الكاتب الصحفي جمال حسين
الكاتب الصحفي جمال حسين


الحلقة التاسعة..«جمال حسين» يكشف أسرارًا من دفتر أحوال ثورة 30 يونيو

جمال حسين

الإثنين، 03 أغسطس 2020 - 11:38 ص

- سر زيارة «نص الليل» لوزير خارجيَّة قطر للشاطر فى طرة

- العطيَّة لخيرت: نعرف الدعم القطرى لكم ..وسعينا للإفراج عن القيادات لكننا فشلنا

- قيادى إخوانى لوزير الداخليَّة: كله هيتحاسب.. وإبراهيم : لا أنت ولا غيرك

- تعيين 14 قيادة إخوانية محافظين.. القشَّه التى قسمت ظهر الجماعة

- محافظ المنوفيَّة هرب من الباب الخلفى للاستراحة.. ومحافظ كفر الشيخ هرب فى سيارة جمع القمامة

مخطط الأخْونة

ولأن المقدمات دائمًا ما تُؤدى إلى النتائج، فقد تسبَّب «مخطط  الأخْونة» فى اعتصامى رابعة والنهضة، اللذين كانا سببًا فى اقتلاع حكم الإخوان من مصر إلى غير رجعةٍ.

«التمكين»، هذا هو شعار الإخوان واستراتيجيتهم منذ ركوبهم على أحداث يناير 2011.. فقد رفعوا هذا الشعار خلال لقاءاتهم فى المكاتب المُغلقة، أثناء نقاشاتهم مع المرشد العام محمد بديع وقيادات الجماعة تارةً، أو مع  نائبه ورأس الحربة الإخوانى خيرت الشاطر، المُهيمن على أمور الجماعة تارةً أخرى، أو خلال نقاشات قيادات مكتب الإرشاد مع شباب الإخوان المُخدوعين المُتحمسين.. وتحوَّلت خطة الأخْونة من السريَّة إلى العلانية، عندما اشتدَّ عودهم وقويت شوكتهم؛ بعد وصولهم إلى عرش مصر الذى كانوا يحلمون به منذ إنشاء الجماعة على يد حسن البنا عام 1928.

وعمليَّة الأخْونة كانت تستهدف زرع عناصر إخوانيَّة من الجماعة فى مفاصل الدولة الرئيسية؛ من وزارات ومؤسسات وهيئات ونقابات، وخلال شهورٍ قليلةٍ عيَّن مرسى من قيادات الأهل والعشيرة  7 وزراء و14 محافظاً و8 مستشارين له فى مؤسسة الرئاسة، ونجح الإخوان فى  اختراق مفاصل 20 وزارة؛ من خلال تعيين مستشارين للوزراء، إضافةً لمناصب محليَّة بقطاعات المياه والصرف الصحى والكهرباء والإعلام والتعليم، وهى فى معظمها تتصل بقرارات المحافظين.

ويذكر التاريخ أن المستشار حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، حذَّر عام 2013 من تعديلات قانون السلطة القضائيَّة، وقال إن المقصود بهذه التعديلات أخْونة القضاء، ووصفه بـ«مشروع استبدادى»، لأن المطلوب هو إخراج عددٍ ضخمٍ من القضاة، واستبدالهم بمحامين من جماعة الإخوان وحلفائهم؛ للسيطرة على القضاء، وإخضاع القضاة لمبدأ السمع والطاعة بدلاً من سيادة الدستور والقانون.

وجنَّد الإخوانُ عدداً من ضباط وأفراد اللحية ضد وزارة الداخليَّة، لدرجة أن الهلباوى،  رئيس الاتحاد العام لأفراد هيئة الشرطة، شدَّد على أهمية إجراءات التصعيد ضد اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخليَّة فى ذلك الوقت، بتظاهر الأمناء وأفراد الشرطة أمام مديريات الأمن، لأخْونة الداخليَّة، لكن الوزارة أفشلت هذا المخطط بدعمٍ كبيرٍ من القوات المسلحة.

كما حرصت جماعة الإخوان، خلال حكمهم، على السيطرة على النقابات المهنية والعمالية؛ تثميناً للدور الذى قامت به نقابتا الأطباء والمحامين فى وصولهم إلى حكم مصر.. كما أراد الإخوان السيطرة على نقابة المعلمين؛ تنفيذًا لوصية مؤسس الجماعة حسن البنّا، الذى كان يرى أن استمرار تدفق العامل البشرى للجماعة، لن يتم إلا من خلال السيطرة على النشء وتربيتهم منذ الصغر على مبادئ الإخوان.

كما نجح الإخوان في اختراق العديد من النقابات المهنية، والحصول على أكبر عددٍ من مقاعد مجالس إداراتها.. وسعت الجماعة لاختراق الأندية الرياضية والجامعات ومراكز الشباب؛ حتى ينخرط شباب الجماعة فى الأندية الرياضية ومراكز الشباب، وينشرون فكر الإخوان داخلها؟!!

القشَّة التى قسمت ظهر الإخوان

وجاءت حركة المحافظين التى أعلنها الرئيس المعزول محمد مرسى، لتُشعل مصر من أقصاها إلى أقصاها.. الحركة شملت 17 محافظةً تم خلالها تعيين 7 محافظين من قيادات الجماعة، والثامن من قيادات الجماعة الإسلامية، ليُصبح عدد المحافظين الإخوان 14 محافظاً من 27.. ومن عجائب القدر أن الإخوان عيَّنوا عادل الخياط القيادى بالجماعة الإسلامية التى نفَّذت مذبحة السياح فى الأقصر عام 1997 محافظًا للأقصر، وهو ما أثار استياء الجميع.. الحركة أثارت موجةً من الغضب الشعبى، واعتصم المصريون فى مداخل دواوين المحافظات، ليمنعوا المحافظين الإخوان من دخول المحافظات التى عيِّنوا بها، وهو ما حدث مع أهالى محافظة المنوفية، الذين منعوا القيادى الإخوانى أحمد شعراوى من دخول ديوان المحافظة، وظلَّ مُحاصراً داخل استراحة المحافظة عدة أيامٍ، حتى اضطر شعراوى للهرب من الباب الخلفى للاستراحة، بعدما زادت الاحتجاجات ضده، وهدَّد المحتجون باقتحامها.. والشىء نفسه حدث فى الغربيَّة، حيث منعت الاحتجاجات الشعبية محافظها الجديد أحمد البيلى من دخول المحافظة، وظلَّ فى الاستراحة حتى هرب.

أما الإسكندريَّة فقد شهدت مظاهرات حاشدة ضد تعيين القيادى الإخوانى البارز فى الجماعة حسن البرنس نائبًا للمحافظ، وثار أهالى محافظة البحيرة ضد المحافظ الجديد  أسامة سليمان، عضو المكتب الإدارى للإخوان، مما اضطره للاستقالة.

وفى كفر الشيخ ثار الأهالى ضد القيادى الإخوانى سعد الحسينى، الذي عيَّنه مكتب الإرشاد محافظًا، وحاصر الآلاف مقر الديوان العام، واضطر الحسينى للهرب فى سيارة نصف نقل عبر الأبواب الخلفية لديوان المحافظة.. وفى محافظة الأقصر نظم الأهالى مظاهرةً حاشدةً، اعتراضاً على المحافظ الجديد عادل الخياط، بعد أن اصطحب أفراد أسرته وأصدقاءه من الإخوان، ومعهم أسلحة لتمكينه من دخول ديوان المحافظة.

تمرد وتجرد

وفاض الكيل بالمصريين ولم يعد للاحتمال مكاناً، بعد أن كشف حكم الإخوان عن وجهه القبيح خلال السبعة أشهر الأولى.. وفى بداية عام 2013، سادت حالة من الغضب الشعبى نتيجة تردى بعض الأوضاع.

ومع زيادة الاحتجاجات على الإخوان ظهرت «حركة تمرد»، بقيادة الشاب محمود بدر بجمع استمارات لإسقاط الإخوان، وسارع التيار الإسلامى بعمل دعوة مقابلة أُطلق عليها  «حركة تجرد»، ولكن المصريين التفوا حول حركة تمرد، وجمعت الحركة ملايين التوقيعات فى فترة قياسية.
وحاول مرسى والجماعة السيطرة على الموقف المحتدم، وأعلنت الرئاسة أن مرسي سوف يُلقى خطاباً إلى الشعب،  لكن الخطاب خيب الآمال، وكان فيه تهديدٌ أشعل الغضب ضده وضد الجماعة، حتى جاء بيان القوات المسلحة الذى ألقاه الفريق عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع في هذا الوقت، وأثلج صدور المصريين، الذين تدفقوا إلى الشوارع بالملايين، بينما اعتصم الآلاف من الإخوان والتيارات الدينية  فى رابعة والنهضة. 

اعتصام مسلح

وخلال أكثر من 45 يومًا تحوَّل اعتصام رابعة إلى اعتصام مسلح،  وأصبح دولة داخل الدولة، واستولى المعتصمون على سيارتى الـ«بث» تابعتين للتليفزيون المصرى، واستعانوا بفنيين من قناة الجزيرة، لبث ما يحدث على منصة رابعة في عرض مستمر لمدة 24 ساعة.. ووجد قيادات الإخوان وعلى رأسهم المرشد محمد بديع فى منصة رابعة وسيلةً لمخاطبة العالم وادعاء المظلومية واستخدموا الآلة الإلكترونية الخاصة بهم في تشويه النظام المصرى الذي أطاح بحكم الإخوان.

وحاولت الدولة إثناء المعتصمين وإقناعهم بفض الاعتصام حقناً للدماء دون جدوى، وخلال لقاء لى مع اللواء هانى عبداللطيف، المتحدث الرسمى لوزارة الداخلية، أكد أن اعتصامى رابعة العدوية والنهضة كانا بمثابة جريمة في وسط العاصمة تستوجب التعامل الأمنى، لكن الحكومة حاولت فض الاعتصامين المسلحين من خلال المفاوضات، حماية للمواطنين الذين غررت بهم جماعة الإخوان باسم الدين، ومثَّل فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بأقل الخسائر الشغل الشاغل لجميع المسئولين المصريين.

أطلقت الحكومة ووزارة الداخلية عدة مناشدات لإقناع المعتصمين بفض اعتصامهم بشكل سلمي، لكن قيادات جماعة الإخوان كانوا يقابلونها بمزيد من الشحن للضغط على القيادة السياسية للتفاوض حول عودة المعزول.

وعقب تلقى اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، تكليفاً بفض الاعتصامين، عقد عدة اجتماعات مع مساعديه لوضع خطة الفض، وحرص على تطبيق منهج أمني احترافي يمكن رجال الشرطة من فض الاعتصام بأقل الخسائر، خاصة بعد أن أكدت التحريات وجود أسلحة وذخيرة واعتزام قيادات الإخوان الاحتماء بالنساء والأطفال والدفع بهم في الصفوف الأولى لمواجهة قوات الشرطة، حتى يتمكنوا من الهروب.

وألقى اللواء هاني عبداللطيف بياناً تليفزيونياً ناشد فيه المعتصمين فض اعتصامهم، وأعلن عن توفير ممرات آمنة لخروج المعتصمين، لكن دون جدوى، بعد أن وجد قيادات منصة رابعة دعماً كبيراً من قطر وتركيا.. وتحدث اللواء هاني عبداللطيف معى عن كواليس الوفود الأجنبية والدولية التى كانت تتسابق لزيارة مصر بقصد الجلوس مع قيادات الإخوان داخل السجون، والذى كان الهدف منها التفاوض لإخراج العناصر الإخوانية من السجون، مؤكداً أن محمد البرادعى فى ذلك الوقت كان هو من يتبنى تلك المفاوضات، وأن الإخوان استغلوا تلك التجمعات فى إحداث العديد من الأزمات التى كان هدفها إسقاط الدولة، وكان أبرزها أحداث الحرس الجمهورى التى خططوا من خلالها لمحاولة تهريب مرسى، إلا أن الدولة تعاملت مع تلك الأزمات بشجاعة.

مش إيد واحدة

ولم تتوقف محاولات الإخوان للخروج من الأزمة عند هذا الحد بل لجأوا للإعلام.. وفجأة دعا أيمن على، المستشار الإعلامي للرئيس المعزول محمد مرسي،  لاجتماع للمتحدثين الرسميين للرئاسة ومجلس الوزراء والجيش والشرطة بقصر القبة.. وعقب انتهاء اللقاء، وقف أيمن علي ليقول للمتحدثين الرسميين: سوف نصنع صورةً نُصدرها للرأي العام المصري والخارجي،  حيث نقف متشابكي الأيدي بالزي الملكي والميري لإظهار أن مؤسسات الدولة الكبرى متماسكة وإيد واحدة، على غرار ما فعلنا في المؤتمر الصحفي الذي عقدناه في واقعة خطف الجنود السبعة.. لكن متحدث القوات المسلحة ومتحدث وزارة الداخلية اللواء هاني عبداللطيف اعترضا على ذلك، وقال اللواء هاني عبداللطيف لأيمن علي، المستشار الإعلامي لمرسي: « أنتم مش حاسين ايه اللي في الشارع ..لازم الرئيس يطلع مع الإعلاميين بنفسه ويسمع منهم نبض الشارع اللي أنتم عاملين نفسكوا مش شايفينه «، وبعدها طلع المستشار الإعلامي لمرسي بمفرده من بلكونة قصر الاتحادية مع المراسلين الأجانب. 

بيرنز والعطية فى طرة

وبعد قيام ثورة 30 يونيو تم القبض على رموز نظام مرسي وإيداعهم السجون، وكان خيرت الشاطر العقل المدبر لكل الأحداث الإرهابية محبوساً في طرة، وحاولت بعض الدول التدخل لتهدئة الأوضاع لإقناع الإخوان بفض الاعتصامين ومغادرة الميادين، حقناً للدماء بعد أن أمهلت السلطات المصرية المعتصمين عدة أيام للمغادرة وإلا ستضطر إلى فض الاعتصامين عن طريق الشرطة، ومن بين هذه  المحاولات الحثيثة تلك الزيارة التي قام بها وفد يضم نائب وزير الخارجية الأمريكى وليام بيرنز، ووزير خارجية قطر محمد العطية، وممثل الاتحاد الأوروبى برناردينو ليون لخيرت الشاطر في سجن العقرب، وهي الزيارة التي أكدتها وزارة الخارجية الأمريكية على لسان ماريا هارف، المتحدثة باسم الوزارة، وأوضحت أن زيارة الوفد للشاطر كانت تهدف لتهدئة الأوضاع الساخنة على الساحة المصرية، والعمل على إيجاد حل ديمقراطي، يهدئ من التوتر الشديد بين الحكومة الجديدة والمعارضين لعزل الرئيس السابق، مشيرة إلى أن اللقاء تم بالتعاون مع القيادة المصرية الحالية ونفت التقاء الوفد بالرئيس المعزول. 

محمد مرسي

..وعندما سألت أحد قيادات وزارة الداخلية والسجون في نهاية عام 2013 عن تفاصيل هذه الزيارة التي تمت في منتصف الليل..قال إن هذه الزيارة جاءت فى إطار طلب بعض الأطراف الدولية التدخل والتوصل إلى صيغة توافقية حول فض اعتصامى رابعة والنهضة دون إراقة دماء، باعتبار الشاطر صاحب القرار النهائي في الجماعة وليس مرسي، وذلك عقب تفويض مجلس الوزراء لوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال الاعتصامين.

وقال إن الوفد التقى خيرت الشاطر لمدة ساعة ونصف عرضوا عليه العديد من المبادرات، من بينها أن يُعلن مرسى استقالته أو تنحيه والبدء فوراً فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يقوم مؤيدو الإخوان بفض اعتصامي رابعة والنهضة من أجل حقن الدماء،  لكن الشاطر رفض.. وهنا طلب وزير خارجية قطر من الحضور الانفراد قليلاً بخيرت الشاطر بحكم العلاقة الوثيقة التي تربط قطر بالإخوان لعله يستطيع إقناعه، وبالفعل انفرد به وأكد له الدعم القطري للجماعة وسعي قطر للإفراج عنه وعن القيادات الإخوانية، لكن تنفيذ ذلك مشروطٌ بفض الاعتصامات والقبول بعزل مرسي.. لكن الشاطر أصر على الرفض، وقال اذهبوا إلى مرسي هو صاحب الكلمة الأولى في هذا الشأن.. ورد عليه وزير الخارجية القطرى: نحن لجأنا إليك لأنك تملك تأثيراً كبيرًا على مرسى، وتستطيع أن تقنعه.. ورد الشاطر يجب أن تشمل المبادرة الإفراج عن مرسي وعن جميع المعتقلين من الإخوان والأحزاب الإسلامية.. وكان رد الوفد أنهم لن يستطيعوا التدخل فى شئون القضاء المصرى وانتهى اللقاء إلى عدم التوصل إلى أى نتيجة.

ورأى الكثير من الدوائر أن تلك الزيارة كانت تشكل فرصةً أخيرةً لتفادي وقوع مواجهة في منطقتي رابعة العدوية والنهضة.

هتتحاسب يا وزير الداخليَّة

وفي آخر خطاب لمرسي والذي أُطلق عليه خطاب الشرعية، كان الإخوان متربصين بكل القوى الوطنية، وأثناء دخول وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم إلى القاعة،  استقبله المهندس أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط، المتحالف مع جماعة الإخوان، وبادره بالقول: يا سيادة الوزير، يعنى إيه قصدك من وراء كلامك بأنك ستحمى المظاهرات السلمية ومش هتحمى مقرات الإخوان؟ عموماً كل واحد بياخد موقف هيتحاسب عليه.
نظر الوزير إليه وقال له بلهجة حاسمة : لا أنت ولا غيرك هيعرفنا شغلنا، وبعدها قدم الإخوان لوزير الداخلية كشفاً بمجموعة من الإعلاميين طلبوا القبض عليهم،  لكن وزير الداخلية مزق الكشف امام مندوب الإخوان.
 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة