كان الأستاذ هيكل - يرحمه الله رحمة واسعة - يقول لي أنه ليس مثل الغناء مُعَبِّر عن روح الشعب. كان يقصد طبيعة اللحن السائد في أي عصر. إن الموسيقي تعبر عن روح الزمان الذي انطلقت فيه وسمعها الناس وتأثروا بها وسعدوا بنغماتها.
عند عودة سيناء في 25/4/1982، سمعنا جميعاً الأغنية التي شدت بها الفنانة المعتزلة: شادية. وكم من خسارة حدثت للغناء المصري باعتزالها. لكنها حكاية أخري. غنت: مصر اليوم في عيد. قالوا لنا الأغنية من كلمات عبد الوهاب محمد، ولحن جمال سلامة.
ما زلت أذكر ما قيل يومها عن الأغنية. خصوصاً بعد نجاحها المذهل. وعندما نفاجأ بنجاح ما نحاول أن نفرغه من محتواه. فقد قيل أن تاريخ الأغنية يعود إلي عام 1956، عندما لحنها وغناها الفنان والمونولوجست عمر الجيزاوي، في احتفالات بور سعيد، بانتصارها علي العدوان الثلاثي. وأن مؤلفها كان مصطفي الطائر.
لم أصدق هذه الحكاية إلا عندما كتبتها أكثر من مرة الدكتورة ياسمين فراج، المتخصصة في دراسات عن الغناء. خصوصاً الغناء الوطني الذي أفردت له كتاباً.
تقول كلمات الأغنية:
­- ياللي من البحيرة وياللي من آخر الصعيد/ ياللي من العريش الحرة أو من بور سعيد/ هنوا بعضيكوم وشاركوا جمعنا السعيد/ سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد/ ألف ميت مبروك علينا بالسلام/ حقنا عاد بين إيدينا بالتمام/ واحنا حنصونه في عينينا ع الدوام/ أصل ما في ع الإرادة أي شئ بعيد/ سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد/ ليل نهار عاهدوني نبني ليل نهار/ لاجل مصر بلدنا تبقي في ازدهار/ نبني ونحولها جنة بالعمار/ والأمل ضليلة فوقنا وكل إيد في إيد/ سيناء رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد/ بكرة أحلي من النهاردة بكرة يا جيلنا الجديد/ تحصدوا خير ما زرعنا والجميع يسعد أكيد/ مصر علشان تقوي بينا لازم الإنتاج يزيد/ والكلام مش وقته خالص العمل هو المفيد/ سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد.
عندما أسمع هذه الأغنية تحدث لي حالة من النشوة الناتجة عن الطرب الوطني، الذي يذكر الإنسان بما جري لبلاده. ويربطه من جديد بوطنه عبر نغمات جميلة. لكني أتساءل بعد الفرحة والطرب: سيناء عادت لنا. هذا حدث فعلاً. وهي قصة من قصص الوطنية المصرية، بدأت من الحرب في ميدان القتال، ووصلت إلي التفاوض والمباحثات والجهد الدبلوماسي الضخم.
هذا كله نعرفه. ولكن السؤال المُر: هل عدنا نحن لسيناء؟ أم أننا اكتفينا بالغناء لها، واعتبرنا أن الغناء يمكن أن ينوب عنا في الاحتفال بالمناسبة؟ السنوات التي مرت علي عودة سيناء طويلة. الطفل الذي ولد يوم عودتها عمره الآن 34 عاماً، أي أنه في عز شبابه، إن لم يكن يقترب من الكهولة المبكرة.
الحساب العسير يدور حول السنوات الأولي بعد عودتها. لأنه بعد ظهور التطرف والإرهاب فيها لم يعد ممكناً عمل أي تطوير فيها. يكفي مواجهة المخططات الإرهابية التي تستهدف سيناء ومن يعيشون فيها ومن يحاولون حمايتها، سواء من أبناء قواتنا المسلحة البواسل، أو من رجال الشرطة الشرفاء.
ما أقصده هو ذلك التاريخ المنسي منذ عودتها سنة 1982. كلنا نذكر أن منجز تلك السنوات التي توشك أن تقترب من الثلاثين كان النشاط السياحي في شرم الشيخ. كنت أقول وقتها إنه الهروب إلي شرم الشيخ. لأنك تركت مساحات سيناء المترامية الأطراف الواسعة دون تنميتها وزراعتها بالبشر والناس. لأن ذلك هو الخلاص الوحيد لها من أي محاولة للعدوان عليها.
وحتي عندما جري كلام عن توصيل مياه النيل لها. وهو كلام سابق علي 1982، شكَّت الناس وكانت معها حق في شكوكها أن الهدف ليس سيناء. ولكن توصيل مياه النيل إلي العدو الصهويني كجزء من التطبيع الحرام بين من حكموا مصر وبينه وقتها. والحمد لله أن المشروع لم يتم. وأن «نيو زمزم» ظلت أقرب لفكرة مجنونة في عقول الحكام لم يحاول أحد الخروج بها لحيز التنفيذ.
نقفز مع الزمان حتي قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير. وما تلاها من مراحل الإضطرابات الكبري إلي أن وصلنا لوضع مستقر من 2013، وفي الوقت الذي كان يمكن أن ننطلق لإعادة بناء سيناء بدأت الحرب التي لم تتوقف لحظة واحدة من قبل. لكن بعد 2013 كانت هناك حالة من التكثيف غير العادي للعمليات العسكرية التي جعلت حتي من زيارة سيناء أمراً بالغ الصعوبة.
مرة أخري سيناء عادت، فمتي نعود إليها؟ متي نواجه الإرهاب علي أرضها؟!.