د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

المستفيد من الزيادة

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 13 أغسطس 2020 - 07:19 م

ولأن الإنسان مخلوق من عجل، يظن أن الله لم يجب دعاءه، ولم يحقق رجاءه.

زيادة (من)
السبت:
يعلم الله أنى ضحكت وأنا أكتب هذا العنوان لما رأيت أن الأذهان سوف تنصرف إلى زيادة المرتبات، أو الحوافز، وقلت: سيكون ذلك مفاجأة لهم، أن الزيادة ليست مادية، وإنما هى زيادة الحرف (من) فى أساليب القرآن الكريم، ودلالة هذه الزيادة، ومن ذلك المستفيد منها، وما أثر تلك الزيادة فى حياته، وموضع الزيادة هنا فى قول الله تعالى من سورة النمل، الآية: 75 حيث يقول ربنا عز وجل: «وما من غائبة فى السماء والأرض إلا فى كتاب مبين» والفرق بين هذا التعبير الذى وردت فيه زيادة (من) وبين قولنا فى غير القرآن: ما غائبة فى السماء والأرض إلا فى كتاب، أن الثانى يدل على احتمال وجود غائبة ليست فى الكتاب، ولا نكير، ويمكن لمن قال لك: ما غائبة فى هذا الكشف الذى دون فيه بعض الأغراض، أو المهمات التى كلفته بجمعها، يمكن أن يكون قد نسى كتابة شيء، ولو كنت تفهم اللغة العربية لما ضايقته، وضايقت نفسك إن اكتشفت وجود غائبة لم يسجلها؛ لأنه لم يقل لك: ما من غائبة فى هذا الكشف، عندئذ تستطيع أن تقيم الدنيا، ولا تقعدها، لأنه عبر بالتعبير الذى لا يحتمل معه وجود غائبة، وهذا وجه الاستفادة من زيادتها فى أساليبنا، أما وجه الاستفادة من زيادتها فى آية النمل فهو الاعتقاد السليم أن الله لا تغيب عنه غائبة، صغرت أو كبرت، فهو سبحانه وتعالى بكل شيء عليم، والعجيب أنى وجدت ابن عباس رضى الله عنهما حين سئل عن معنى قوله تعالى: وما من غائبة أجاب بقوله: وما من شيء، فكان جوابه مطابقا تماما لنص الآية، أى أن فى الآية زيادة (من) وفى الإجابة زيادة (من) فالرجل لم يتسمح بأن يقول: ما شيء فى السماء والأرض إلا فى كتاب عند الله، وهذا يدل على منتهى التركيز الذى غاب عنا ولا حول ولا قوة إلا بالله، فما الذى يراعى ما راعاه ابن عباس؟ ليس هذا فقط، وإنما هو الحرص منه رضى الله عنه على تثبيت المعنى المستفاد من تلك الزيادة لدى السائل، ولدى غيره من المسلمين الذين لو فقهوا دينهم لما سبقهم أحد إلى خير أبدا، فإذا علم كل مسلم أنه محال أن يغيب على الله شيء أى شيء لنتج عن ذلك العلم أمران:
الأول: أن يحذر الله، وأن يتقيه، وأن يعمل واثقا أن الله لن يغيب عنه جل فى علاه شيء مما عمل، وقدم لنفسه عنده.
والثانى: أن يطمئن إلى أن الله تعالى لن يغيب عنه شيء فى صالحه، الأمر الذى قد يغيب على والده كامل الشفقة به، وعلى والدته التى هى أحن به من نفسه عليه، ولطالما سمعت أمهات يقلن وقد زرن أولادهن المغتربين فى طلب العلم، نسيت أقول له، نسيت أعطيه كذا، والله عز وجل كما أخبرنا عن نفسه يقول: «وما كان ربك نسيا» وإذا علم العبد علم اليقين أن ربه هيهات أن ينسى له حاجة، فيها صلاح دنياه، وصلاح أخراه، ولكن لأن له حكمة، لا يطلع عليها كثيرا من خلقه، ولأن الإنسان مخلوق من عجل، يظن أن الله لم يجب دعاءه، ولم يحقق رجاءه، وأنه مدرج مع من قال الله فيهم: "نسوا الله فنسيهم" مع أن التعبير بنسيان الله، والله محال أن ينسى من قبيل المشاكلة اللفظية، أى أنه ليس على سبيل الحقيقة، التى تعبر بها وعنها فى الذين نسيتهم فنسوك حقا، أما ربنا تعالى فنسيانه قد جاء التعبير عنه بهذا اللفظ لما نسى بعض عباده حقه عليهم، هم نسوا حقا، أما هو سبحانه وتعالى فحرمهم عظيم ثوابه، وهذا من مقتضى النسيان، أما الحقيقة فلا نسيان، وقد ورد فى الحديث القدسى الذى نحفظه جميعا أن الله يقول: "وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير من ملئه" والذكر فى النفس يكون من العبد بأن ينشغل قلبه بذكر ربه الذى خلقه وسواه ورزقه وحفظه، وأنه أحل هذا الذى هو مقبل عليه، وحرم هذا الذى هو منصرف عنه، وذكر الله له فى نفسه بعطائه، وجوده، وكرمه، وذكر الإنسان لربه فى ملأ معناه أن يذكر به أحدا من أهله او رفاقه، يأمرهم بطاعته، ويذكرهم بأحكام شريعته، ويعينهم على العمل لما يحقق رضاه، وذكر الله تعالى له فى ملأ خير من هذا الملأ الذى هو فيه، من الملائكة، ومما لا يعلمهم إلا الله وحده، يعنى مع عطائه إياه، وكرمه به، وجوده عليه يفاخر به ذلك الملأ المطهر، ويكرم سمعته فيما بينهم، وهذا تشريف له، وتمييز له عن الغافلين الذين لا يذكرون الله عز وجل فى نفس، ولا فى ملأ، وقد قال تعالى فى سورة الأعراف الآية 205: «واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين».
اللهم أشركنا فى دعوى المسلمين
الأحد:
ومما ذكره عم اللغويين سيبويه، وهو يتحدث عن مصادر الثلاثى السماعية أن مصدر الفعل (دعا): دعاء، ودعوى، وقال، ومنه أى مما جاء على دعوى قولنا: اللهم أشركنا فى دعوى المسلمين، وأن أستثمر هذا المعنى هنا من باب أن الله تعالى لا تغيب عنه من غائبة فى السماء والأرض، وأنه لو أجاب لنا هذا الدعاء؛ فأشركنا فى دعاء المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، فلربما دعاه عز وجل داع بما لا يخطر لنا على بال حين ندعو بالمعهود من دعائنا، وهو فى العادة قاصر مثلنا، وضعيف ضعف عقولنا، ومحدد ضيق كضيق ظروفنا، وأنفاسنا، وهناك دعاء دعا به غيرنا ممن وفقهم الله تعالى إليه من الدعاء الأعلى والأرقى، والجامع المانع الذى يحقق ما لا يتصور تحققه إلا كل ذى قلب معلق بعظمة الله عز وجل، وسعة ملكه، وقدرته على كل شيء، وفى هذا السياق أذكر الرجل الذى جاء ابن عباس رضى الله عنهما، وقال له: ادع الله لى ألا يجعلنى فى حاجة إلى أحد من خلقه، فضحك ابن عباس، وقال له: يا هذا إن الله خلق الناس يحتاج بعضهم إلى بعض كما تحتاج أعضاء الجسد الواحد بعضها إلى بعض، ولكنى أسأل الله لك أن يكفيك شرار خلقه، فانظر كيف اختلف الدعاء، من دعاء لا يصح، إلى دعاء هو بيت القصيد، أما كونه لا يصح فلمخالفته سنة الله فى خلقه، فهو دعاء كما أقول بالعامية أهبل، عبيط، وكل دعاء بهذا الشكل غير مستجاب، لأنه من العدوان فى الدعاء، فهل يدعو أحد ربه ألا تحتاج عينه إلى يده؟ فما الذى يفركها، وما الذى يغسلها، ويخلصها من العماص؟ هذا دعاء لا يستجاب، وهذا الدعاء رأيته يحتل الصدارة فى أدعيتنا اليوم، فما أكثر القائلين فى كل يوم، بل فى كل ساعة، يا رب ما تحوجنى لحد، ولا لولدى فلذة كبدى، وعند النساء شوطة كشوطة الفراخ، تقول الحاجة: إلهى ما يحوجك لحد يا اختى، ولا لابن بطنك، آآآه أمال إيه! وترد الحاجة الأخرى، آ والنبى، ولا يحوجك يا حبيبتى، شوطة، كيف هذا؟ هل يصح أن يقول عبد فى دعائه: اللهم زوجنى أمى؟ هذا مثله تماما، دعاء لا يصح؛ لأن الله كما قال ابن عباس خلق الناس يحتاج بعضهم إلى بعض كما تحتاج أعضاء الجسد الواحد بعضها إلى بعضها إلى بعض، فأنت تمرض، وتكون فى حاجة إلى طبيب، وصيدلى، وممرضة، ومهم معهما أن يكون لك قلب من أهلك يرفق بك، وتقرأ فى وجهه آيات الرجاء فى شفائك، وأنت تجوع، ولكى تأكل لقمة أنت فى حاجة إلى عشرات الناس من أول الفلاح الذى زرع، إلى البائع الذى باع الخبز الذى صنعه أهل الأفران، بل إنك ميت، وتحتاج إلى من يغسلك، ويكفنك، ويصلى عليك، ويوارى جسدك التراب، فكيف تسأل الله ألا يحوجك إلى الناس، فالصحيح من هذا الدعاء أن يكفيك الله شرار الناس الذين إذا مرضت اتخذوك زبونا حتى يعالجوك، فتنتقل من مرض البدن إن انتقلت إلى مرض العوز والحاجة، وإذا جعت لم يطعموك، أو أطعموك المغشوش، وإذا مت لم تجد من يحسن تغسيلك ولا تكفينك، ومن يدعو لك، ولو دعا لك لما استجيب له، لأنه من أهل الشر لا الخير، فإن قال قائل فى أى مكان: اللهم اكفنى شرار الناس، وشاركك الله فى دعائه فكأنك الذى قال: اللهم اكفنى شرار الناس، أى يستجيب الله له، بالأصالة، ويستجيب لك بالتبعية، أى بالمشاركة، وقد يسأل سائل ما فيه إسعادك فى الدارين كالذين يقولون ما نص عليه القرآن فى سورة البقرة: «ومنهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» بينما أنت مشغول بزواج صبيتك من شاب لقطة، ونجاح ولدك فى دراسة، وشفاء الحاجة كى تخدمك، أى أنك مشغول بحسنة الدنيا، فإن أشركك الله فى دعاء هؤلاء الذين لهم من دعائهم نصيب، كما وعد ربنا فى كتابه، فقد حقق لك حسنة الدارين، أى حقق لك ما تريد من حسنة الدنيا، ومما غاب عنك من حسنة الآخرة.
فما بالنا بالله!
الإثنين:
كنا على عهدنا نلتقى على شاطئ الترعة من غير موعد ضربناه، كانت تلك طبيعتنا قبل أن تزول الترعة ويقطع من على ضفافها الصفصاف، وأقبل نحونا شاب، وسلم، وأخرج شيئا من سيالته (جيبه) وقال: تفضل يا ابه محروس، فقال محروس المغربى رحمه الله لهذا الشاب:
ما هذا؟
قال الشاب: كذا، الذى أوصيتنى أن آتيك به، فتنفس محروس الصعداء، وقال يااااااه، ولسه فاكر، والله يا ابنى أنا نسيت، فرح بذلك فرحا كبيرا بلغة حديث البخارى الذى رواه أنس بن مالك رضى الله عنه لم يفرح مثله، إن الشاب لم يتأخر عن تحقيق طلب طلب منه بإرادته، وإنما كان يعمل بالقاهرة، ولا يزور القرية إلا لماما، فنسى محروس المغربى الطلب الذى طلب منه، لكن لما لم ينس الشاب، وأحضره له فرح، وأى فرح فرحه! وظل يذكر ذلك فى كل ملتقى له بالناس لا يسأم من ذكره، وكان يقول: فلان ابن فلان، طلبت منه كذا، وأتانى به بعد سنة كاملة، الواد لم ينس، الله يذكره بخيره وكرمه، ويجبر خاطره، وإذا كان هذا قد تأتى نتيجة موقف، وشيء لا يعد عظيما فى قيمته، فما بالنا بالله عز وجل الذى يحقق العجائب، متى قال عبد: إنى نسيت ما دعوت به الله عز وجل، لكن الله ربى لم ينس، وما كان ربى نسيا، فقد حققه لى الآن لحكمة يعلمها سبحانه، ولو أنه تفكر فى هذا لقال: لو أجاب الله دعائى أول ما سألته لضاع على يد فلان الظالم، أو لأسرفت فيه لقلة عقلى وخبرتى عندها، أما الآن فقد مات الظالم، وبلغت رشدى؛ فالحمد لله.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة