هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

إثيوبيا وسد النهضة وسياسة الهروب إلى الأمام

هالة العيسوي

الخميس، 20 أغسطس 2020 - 05:15 م

يتعجب الكثيرون من التشدد الإثيوبى فى مسألة سد النهضة، ومن المراوغات المتعددة فى المفاوضات، وعدم رغبة أديس أبابا فى الالتزام بأية اتفاقات سابقة، أو التعهد بالتزامات لاحقة. مثار العجب أن يتزايد كل هذا التشدد والمراوغة فى حين يعانى نظام الحكم الإثيوبى من مشكلات داخلية عديدة بكل انعكاسات التعقيدات الإثنية والطائفية. وفى وقت تواجه رئيس الوزراء آبى أحمد معارضة واسعة تهدد استقرارحكمه حتى من داخل عرقيته التى ينتمى إليها وهى عرقية الأورومو. ويزداد العجب مع اقتراب منابع تمويل السد من الجفاف نتيجة تراجع بعض الممولين الدوليين، والأهم من كل هذا، وسط كل ما يتردد من أنباء موثوقة عن مشكلات وأخطاء فنية تهدد سلامة السد.
بعض الحالمين راهنوا على انفراج أزمة سد النهضة بعد تولى آبى أحمد السلطة، وتفاءلوا من تولى رئيس وزراء مسلم رئاسة الحكومة فى إثيوبيا ظنًا منهم أن المسألة العقائدية قد تلعب دورًا فى تخفيف الاحتقان، وتناسوا أنه لا الخليط العقائدى فى إثيوبيا، ولا الانتماء الدينى يمكن أن يؤسسا لعلاقات سياسية متوازنة، فآبى نفسه ينتمى لأب مسلم وأم مسيحية، كما أن أحد مظاهر تردى العلاقات مع إثيوبيا بدأ مع استقلال الكينسة الإثيوبية عن كنيسة الإسكندرية الأم فى عهد البابا كيرلس وبات هذا الانفصال أحد جوانب المماحكات الإثيوبية مع مصر.
ولأن آبى أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام يعانى الآن من أزمة داخلية، يصير مفهومًا ترويجه لمشروع سد النهضة على أنه المشروع القومى الذى يحقق نهضة البلاد، كى يتوفر لهذا المشروع الالتفاف الشعبى الذى يلفت نظر الجماهير، ويلهيهم عن أخطاء الداخل وإخفاقاته، ويعلو على التناقضات الملتهبة فى الشارع. من هنا يصبح من المتوقع أن يزداد تشدده نحو مصر ومطالبها المشروعة، وأن يروج لأكاذيب تلهب الصراع وتشحن نفوس الإثيوبيين ضد مصر، لكى يبدو أمام شعبه فى صورة الحاكم الوطنى الذى يدافع عن مصالح بلاده، ولا يفرط فيها.
إنها صناعة العدو وخلق الفزاعة. أو ما يمكن أن نطلق عليها سياسة الهروب إلى الأمام. ذات السياسة المعروفة التى ينتهجها أصدقاؤه فى إسرائيل، كلما واجهتهم أزمة داخلية توجهوا إلى الخارج، وقاموا بمغامرة عسكرية وشنوا هجماتهم على لبنان أو غزة أو سوريا. المراقب لأحوال الدولة العبرية يدرك أن كل المأزومين فى الداخل متهمون غالبًا فى قضايا فساد وبعضهم تمت إدانته بدءًا من أريئيل شارون، مرورًا بإيهود أولمرت، وانتهاء ببنيامين نتانياهو.
وعلى الراغب فى استشراف مستقبل العلاقات مع إثيوبيا، وما يمكن أن تسفر عنه تطورات تلك العلاقة أن يبحث عميقًا بمنهجين: منهج دراسة الداخل وما يعتمل فيه من تفاعلات سياسية، ومنهج التنبؤ بالأزمات ليكون على بينة بالخطوات القادمة التى يمكن أن تخطوها إثيوبيا، بمفهوم أبسط عليه أن يضع نفسه مكان الطرف الآخر وأن يفكر بأسلوبه ليسبر أغوار دهاليز المكايدات المحتملة التى يمكن أن تواجه المفاوض المصري، ويضع لها الخطة المناسبة فى الوقت الصحيح.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة