حين يمر الإنسان بمحنة في حياته، يشعر أن العالم توقف من حوله، ويبدأ في إلقاء اللوم علي الظروف والآخرين، ويتصور بعض الذين لا يشعرون بالسعادة والرضا عن حياتهم، أن كل شيء سيتغير بمجرد قيامهم برحلة، أو حصولهم علي إجازة، لكن الحقيقة التي يجب أن يدركوها أن حياتهم الحقيقية ستظل ملازمة لهم، لأنهم ببساطة يحملونها معهم أينما ذهبوا، حتي وإن نجحوا في ارتداء الأقنعة ليخفوا ما بداخلهم من حزن وتعاسة وخوف واكتئاب!
لذا حين أرادت «ماري جوفاي» مؤلفة كتاب «التفكير خارج الصندوق» أن تهرب من طوق الضغط النفسي الملتف حول عنقها، لم تكتف بقضاء إجازة أسبوعاً للاستجمام في جزيرة بالمكسيك، لكنها عادت وحزمت حقائبها، وقررت الانتقال للعيش هناك لمدة 6 شهور، حتي تتعافي وتعيد اكتشاف ذاتها، وتسترد طاقتها ونشاطها وحبها للحياة والتطلع للفرص التي تخبئها لها.
ولم يمر الكثير حتي بدأت تشعر بالراحة والاسترخاء والأمان وكأنها ولدت من جديد ، وخلال تلك الرحلة تعلمت الكثير، وبدأت تنظر للحياة من منظور آخر، وتتخلي عن معتقداتها السابقة ، وتستمع لصوتها الداخلي الذي ظل حبيس الصندوق لوقت طويل، وأدركت أن الخالق لا يحمل الإنسان إلا ما في وسعه القيام به ، وأن كل إنسان له مهمة في الحياة ينبغي أن يبحث عنها ، وعليها أن تخرج من الطاحونة التي تعتصرها ، وتبدأ بعمل مختلف يحدث تغييرا جذريا في حياتها ، لكي تحصل علي حياة مختلفة ، وتذكرت قصة القائد طارق بن زياد الذي أحرق السفن ، ليجبر جنوده علي اتخاذ قرار بعدم العودة للخلف !
تعرفت «ماري جوفاي» علي الصناديق التي كانت تحاصرها سنوات طويلة، واكتشفت عشقها للكتابة، وعرفت أن مهمتها في الحياة تعليم الآخرين كيفية الخروج من الصناديق التي يحبسون أنفسهم بداخلها، وأهمية العيش خارجها، ومنحهم الأدوات التي تساعدهم علي اكتشاف قوتهم الداخلية، ورؤية الفرص التي تنتظرهم ، فعن طريق الخروج من الصندوق، يستطيع الناس التعامل بصدق مع أنفسهم ويحبونها ، مما يساعدهم علي التمتع بالنضج العاطفي ، ويمنحهم القدرة علي تبادل الحب مع من حولهم ، والعثور علي ما يعشقونه في الحياة ، وألا تقتصر حياتهم علي الظلام والملل والرتابة !
وأدركت «ماري» أن الحياة لا تعني الوظيفة والبيت والسيارة والأثاث والأصدقاء، وإنما أن نكون صادقين مع أنفسنا ونعمل ما نراه مناسبا، وأن نعتني بذاتنا قبل أن نولي عناية بالآخرين، فإذا لم نعتنِ بأنفسنا ونحبها أولا، فلا يمكن أن نحب الآخرين بصدق ونعتني بهم ؟! وإذا لم نحب أنفسنا ونتقبلها كما هي، كيف يمكننا تقبل من نحبهم -كما هم -دون إصدار أحكام أو وضع شروط؟! وتدلل علي ذلك في سطور الكتاب من خلال تعليمات طاقم الضيافة للركاب علي خطوط الطيران، بأن يضعوا جهاز التنفس الخاص بهم أولا في حالة الطوارئ، ثم مساعدة طفلهم علي وضع جهازه، لأنهم يدركون أنه إذا توفيت الأم بسبب نقص الأوكسجين، فمن المؤكد أنها ستعجز عن مساعدة طفلها.
ولكن عليك أولا أن تخوض العديد من المعارك مع «الخوف» حتي تحب نفسك، لأنك في البداية قد تخشي ظن الناس فيك، واعتبارك شخصاً مغروراً وأنانياً، لذا عليك أن تعلم الفرق بين حب الذات بطريقة معتدلة، وحب الذات المبالغ فيه، فهناك عدد من النجوم يتعدي حبهم لأنفسهم الحد الطبيعي، وإنما هل حقا يشعر هؤلاء بالحب تجاه أنفسهم، أم أنهم يبالغون في هذا الحب لتعويض عدم شعورهم بالأمان ؟! وهل ممارستهم تلك السلوكيات تمنحهم الشعور بالقوة والفخر، أم تخفي مخاوفهم ومشاكلهم الحقيقية وراء قناع من توهم العظمة؟!
وتري الكاتبة أنه من المهم تحديد الصناديق الموجودة بداخلك وتؤثر علي حياتك، كالخوف وذكريات الماضي والكمال، وإدمان العمل والفراغ، والاكتئاب والإنكار، والشعور بالذنب أو الظلم، ومعرفة ما إذا كانت تعمل ضدك أم لمصلحتك ؟! فمعظم الصناديق يكون الغرض منها جيدا في البداية، بل إن بعضها مهمة في حياة الناس ويجب المحافظة عليها، فلو لم نشعر بالخوف، لكنا عرضة لخطر الإصابة أو الموت، فمن لا يخاف قد يقوم بأفعال متهورة تهدد حياته، لكن المهم ألا يزيد تضخم الصندوق، ويحجب رؤيتنا ويبتلعنا!
إن الأحلام ليست مستحيلة، لكن المؤكد أنها لن تتحقق إذا ظلت محصورة في صندوق الخوف !!
وللحديث بقية