شوارع وسط البلد بكل صخبها وفوضويتها، السيارات التي لا تكاد تتحرك، الناس وقد بلغت الأعصاب الحناجر، بنايات وسط البلد بروعة عماراتها وقد أخفت الأتربة بهاءها، وزحام يقتل الأحلام، لكن الحياة تستمر.
عم شوقي عجوز مصاب بورم خبيث، نهش المرض جسده، يقاوم بأمل يسكن الروح المصرية، يسعي للقاء طبيب ألماني زائر، ابنه الوحيد المشغول بعمله عن أبيه، يقوم بالحجز للأب، يضع الأشعات والتحاليل في شنطة بلاستيك مع زجاجة مياه من تلك التي اعتدنا كمصريين اعادة تعبئتها وتبريدها، يتفق الابن مع سائق تاكسي ليقل أباه الي الطبيب، وسرعان ماتنقلنا الكاميرا الي شوارع وسط البلد.
تفاصيل صغيرة تكشف عن عيون ثاقبة، ومحبة، وفي الشارع يلتقي الأضداد، الرجل الذي يستعد للموت، وعروس شابة تبدأ حياتها يوم زفافها ، يجمعهما التاكسي الذي استقلته معه، ثم تتسارع وتيرة الفيلم وتتابع اللقطات مكبرة وأخري مقربة لهذا اللقاء محور العمل الروائي القصير «حار جاف صيفا» للمخرج الشاب القادم بقوة شريف بنداري، وبسيناريو يلتقط التفاصيل ببراعة لنورا الشيخ ومونتاج متلاحق لعماد ماهر، وكاميرا مدير تصوير بارع فيكتور كيردي.
في زحمة انشغالها بتفاصيل يومها وتأخر عريسها، تحمل العروس بالخطأ مع مستلزمات فرحها الكيس البلاستيك الذي يخص شوقي، ليبدأ رحلته الأصعب في البحث عنه وعنها، ويلاحقها من الخياطة للكوافير للمصور، حتي يلتقيها، فتجد فيه ضالتها ليحدث العريس باعتباره والد صديقتها، ويبدو رغم مرضه قادرا علي حل أزماتها.
في لقطة بارعة تحمل رسالة الفيلم يذهب معها الي الاستديو، ويتأخر العريس الذي ذهب لاحضار أسرته ويطلب منها تليفونيا الغاء التصوير، تصر هي عليه، ويقنع المصور عم شوقي أن يحل محل العريس، يقف ليتأبط ذراع العروس، يطلب منه أن يقترب منها أكثر، وعن طريق الفوتوشوب سيضع صورة العريس لاحقا مكانه، ويحقق للعروس أمنيتها، وفي عيادة الطبيب يندهش الخبير الألماني من بقائه علي قيد الحياة يقول بالإنجليزية ان أمامه شهورا قليلة، لا يفهم الرجل مايقوله وينشغل باخفاء ملابسه الداخلية التي وقعت منه ويضعها في كيس الأشعة.
وفي لقطة أكثر براعة، ينتهي الفيلم بمشهد يوحي بالأمل وقد مضي عام وأكثر، وأصبحت العروس وتجسدها بسلاسه وعذوبة «ناهد السباعي» أما لطفل وحامل في الثاني، وعم شوقي أو الفنان الكبيرمحمد فريد الذي يذوب في الشخصية شكلا وروحا، في شرفة منزله يتناول الآيس كريم باستمتاع، وصورة زفافه الوهمية مع عروس الصدفة معلقة علي الحائط، توحي بأمل بعث فيه الروح، وصوت عبد الوهاب ينساب «لا مش انا اللي أبكي والا انا اللي ابكي لو جار علي هواك».
هل يتصور أحد أن هذا الفيلم المصري «القح»، ظل يحمل الجنسية الألمانية بعد أن ساهمت في انتاجه مؤسسة «فريدريش ايبرت»، وبعد أن داخ مخرجه الواعد في الحصول علي تمويل من وزارة الثقافة ومنتجي السينما، لولا حماس المنتج صفي الدين محمود الذي أعاد له الجنسية المصرية، ليمثلنا في مهرجان دبي ويقتنص جائزتين من مهرجان الإسماعيلية.
هذا الفيلم سيأخذ طريقه الي دور العرض خلال أيام، في وقت لا تزال الأفلام الروائية القصيرة لا تجد تشجيعا يلائم طموحات وجرأة أفكارها، رغم حيويتها وقدرتها علي الدفع بالمواهب الحقيقية، وبالفعل يحتاج الي دعم الجمهور لأنه من العبث أن تغيب السينما الواعية الممتعة الجيدة تحت وطأة الإنتاج التجاري.