غادة زين العابدين
غادة زين العابدين


عاجل جدا

الحياة عن بعد

غادة زين العابدين

الخميس، 20 أغسطس 2020 - 05:07 م

العمل عن بعد، التعليم عن بعد، الرعاية الصحية عن بعد، التواصل الاجتماعى عن بعد، الحياة كلها أصبحت عن بعد.
هذا هو الواقع الذى فرضته علينا أزمة كورونا، لكنه كما يبدو، لن يكون واقعا مؤقتا، بل سيكون بداية تحول جديد، لمرحلة ما بعد «كورونا».
ورغم الدراسات العميقة والتحليلات المستفيضة لمزايا الحياة عن بعد، وخاصة فى زمن تفشى الوباء، الا أننى أرى أن هذه المزايا يقابلها سلبيات خطيرة ستظهر آثارها تدريجيا بعد انتهاء الوباء.
صحيح أن ممارسة أنشطة الحياة عن بعد، يوفر الوقت، والجهد البدنى، وتكاليف الانتقال، ويقلل التلوث ويخفف الزحام، ويحمى من العدوى، الا ان كل اشكال الحياة عن بعد تفتقد الجانب الإنسانى، الذى يعتمد على التواصل المباشر بين البشر.
ففى حالة العمل عن بعد، تغيب روح التنافس، التى تدفع الموظف للإبداع والتطوير، وتعانى المؤسسات من صعوبة التقييم اليومى للموظفين وأدائهم، وتعانى أيضا من صعوبة مراقبة الادارة لشخصية الموظف وادائه وسلوكه ومهاراته الشخصية.
كما أن وجود الموظفين فى مقر العمل يساعد على التعلم، واكتساب الخبرة من الآخرين، بينما العمل عن بعد يحتاج مجهودا ضخما للتعلم والتطوير الذاتى، لتعويض غياب التفاعل والتعلم من الأجيال السابقة.
أما فى مجال التعليم عن بعد، فيؤدى غياب العامل الإنسانى إلى غياب روح الحوار والنقاش والقدرة على التعبير، وضعف التواصل المباشر بين التلميذ والأستاذ، والذى يعد اهم عناصر العملية التعليمية الناجحة. ومن السلبيات أيضا انخفاض التفاعل بين الطلاب بعضهم البعض، وفقدان الجو العام للمحاضرات، وانتشار أشكال الغش لتغير شكل الامتحانات وضعف المراقبة.
يقولون إن العمل عن بعد يعطى الفرصة والوقت للبقاء فى المنزل والاهتمام بالأسرة،لكنى أرى أن طبيعة العمل من المنزل تجعل الفصل بين الحياة الشخصية والعمل أمرا صعبا، نتيجة ممارسة العمل داخل المنزل وسط الأسرة والزوج والأطفال، مع صعوبة تحديد اوقات العمل، واوقات الراحة، وهو ما يسبب التوتر النفسى، والاجهاد العصبى والبدنى، وقد يؤدى لمشاكل أسرية أيضا، خاصة إذا كان الموظف، «زوجة وأما».
السلبيات كثيرة، لكن الواقع أن التجربة اثارت اعجاب كثير من المؤسسات فى معظم الدول، ولم تخف هذه المؤسسات رغبتها فى استمرار التجربة بعد انتهاء الوباء. خاصة أن عمل الموظف من المنزل يمنح الفرصة للمؤسسة للتحلل من كثير من مسئولياتها تجاه موظفيها كالترقيات والحوافز والتأمين وغيرها.
أتمنى ألا نتسرع بالتوسع فى منظومة «الحياة عن بعد»، حتى لا نفقد آخر ما تبقى لنا من مقومات النجاح والابداع، «الروح».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة