كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

راهب الليل !

كرم جبر

الثلاثاء، 01 سبتمبر 2020 - 07:19 م

لم يأخذ حقه لكنى أعتبره أحد الزعماء العظام الذين يتربعون على عرش الصوفية، إنه طاهر أبو فاشا «راهب الليل»، وأمير وملك وسلطان وأمبراطور الشعراء، ويكفيه قصائد فيلم (رابعه العدوية) التى تحفر الصخر فى القلوب فتفيض شجناً ودموعاً.
عرفنا أبو فاشا بالملحمة الإذاعية الخالدة «ألف ليلة وليلة».. وفى رابعة: «عرفت الهوى مذ عرفت هواك.. وأغلقت قلبى عمن سواك.. وقمت أناجيك يا من ترى.. خفايا القلوب ولسنا نراك.. أحبك حبين.. حب الهوى.. وحب لأنك أهل لذاك.. فأما الذى هو حب الهوى.. فشغلى بذكرك عما سواك.. وأما الذى أنت أهل له.. فكشفك لى المحب حتى أراك».
>>>
حب مصر ليس بالصراخ والصوت العالى، وأمبراطور أغانى عشق الوطن اختار عبارة «ليه بس ناح البلبل ليه، فكرنى بالوطن الغالى» إنه الموسيقار الخالد محمد عبد الوهاب، فى أغنية «حب الوطن فرض عليا»، فى رأيى أنها أعظم ما كُتب فى حب مصر، يتسم بالهدوء مثل البلبل أجمل مخلوقات الله وأحلاها صوتاً.. بهدوء ورومانسية وأصالة واعتراف بالجميل دون صراخ أو صخب وضجيج.
«يا مصر أنا رضعت هواكى من الصبا وانتى فى دمى.. أحب نيلك وسماكى.. انتى أبويا انتى أمى.. أرواحنا وشبابنا فداكى.. وفداكى روحى وعنيا».. إنه البلبل الذى يصرخ فى وجه المستعمر الجاثم على صدر البلاد فى ذلك الوقت.
>>>
لم أجد بشراً يحبون بلدهم مثل أهل اسكندرية.. يعتبرونها معشوقة جميلة يتغزلون فى حسنها.. ويتألمون لفراقها.. المؤلف محمد على أحمد والملحن كمال الطويل والمطرب الرائع محمد قنديل قدموا طقطوقة ستبقى للأبد عن حب اسكندرية: «ياما الناس قالوا ووصفولى.. حلو بسنَّة لولى والتيه واخده غيه.. محقوق لى وظالمنى وف قلبى مقاسمنى من مدة مخاصمنى.. ومش دارى اللى بيا.. لاسأل عن دياره وأروح له أزوره.. وأتملى بنوره وأجيب له هدية.. رحنالكم وجينا وزرنا المدينة.. يا غاليين عليا.. يا أهل اسكندرية».
>>>
نزار قبانى يقول «مصر وجدت نفسها فى أرواح مقاتليها وليس فى حناجر مغنييها»، وهو لا يقصد بحناجر مغنييها الفنانين والمطربين، ولكن قناصة الحب الكاذب، الذين إذا قلت لهم تبرعوا بجنيه من أجل مصر، تنكروا وتبرموا أو قدموا صكوك ديون قديمة، وقالوا «احنا عايزين تسهيلات»، رغم أنهم يمتلكون المليارات، من خير مصر.
>>>
«حب مصر» ليس بالشعارات ولا بالخطب الحماسية بل بالمواقف الرجولية، وكلما سمعت «شخص ما» يسرف فى الحب الكاذب، أشعر أنه «قناص» ويمهد للفوز بغنيمة.
كنت أرى رجل أعمال شهيرا فى الثمانينات جذبه بريق السياسة، فدخلها من «باب الرشوة» لكبار المسئولين، ووطد مكانته بالبكاء العنيف كلما سمع أحدا يخطب ويذكر اسم مصر، «يا حبيبتى يا مصر»، لكنه لم يستطع الصمود أمام مطالب «القناصة»، فتكالبت عليه ديون البنوك، وهرب إلى أمريكا ومات هناك، بعد أن اسود فى وجهه حلم العودة إلى مصر.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة