إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

بيروت.. القلب الذى يمشى بنا

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 08 أغسطس 2020 - 06:58 م

 

ليس هذا مجرد كلام رومانسى يقال فى المناسبات الصعبة أو حتى المبهجة لكنه الحقيقة. نحن أهل مصر وعبر قرن من الزمان نعرف أن النهضة التى بدأت فى عهد محمد على وبشكل أكثر كثافة فى عهد اسماعيل باشا كان الشوام أهم أركانها وكان أهل لبنان فى المقدمة دائما. أسسوا المسرح والمجلات الأدبية والفكرية ودخلوا إلى السينما والموسيقى والغناء، ورأيناهم عبر الأجيال أمامنا فى الأفلام. كانوا جزءا من نسيج حياتنا المبهجة. ومن هم مثلى الذين تفتح وعيهم مع الستينيات فى الثقافة بعد أن تفتحت قلوبهم وأرواحهم مع الأفلام والغناء عرف أن كثيرا جدا ممن عرفتهم سجون ومعتقلات الفترة الناصرية ذهبوا إلى بيروت بعد أن خرجوا من السجون واشتغلوا فى الصحف وكتبوا ونشروا. وحتى الذين كانوا يكتبون فى القاهرة ويعيشون فيها كانت الرقابة على الكتب كما هى على الصحف أمرا رسميا فكانوا يرسلون بكتبهم إلى بيروت فشاعت مقولة مصر تكتب وبيروت تطبع والعراق تقرأ. وبالفعل كانت العراق من أكثر البلاد قراءة وستكون. وحين دخلتُ إلى الحياة الأدبية فما أكثر من قابلت من كتاب لبنان فى زياراتهم السريعة للقاهرة وكان اللقاء مثل حلم. ويوم أن نشرت فى بيروت عرف كل الأدباء والنقاد فى العالم العربى ما أنشره. تنشر فى بيروت يتسع بك العالم ويحملك فضاء المدينة المتصل بالجنة فبيروت نفحة السماء على الأرض. وحين تذهب إليها تنسى من أين جئت. لقد ظل ما حدث للكتّاب أثناء عهد عبد الناصر يتكرر فى أيام السادات وكانت الموجة الثانية من الهجرة للمفكرين. صارالعالم صغيرا ويمكن لك أيضا أن تكون فى بيروت وأنت هنا بالنشر هناك فى دور النشر والصحف والمجلات التى يضيق المقال عن ذكرها لتعددها وكثرتها. أما حين تسافر إلى بيروت فتحملك قدماك إلى المشى فى شوارعها وميادينها وعلى كل مقهى تجد حلما. كاتبا. صحفيا جميلا. فنانا فى المسرح أوالسينما. مطربا أو مطربة أما إذا صعدت الجبال فستمسك بالسماء فى يدك. ولو اتسع بك الوقت وشاهدت فعاليات ثقافية فتجد نفسك بين السحب. بيروت ولبنان الفينيقية هى تجسيد لطائر الفينيق الذى كلما مات عاد إلى الحياة. لم نشهد بيروت ميتة إلا اثناء الحرب الأهلية اللبنانية فى النصف الثانى من السبعينيات لكن هل كانت ميتة ؟ خرج من خرج منها وبقى من بقى وصدرت مئات الكتب عن تلك الأيام جسدت لنا طائر الفينيق وهو يستيقظ وحتى بعد الهجوم الإسرائيلى عام 1982. للأسف صارت لبنان موزعة بين أحزاب وطوائف لكنهم وصلوا إلى صيغة ترضيهم إلا أن فى الأمر كانت هناك قنبلة موقوتة. ويبدو أن الساسة بعد الاستقرار لم يعجبهم أن بيروت تعود إلى الحياة طويلا فحدث ما حدث من فساد واستغلال جعل الشعب كله يخرج ثائرا عليهم ولأول مرة نسمع شعار « كلُّن يعنى كلُّن « لا تمييز بين زعماء طائفة وأخرى فالكل فاسدون. من يهتف بذلك شعب لبنان من فضلك وليس أحد خارجها. فى السنوات الأخيرة فتح هؤلاء الساسة الأبواب لنفوذ دول كثيرة عربية وأجنبية وبعد أن كانت لبنان قلب العالم صار هناك من يلعب فى روحها وبالتالى وصلت لأزمتها السياسية. ثم نفاجأ بكارثة نترات الأمونيوم المادة القابلة للاشتعال المخزونة منذ عام 2014 فى الميناء. ليس مهما من فعل الآن رغم أنى أعرف أنه الفساد قبل أى أحد والتفاصيل كثيرة، لكن المهم أن الذين رأوا فى لغم الطائفية هدوءا بحثوا عن لغم آخر. بيننا وبين لبنان تاريخ من المسرّة. ليست السنوات التى تحدثت عنها فقط لكن حتى فى الأساطير القديمة فحين قتل ست إله الشر أخاه أوزوريس ومزق جسده وألقى بأعضائه فى البلاد أرسل قطعة منه إلى مدينة صور الفينيقية اللبنانية فعرفت إيزيس التى كانت تجمع أعضاء حبيبها وانتقلت تحت السماء وأتت بما دُفن منه هناك وعادت لتكتمل الأعضاء وتنفخ فيه من روحها فيستيقظ. إله الخصب والآخرة أوزوريس.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة