إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

القومية والإسلامية ومصر للمصريين

إبراهيم عبدالمجيد

السبت، 22 أغسطس 2020 - 07:38 م

كثيرون فى زمن الميديا والأخبار الطائرة، يفهمون شعار مصر للمصريين الذى شهدته البلاد منذ عهد اسماعيل بأنها بلد للمصريين فقط لا مكان لعربى أو أجنبى فيها. الشعار فى الحقيقة تم رفعه فى مواجهة الاحتلال البريطانى الذى مثل أى احتلال، مهما رفع من شعارات عن التقدم والتحديث، فالغرض منه نهب ثروات البلاد. والذى يقرأ صحف تلك المرحلة والكتب التاريخية عنها يكتشف أن مصر لم تعرف زمنا وفد إليها الأجانب فيه مثل ذلك الزمن وحتى عام 1952. الوافدون الأجانب من كل الدنيا كثير منهم جاء هربا من اضطهاد العثمانيين فى الشام وأرمينا، وهربا من الاستبداد والاستعمار الفرنسى فى الشام، والإنجليزى فى العراق، كما وفد اليهود المضطهدون من أوربا، ووفد اليونانيون والإيطاليون والأكراد والقبارصة وغيرهم. طبعا غير الفرنسيين الذين توافدوا مع محمد على وبعد الحملة الفرنسية، والانجليز الذين توافدوا بعد الاحتلال. وكلهم ساهموا فى النهضة المصرية. تاريخ طويل لمساهماتهم وحديث لصفحات عن نشأة الصحافة بهم والمسرح والسينما والمجلات الأدبية وكثير من الصناعات وغيرها. يكفى للمتسرع ان يشاهد فيلما قديما منذ أيام الأربعينيات وينظر فى اسماء المشاركين من الإخراج إلى التصوير إلى التمثيل إلخ ليجد اسماء من كل الجاليات. الأمر نفسه فى الصناعة والاستيراد والتصدير والزراعة. كانت مصر ذلك الوقت أم الدنيا حقيقة ملاذا لكل مضطهد أو صاحب مشروع فى أى مجال وكانت بها المجلات باللغات الأجنبية أكثر من المجلات العربية فى بعض الأحيان والكل يعيش فى سلام. كانوا يحصلون على الجنسية المصرية بعد ما يقدمون اسهاماتهم العظيمة فى الحياة. بعد عام 1952 رفع شعار القومية العربية وتم التخلص من هؤلاء شيئا فشيئا وشمل التأميم مثلا مصانع الجاليات العربية كما الأجنبية بينما الشعارالقومية العربية. الذى جرى هو انتهاء التعدد الفكرى والثقافى والحضارى، وصارت مصر كلها على قلب رجل واحد هو الزعيم وفكر الزعيم وانتهى التعدد الثقافى وانتهت التجربة الليبرالية التى مهما شابها من أخطاء وتدخلات كانت تمضى إلى الأمام. عشنا حروبا فاشلة فى اليمن وفى عام 1967 وصارت بلدنا محتلة فى سيناء. وحين حررنا سيناء بالحرب فى عام 1973 وبداية الحديث عن السلام نقلها الزعيم الجديد إلى شعار الإسلامية ليتخلص من المعارضة اليسارية والناصرية ورفع شعار الرئيس المؤمن وفتح الباب للسلفية المتشددة والوهابية والإخوان المسلمين. وهكذا لم نعد مفتوحين على العالم ولم نعد مصريين. أصبحنا بدواً قدماء من الجزيرة العربية. والسؤال هل كانت تجربة مصر للمصريين بعيدة جدا فى التاريخ حتى لا ندرك معناها ـ وهو بلد ـ تنهض وتتطلع بوجهها إلى البحرالمتوسط تأخذ منه العمارة والحدائق والجامعات والتعليم وغيره وترسل إلى دوله البعثات تعود بالفكر المستنير وتفتح قلبها لكل غريب يساهم فى النهضة. هل كنا فى ذلك الوقت ضد العرب مثلا ؟ طبعا لم نكن وقدمنا لدولهم كل مساعدات ممكنة بل دخلنا حرب فلسطين عام 1948. هل من سبيل للنظر إلى الخلف وهو ليس بعيدا بالمناسبة، لنعرف كيف كانت النهضة لمصر من كل الجاليات ولم يكن أساسها كم يدفع من المال لكن ماذا يفعل، فلم نسمع أن فريد الأطرش أو أنور وجدى أو شبلى شميل أو آلاف الأسماء دفعوا مقابل الجنسية غير العمل النهضوى. فكرة القومية بالمناسبة ظهرت فى أوربا فى مواجهة الاحتلال العثمانى لكن بعد الاستقلال لم تتحد أوربا. اتحدت بعد أكثر من مائة وخمسين سنة بشكل آخر هو الاتحاد الأوربى لم ينف هوية أى دولة. وكانت فكرة الإسلامية وبالا أكثر. الأولى طردنا بها العرب كما الأجانب وانهينا بها الحياة الليبرالية والتنوع الثقافى وبالثانية صرنا عرب الجاهلية فى الوقت الذى تخلص عرب الجزيرة منها. وبعد أن كنا مركز إشعاع حضارى صرنا نختلف حول الكلب هل هو نجس أم لا وتشتعل المعركة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة