناجورنو-كارباخ، ويجب الإشارة إلى أن دول مجموعة مينسك التى تضم فرنسا، روسيا وأمريكا لديها خبرة كبيرة فى الوساطة بين أذربيجان من جانب وأرمينيا وناجورنو-كارباخ على الجانب الاخر. رئيس الحكومة ووزيرا الخارجية والدفاع الأرمينيون على اتصال مستمر مع دول مجموعة مينسك ومندوبها، لعرض الوضع على الأرض وعواقب استمرار التصعيد.
كيف تقيم أرمينيا التصريحات التركية بشأن الاشتباكات الأرمينية الآذرية مؤخراً؟
- تركيا تعمل بصورة متواصلة على لعب دور سلبى فى علاقات أرمينيا وأذربيجان، عن طريق دعم القيادة الآذرية فى محاولات زعزعة استقرار الوضع على الحدود بين البلدين وفى منطقة تماس اذربيجان مع ناجورنو-كارباخ، وأصدرت أنقرة تصريحات من عدة مسئولين منهم الرئيس، حيث أوضحت وزارة الخارجية التركية فى بيان أن أنقرة ستواصل دعم أذربيجان بكل إمكانياتها، كما أكدت وزارة الدفاع التركية أنها ستواصل منح كل المساعدة الممكنة لحليفتها الوثيقة ضد أرمينيا عملا بمبدأ «أمة واحدة ودولتان».
لفهم ما يحدث فى جنوب القوقاز يجب الأخذ فى الاعتبار أن تركيا وأذربيجان يعملان عن قرب فى كافة الأصعدة، ولا تمثل البيانات الرسمية التزاما تركيا بدعم غير مشروط لأذربيجان وإنما تكشف بوضوح أطماع تركيا الإقليمية فى جنوب القوقاز، والتى يصفها الرئيس التركى ومسئولوه بالترويج لها باعتبارها «مهمة تركيا التاريخية» فى المنطقة، والحقيقة أن أنقرة تحرض أذربيجان على مغامرتها العسكرية. أصبح التدخل فى النزاعات فى المناطق المجاورة جزءاً من تقاليد الدبلوماسية التركية، وعبر استدعاء الانتماءات الدينية والعرقية والارتباط التاريخى تعمل تركيا على زعزعة الاستقرار فى المناطق المجاورة لها فى الشرق الأوسط وشرق المتوسط وشمال إفريقيا، ما يسبب معاناة شديدة لشعوب تلك المناطق. يقوض موقف تركيا الاستفزازى والمنحاز يقوض التسوية السلمية لنزاع ناجورنو-كارباخ، ويدل على أن أنقرة لا يمكن أن تنخرط فى أى عملية دولية تخص النزاع ضمن إطار منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا. تدين أرمينيا بشدة محاولات تركيا تعزيز عدم الاستقرار فى منطقتنا، وسنواصل العمل على تحقيق وتعزيز الأمن الاقليمى والدولي، بالتعاون مع شركائنا الدوليين.
هل تعتبرون موقف تركيا الأخير رداً على نجاح أرمينيا فى الحصول على اعتراف بمذابح الأرمن من عدة دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا؟
- أعتقد أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، والعداء التركى ليس فقط رد فعل على الاعتراف بالتطهير العرقى للأرمن من جانب دول، فسياسة تركيا العدائية تجاه أرمينيا راسخة، وعلى الرغم من محاولاتنا لتطبيع العلاقات بين البلدين، لم يتم إطلاق علاقات دبلوماسية، والحصار الاقتصادى غير الشرعى مازال مفروضاً. حالياً ونحن فى القرن الحادى والعشرين مازالت قيادة تركيا تبنى سياستها فى المنطقة على أساس تقاليد صلة القرابة مع أذربيجان، وتبرير الإبادة الجماعية للأرمن والإفلات من العقاب على تلك الجريمة، وللأسف السياسة المعادية لأرمينيا يبدو أنها جزءاً من الرؤية الاستراتيجية التركية الآذرية المشتركة للعالم. أما بشأن الاعتراف بمذابح الأرمن فى مختلف الدول فهى عملية طبيعية ومهمة، وتحظى بالتقدير ليس فقط فى أرمينيا وإنما فى العالم المتحضر بأسره، لأن ذلك الاعتراف سيكون نتيجته منع أى عمليات إبادة جماعية مستقبلاً، وبالتأكيد تركيا تتفاعل بشكل سلبى مع كل اعتراف بالمذابح، لأنه يهز أركان الدولة التركية الغارقة فى الدماء.
هل رصدت أرمينيا دعما عسكريا تركيا إلى أذربيجان لتأجيج الصراع؟
- نعم لقد رصدنا ذلك، وهذا ليس دعماً مقتصراً على الاشتباكات الأخيرة، فالتعاون العسكرى بين تركيا وأذربيجان حقيقة لا يمكن إنكارها، وفى هذا السياق أريد الإشارة إلى ما تسميه تركيا بـ»المهمة التاريخية» فى المنطقة وما يعنيه ذلك لأرمينيا.. مع الأخذ فى الاعتبار دروس التاريخ من إبادة الأرمن والحرب ضد الجمهورية الأرمينية الأولى (1918-1920) وخطط تركيا لاحتلال المناطق المأهولة بالأرمن خلال الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الواقع حالياً من حصار اقتصادى ودعم غير مشروط لأذربيجان، نصل إلى فهم أن تطبيق تركيا لمصطلح «المهمة التاريخية» فى جنوب القوقاز يعنى إبادة القومية الأرمينية ودولة أرمينيا.
بعض التقارير الإعلامية ربطت الدعم الأخير من تركيا لأذربيجان بخلاف أنقرة مع روسيا حول بعض القضايا، خاصة مع ارتباط أرمينيا مع موسكو بالعديد من الاتفاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.. ما تعليقك؟
- بالطبع لا يمكن مناقشة التطورات الإقليمية دون الانتباه إلى السياق الحالى فى العالم. روسيا الحليف التقليدى والأقرب لأرمينيا، والتى تمتلك علاقات صعبة ومعقدة مع تركيا. السياسات التوسعية لأنقرة فى العقدين الماضيين تظهر أن تركيا تستخدم كل أداة لتوسيع نفوذها سعياً لاستعادة الإمبراطورية العثمانية، وليس من قبيل المصادفة أن السياسة التركية التى تهدد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق المتوسط والقوقاز تسمى عادة «العثمانية الجديدة».
هل محاولات أذربيجان للسيطرة على منطقة ناجورنو-كارباخ تعد مخالفة لإرادة سكانها؟
- أود التأكيد على أن ناجورنو-كارباخ ليست «منطقة»، وإنما بلد مستقل لديه كافة مقومات الدولة: الشعب، الأرض، الحكومة والسيادة، وقد كانت جزءاً من أرمينيا تاريخياً تحت اسم «أرتساخ»، والتى شكلت المقاطعة العاشرة فى مملكة أرمينيا قديماً، ويعيش الأرمن فى أراضى ناجورنو-كارباخ منذ أكثر من 2500 عام، وقد بدأ النزاع حولها حديثاً فى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حين حاولت القيادة الآذرية اقصاء الوجود الأرمنى فى باكو ومناطق أخرى منها ناجورنو-كارباخ التى يشكل الأرمن فيها الأغلبية العظمى من السكان، وحتى فيما قبل ذلك خلال العهد السوفيتى اتبعت أذربيجان سياسة تهجير القومية الأرمنية من ناجورنو-كارباخ ومن جمهورية ناخشيفان ذات الحكم الذاتي، حيث نجحت تلك السياسة فى الأخيرة وفشلت فى الأولى. ومن المهم التأكيد على أنه فى 10 ديسمبر 1991 قبل حل الاتحاد السوفيتى أعلن سكان ناجورنو-كارباخ قيام جمهوريتهم عبر استفتاء يتوافق كلياً مع القانون الدولى وروح ونص دستور الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت، وبالتالى على أراضى الجمهورية الأذربيجانية السوفيتية السابقة تم إنشاء دولتين هما أذربيجان وناجورنو-كارباخ، وبالتالى فإن الإرادة الواضحة لشعب ناجورنو-كارباخ تم التعبير عنها فى الاستفتاء السابق الإشارة إليه، والحرب بينها وأذربيجان اندلعت بسبب قرار القيادة الآذرية بالتوجه للحرب، وحاليا شعب ناجورنو-كارباخ يدرك أنه فى اليوم الذى تسيطر فيه أذربيجان على أراضيهم سيفقدون كل شيء بما فيه حياتهم، ولا خيار لهم سوى الدفاع عن حريتهم.
كيف تدعم أرمينيا مساعى مصر لتوقيع اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوراسي؟
أرمينيا تعمل بجد منذ وقت طويل لتسريع توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوراسي، كعضو فى الاتحاد نعمل على دفع ذلك الأمر قدماً على أجندة المنظمة، ونحن نوقن بأن الاتفاق يعطى منافع متبادلة ويوفر الكثير من الإمكانيات.
ما الدور الذى يلعبه المصريون الأرمن فى تدعيم علاقات مصر وأرمينيا؟
- مجتمع الأرمن موجود فى مصر منذ قرون، وبعد الإبادة الجماعية للأرمن أصبحت مصر وطناً للآلاف ممن استطاعوا النجاة. حسن الضيافة من المصريين وكذلك العمل البناء من الأرمن على الأرض المصرية كانا عاملين لصلات الشعبين. حاليا فى عصر التكنولوجيا الرقمية تلعب الجالية الأرمنية دور الوسيط الموثوق به بين مصر وأرمينيا، وهى همزة وصل تثرى كلا البلدين سواء ثقافياً أو اقتصادياً.


 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة