كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر


إنهــا مصـــــــر

كرم جبر يكتب| يوليو ويونيو وبينهما ماسبيرو

كرم جبر

الجمعة، 21 أغسطس 2020 - 05:38 م

ماسبيرو هو المبنى العريق الرابض على أجمل بقاع النيل، والشاهد الأمين على الأحداث التى مرت بالبلاد على مدى 60 عاماً، منذ أن افتتحه الزعيم جمال عبدالناصر فى 21 يوليو 1960، فأصبح صوت مصر الحر المعبر عنها فى الانتصارات والانكسارات، والأفراح والملمات.

ماسبيرو لا يعرف الشيخوخة، وكل ركن فيه ينبض بالشباب والحيوية والذكريات الرائعة فى أعيادنا القومية، وانطلقت من مبناه أكثر من 1200 أغنية وطنية، عمّقت فى الوجدان المصرى والعربى أساطير الحماس والمحبة والخلود.

واحتضن المبنى يوم الأربعاء الماضى مؤتمر إعلان نتائج انتخابات مجلس الشيوخ، واسترد حقه فى أن يكون المتحدث الرسمى فى كل القضايا القومية، فقدم صورة رائعة من الإتقان والإبهار، لدرجة أن من شاهدوا المؤتمر دون أن يعلموا أنه ماسبيرو، تساءلوا: هو المكان العظيم ده فين؟
وتتكامل الحلقات لتقودنا إلى قضية مهمة حول الإعلام والقضايا الوطنية، وكيف يكون الإعلام المصرى سندا للدولة المصرية وفى ظهرها؟
ماسبيرو أحد أركان التفرد منذ نشأته، وسلاح فعال لثورة يوليو المجيدة، التى وصل ذكاء قائدها جمال عبدالناصر، إلى التصالح مع موروث المخزون الاستراتيجى للأمة، من الكتاب والأدباء والسياسيين والفنانين والعظماء.

لم يعاقب عبدالوهاب وأم كلثوم لأنهما غنيا للملك فاروق، ولم يستبعد أحمد شوقى شاعر الملك، وزين ثورته برجال مصر العظام، لإيمانه بأنهم ملك لمصر وليس لنظام أو حاكم.

ونجح عبدالناصر لأنه حافظ على القوة الناعمة للأمة، والمخزون السياسى والثقافى الذى تشكل منذ ثورة 1919، ولو لم يفعل ناصر ذلك لتحولت الثورة إلى ساحة جرداء لا تنبت إلا الأشواك.

الشيء بالشيء يذكر، فكان الإقصاء والإبعاد وتصفية الحسابات بمثابة المسامير فى نعش الإخوان، الذين لم يطق الشعب استمرارهم، لأن جسد مصر لا يصح إلا بالتناغم والسلام والتعايش والتواصل والحوار.

وكان ماسبيرو صوت مصر الحر، الناقل لنهضتها وثورتها وثقافتها وفنونها لكل الدنيا، حتى فى لحظات الانكسار التى تزامنت مع نكسة 67، انطلقت من ماسبيرو صرخة ام كلثوم «ابق فأنت حبيب الشعب»،لإثناء عبدالناصر عن استقالته، وقاد حملة «استعادة الأمل»، والدعوة إلى الوقوف من جديد.

وتعانقت ثورة يوليو المجيدة مع شقيقتها الصغرى ثورة 30 يونيو، الأولى حررت مصر من الاستعمار، والثانية خلصت البلاد ممن هم أسوأ من الاستعمار.

الاستعمار جاء ويعرف أنه سيرحل، وجماعة الشر قررت أن تبقى نصف قرن، وياريت بالديمقراطية التى جاءت بها، ولكن بالشرعية الزائفة، التى حاولت اختزال الوطن فى الجماعة، وإذابة الكيان والأرض والعلم والنشيد، فى أوهام الخلافة الكئيبة.

وتسلحت يونيو العظيمة بروح الثورة الأم، فى مزاياها وليس عيوبها، وفى قوتها وليس ضعفها، وفى احتوائها للجميع دون إقصاء أو إبعاد، وتعانقت الثورتان على ثرى مصر الطيب.

نظرة على المستقبل، وليس أمام هذا الوطن إلا أن يستمر فى البناء بشقيه السياسى والاقتصادى، وأن يواصل السير فى اعلاء شأن الإنسان، فالبطون لا يشبعها الكلام، والعقول تحتاج الفكر بجانب الطعام.

علينا فقط أن نستدعى الأيام الحلوة والمرة من ذاكرة النسيان، حتى نتأكد اننا فى وطن عظيم، أن مجموع الماضى والحاضر يمهدان الطريق للمستقبل.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة