تبدو الازدواجية الفكرية فيما نمارسه ونتغاضي عنه، نزدري العلم ونقبل علي العلاجات الحديثة ونقتني السيارات الحديثة ونركب الطائرة ولا نعجب بالفكر الجديد صانع ما نحن فيه.. ونفرغ طاقاتنا في استعادة الماضي وأوهام البطولة وندعي ما ليس فيه، كأن الماضي منقذ الدنيا والدين ، ونري استسلامنا وتصاغرنا صبرا علي مفاسد الدنيا.. ونتصور العالم حجرة صغيرة تتسع لأوهامنا وحلم التوسع والتمدد علي خريطة العالم لنجلب الحالم القديم ونتعامل مع أحلامنا في المستقبل بأوهام الماضي الميت، ونسقط من حساباتنا معطيات الحاضر، كأننا ودعنا قدرات العقل وأفرغناه من محتواه الحقيقي وما بثه الله فيه من قدرة للتعامل مع الحياة.
أسوأ ما تصاب به الشعوب هو الإفلاس الفكري.. والإفلاس الفكري هو إفراغ العقل من عمله في إنتاج الفكر المتجدد لمواجهة تحديات الحياة بعيدا عن أوهام الماضي.. لأن شواهد الحياة تؤكد الماضي لا يعود.. وبتعطل الفكر وهو وسيلتنا الوحيدة لفهم العالم والتعامل مع متغيراته تصبح ثقافتنا ثقافة نقل لا ثقافة عقل وشتان بين الثقافتين ثقافة النقل التي لا تري غير الماضي وتحاول استعادته بكل غبائه.. وتنسي قانون الحياة الأزلي «الماضي لا يعود» ولا تري خيرا في المستقبل.. وتتوهم أن الحياة لن تتقدم إلا باستعادة الماضي..!
وفي الإفلاس العقلي نحفظ كل ما آل إلينا من الماضي ونسبغ قدسية عليه ويهزم العقل بالقاضية.. ولا نفهم لغة الحاضر ولا نقدر سوي علي النقل.. ونصبح كمن يلبس ملابس الشتاء في الصيف وملابس الصيف في الشتاء.. ونتعامل مع الحاضر ونستوعب إمكاناته عبر العقل الأجنبي ولا نعترف بالخيبة التي ألمت بنا وصاحبتنا وجعلتنا نتوهم أنه لا يوجد خير سوي في الماضي ونتشبث به تشبث الغريق بقشة وهو إفلاس فكري..!