د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

د. مراد وهبة واللص الذى يسرقنا مرتين

محمد السعدني

الخميس، 03 سبتمبر 2020 - 06:32 م

فى لباس شيخ جليل دلف الرجل بتؤدة ووقار إلى محل الذهب، كان وجهه يشع نوراً، ألقى التحية على الصائغ الذى استقبله بحفاوة وتقدير واحترام، أخذ بيده وأجلسه على كرسى فى مواجهته قائلاً: تفضل يا شيخنا الجليل، أعذرنى كل العمال خرجوا فى ساعة الراحة وأنا بنفسى الذى سأقوم على خدمتك، أؤمر. رد الشيخ فى تأثر شديد: أنا الذى جئت لأخدمك، فأنا عملك الصالح يابنى. تبسم الصائغ وفى تردد قال: ماذا تقصد يامولانا، صحيح أن وجهك يشع نوراً، لكن حكاية عملى الصالح هذه تحتاج تفسيراً. فى هذه الأثناء دخلت عروس وخطيبها ليشتريا «شبكة الخطوبة» فاختارا بعضاً من قطع الذهب فى فاترينة العرض، ذهب الصائغ لإحضارها قائلاً تفضلوا بالجلوس حتى أقوم بوزن الذهب. تفاجأ الصائغ بالعروس تجلس فوق الشيخ على ذات الكرسى، فبادرها انتبهى يا عروسة فأنت تجلسين فوق الشيخ. تلفتت الفتاة حولها قائلة باستغراب: أى شيخ يا رجل؟ماذا تقول فأنا لا أرى أحداً غيرنا هنا؟ تدخل خطيبها قائلاً: يا ستى الراجل بيضحك معانا.صمت الصائغ متحيراً وقام بوزن الذهب، اتفقوا على السعر، أعطاهم الفاتورة وأخذ النقود وهو فى دهشة كبيرة.
ولما انصرفوا لحال سبيلهم، قال الشيخ للصائغ: يا بنى لا عليك،فأنت وحدك من ترانى وتسمعنى أما باقى الناس فلا يستطيعون ذلك، لأننى كما أخبرتك أنا عملك الصالح. يا بنى أنا لا أريد منك شيئاً ولولا استقامتك وإيمانك لما استطعت أن تراني،وقبل أن أعرفك لماذا أنا هنا، خذ قطعة القماش المعطرة بالمسك هذه، امسح بها وجهك جيداً فينجلى بصرك وتحل عليك البركة. أخذ الصائغ قطعة القماش بكل قدسية ووقار وقبلها وشمها ومسح بها وجهه فاغمى عليه فى الحال، فقام الشيخ المزعوم بسرقة المحل عن بكرة أبيه، وغادر كما دخل بكل تؤدة ووقار.
وفى أحد الأيام وبعد أربع سنوات جاءت سيارة شرطة ومعهم الشيخ المزعوم مكبلا بالأغلال إلى محل الصائغ، فطار الرجل فرحاً، وأخذ يشكر الشرطة الذين طلبوا من الصائغ الانتظار حتى يستكملوا إجراءاتهم. وزع الضابط القوة المسلحة، وقال للحرامي: هذا محل الصائغ اشرح لنا كيف تمت عملية السرقة. فقال الحرامي: يا سيدى دخلت على الصائغ فى ملابس شيخ خليل بعد أن دهنت وجهى بأصباغ بيضاء ليشع نوراً، وجلست هنا وقلت له أنا عملك الصالح، وشرح كل القصة حتى وصل عند قطعة القماش التى أخرجها من جيبه وكان قد وضع عليها مخدرا قويا،فقال الضابط:إشرح لى بالضبط ماذا فعلت، قم بتمثيل جريمتك بالتحديد. وقف الحرامى مقابل الصائغ وقام باعطائه قطعة القماش، ومرة أخرى مسح الصائغ وجهه، فدخل فى غيبوبة كما فى المرة السابقة، فَقام الشيخ المزعوم ورفاقه المحتالون المتنكرون فى ملابس الشرطة بسرقة المحل مجدداً.
هذه الحكاية تواترت بشأنها الأقوال، فمن قائل إنها من نسج خيال هؤلاء الشياطين القابعين فى دغل منصات التواصل الاجتماعى، يشاغلون بها الناس ويزجون وقت فراغهم، ومن قائل بأنها قصة حقيقية وقعت فى إحدى قرانا الطيبة من ريفنا المسالم وناسنا البسطاء الذين تأخذهم المظاهر وينخدعون ويسلمون لكل من يجيد حبكة الأكاذيب عليهم، ومراوغتهم بمعسول الكلام وحبكة المظاهر. لكن ورغم أن الأمر لم يخل من أخذ ورد، وشرح وتحليل وتفصيل، إلا أن نفرا ممن يجيدون القراءة من أهل هذه القرية قالوا إنها قصة لاتخلوا من طرافة، لكن مذاق العلقم فيها، هو أننا أمام لص نجح فى أن يسرقنا مرتين. وتلقف الأمر بعض من المثقفين فراحوا يسقطون القصة على النظام العالمى الجديد، إذ يحاول إحياء مفاهيم الاستعمار القديم التى سرقنا بها واحتلنا وعذب شعوبنا واستغل مقدراتها، ليعيد سرقتنا من جديد واستلاب بلادنا واستهلاكها فى لبنان وسوريا والعراق وليبيا وغيرها من بلادنا التى يضغطون عليها للتطبيع وإسقاط آخر أوراق التوت عن عوراتنا، بينما هم جاءوا فى لباس قشيب كما يفعل ماكرون وكوشنر وتابعيهم. دهنوا وجوههم بمساحيق التقوى والإنسانية والتعاون والإخاء، ومارسوا علينا الدجل والشعوذة وراحوا يسرقوننا للمرة الثانية، كما فعل صاحبنا بطل الحكاية. ستقول هذه حكاية اللص الذى يسرقنا مرتين، فماذا عن د. مراد وهبة؟ الإجابة فى مقالنا القادم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة