نادم أنا علي كل حرف قرأته لهؤلاء منذ أن كنت طفلا عاشقا للصحافة يلتهم كل حرف تخطه أيديهم، حزين أنا علي كل وقت فرغته وأنا في بداية مشواري في بلاط صاحبة الجلالة أجري لأستمع لما يقولون سواء في الإذاعة أو التليفزيون أو في ندواتهم الانتخابية في النقابة فحفظت عباراتهم ومقالاتهم عن الصحافة والحرية وكنت أرددها ليل نهار مستعينا بها كلما أردت مغازلة معشوقتي الصحافة وكأنها أبيات شعر لنزار حفظها مراهق ليغازل بها من شغلت عقله وقلبه ، تابعت جدول أعمالهم وتنقلت وراءهم من ندوة إلي ندوة ومن مؤتمر إلي آخر واتخذت من صورهم براويز تزين حوائط حجرتي.
حفظت مقالاتهم ودرستها وكأنها منهج مقرر مكرر يعقبه امتحان لن تجتازه إذا لم تكن حافظا لكل حرف كتبوه فإذا بهم وهم في خاتمة مشوارهم الصحفي يخرجون لي ألسنتهم قائلين: لقد ضحكنا عليك وخدعناك أيها الصعيدي الساذج الذي بهرته كلماتنا فصدقها، الحكاية كانت أكل عيش وكل مرحلة ولها كلامها، ونحن رجال كل مرحلة، وكتاب كل سلطة، وماقلناه عن الصحافة والحرية ليس نصوصا قرآنية أيها العبيط بل نصوص مرنة تحتمل التأويل والتأجيل وبل والشطب إذا لزم الأمر، المهم أن تكون ذكيا في اختيار العبارات التي تناسب المرحلة، وإذا سألك احد عن سر هذا التغيير الكبير في موقفك فقل له عبارات رنانة لن يجادلك بعدها أبدا مثل: مصلحة الوطن أهم وطوبي لمن وأد الفتنة في مهدها، نحن الصحفيين الشرفاء الذي يتم استدعاؤنا لو استشعر الوطن أن هناك أزمة لابد من حصارها،هل ترانا أقل وطنية من المواطنين الشرفاء الذين يتطوعون لحماية الوطن والهجوم علي كل من تسول له نفسه أن يقول كلمة ضد أفكار ومعتقدات من استأجروهم فيحاصرونه في عقر داره تحت سمع وبصر أجهزة الدولة ومؤسساتها؟ألم نكن نحن الأولي بأن نقوم بهذا الدور، ألسنا نحن أولي بالأجر؟.
فتش وراء هؤلاء الكتاب والصحفيين الذين يدعون أنهم يصححون للصحافة مسارها فستجد أغلبهم إما مطرودا من النقابة يحلم بالعودة بدلا من أن يعتزل الصحافة وينزوي جانبا ليحافظ علي تاريخه باحثا عن حسن خاتمة، أو عبده مشتاق كان عضوا سابقا ثم فشل في أن يكون نقيبا فلم يعتب سلم النقابة منذ تاريخ سقوطه، أو أمنجي بدرجة مخبر وما أكثرهم بيننا وهم يتنافسون في تقديم فروض الولاء والطاعة لأولياء أمورهم لدرجة أن يستأجروا بعض الشامتين والشاتمين في الصحافة ليظهروا أننا نعمل في مهنة لم تعد مرغوبة من المجتمع، ومنهم كذلك من يريد امساك العصا من منتصفها طمعا في مناصب بدأت تلوح في الأفق أو علي الأقل ليستفيد من أي وضع تصل إليه الأمور!
خلاصة القصة أنه من الواضح أن اجتماع الأربعاء 4 مايو أو الجمعية العمومية التاريخية التي شهدتها نقابة الصحفيين حيث لا يهم هنا المسمي قد أزعج الكثيرين ليس فقط من خارج الصحفيين بل من داخلها وهؤلاء هم الخطر الحقيقي علي المهنة، فالصحافة وعلي مر تاريخها كانت وستظل في صراع مع الأنظمة للحصول علي حرية التعبير وكانت النقابة تتحد وتتوحد علي اختلاف انتماءات أعضائها ورموزها إذا كان هناك خطر يداهم يهددها فكانت تخرج من معاركها منتصرة مرفوعة الرأس ، المشكلة في هذه المرة أن البعض نجح في تحويل القضية إلي خناقة بين الصحفيين وبعضهم وهو يقف يتفرج فرحا مسرورا لأن الطرف الآخر من الخناقة ليسوا صحفيين عاديين بل أمنجية من كتبة التقارير المحرضين ضد زملائهم وضد المهنة.
اللهم احمِ الصحافة من مخبريها أما أعداؤها فهي كفيلة بهم وأرنا ياربنا الحق حقا وثبتنا عليه وارزقنا يارحمن حسن الخاتمة الصحفية!