عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

النساء.. زادتهن كورونا ظلما

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 08 سبتمبر 2020 - 05:59 م

قد لا نكون فى حاجة ماسة إلى بذل جهد لاستنتاج التراتبية المخدومة التى عالجت بها كثير من وسائل العالم العالمية قضية التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا على العالم بأسره، ولا فى حاجة إلى تبرير التأكيد على هذه الحقيقة التى بقيت مختفية وراء طبيعة الأضرار التى طالت العالم من جراء هذه الجائحة الخبيثة، إذ لم يكن من البراءة فى شيء ولا من الصدفة أن تسلط الأضواء الكاشفة على قطاعات اقتصادية بعينها بصفتها الأكثر تضررا من الانتشار المهول لهذا الوباء اللعين. والواضح أن القوة المالية للأوساط الاقتصادية المهيمنة والمتحكمة فى النظام الاقتصادى العالمى فرضت هذه الخلاصة. ودون إنكار مشروعية هذه الحقيقة إلا أنها لا يمكن أن تمثل كل الحقيقة، ولا الحقيقة الواحدة والوحيدة التى لا شريك لها، لأن الجائحة التى هزت العالم بأسره لم تنتق ضحاياها من القطاعات ولا من البشر، لكن حجم التكلفة والخسائر المالية بصفة رئيسية هو الذى فرض تراتبية معينة فى ترتيب الضحايا والأضرار.
وفى هذا الصدد لا أحد يمكن أن يجادل فى أن الاقتصاد سبق البشر فى الانشغالات بالتداعيات وبالأضرار، علما أن الضحية الرئيسية فى كل هزة أو أزمة اقتصادية يبقى هو الإنسان، وبحجم الأضرار الإنسانية والاجتماعية تقاس الأزمات الاقتصادية والمالية، ويتجلى ذلك واضحا من خلال ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة الاجتماعية والبطالة، وتراجع معدلات التعليم والتربية والتكوين والصحة والرعاية الاجتماعية والاهتمام بشرائح الطفولة والشباب والنساء والمسنين، وفى ضعف الاستثمارات العمومية فى البنى التحتية بسبب ضعف الموارد المالية، وغير ذلك كثير من مظاهر تردى الأوضاع الاجتماعية والإنسانية نتيجة الأزمات الطارئة، خصوصا إذا كانت فى حجم التجربة الصعبة والقاسية التى يجتاحها العالم منذ أكثر من نصف عام بشكل يكاد يكون غير مسبوق.
فى دراسة حديثة صدرت فى بحر الأسبوع الجارى بصفة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى حول التداعيات الاجتماعية لوباء كوفيد 19 تتضح التكلفة الاجتماعية الباهضة التى ستسددها شريحة الفقراء فى وضعية الفقر المدقع، حيث تتنبأ هذه الوثيقة الأممية الجديدة أن تداعيات الجائحة ستلقى بـ96 شخصا إلى وضعية الفقر المدقع، وبذلك يتوقع أن ترتفع أعداد الأشخاص فى العالم الذين لا يتجاوز دخلهم اليومى أقل من 1،9 دولار فى اليوم الواحد إلى 435 مليونا، وبذلك فإن الأوضاع المستجدة فى ضوء انتشار وباء كوفيد 19 دحضت كل التوقعات التى كانت تبشر بتحسن كبير فى مؤشرات الفقر والفقر المدقع فى العالم فى حدود سنة 2030، كاشفة أن الأوضاع ستبلغ درجات من السوء يصعب تصديقها إذا لم يبادر المجتمع الدولى بالتحرك العاجل لمواجهة المصير المقتوم الذى ينتظر نصف مليار شخص فى العالم.
الدراسة الأممية الجديدة ركزت فى هذا الجانب على أوضاع النساء، وفى ذلك استحضار حقيقة ثابثة تفيد بأن النساء كن الفئة الأكثر تضررا من الظروف الصعبة التى عاشتها البشرية من جراء انتشار الوباء. ولسنا فى حاجة إلى التأكيد على الأدوار الطلائعية والرائدة والمهمة التى قامت بها النساء فى هذه الظروف القاسية داخل الأسر بالخصوص، من رعاية أفراد الأسرة، خصوصا الأطفال،و توفير الشروط الملائمة لمواجهة أثار العزل والإغلاق وتوقيف الدراسة ومنع التجول، وفى كثير من الحالات وجدت نسوة عاملات أنفسهن فى وضعية عطالة إجبارية بسبب فقدان الشغل، وهن اللائى كن يمثلن مصدر الدخل الوحيد لعدد من الأفواه التى كانت تنتظر منهن رغيف العيش كل مساء. وفى هذا الصدد تسلط الدراسة الحقائق الصادمة حول الأضرار التى لحقت مئات الملايين من النسوة فى العديد من أنحاء العالم بسبب انتشار الوباء.
وهكذا تكشف الدراسة أنه من المرجح أن تلقى جائحة كورونا وتداعياتها بـ47 مليون امرأة فى براثن الفقر المدقع، وأن معدل الفقر فى أوساط النساء سيرتفع إلى 9،1 بالمائة، فى حين تفيد الدراسة أنه كان متوقعا قبل انتشار الوباء أن ينخفض معدل الفقر لديهن بـ2،7 بالمائة ما بين سنتى 2019 و2021. ومقارنة مع الرجال فإن الدراسة تفيد أن وتيرة انتشار الفقر لدى النساء ستكون أسرع من مثيلتها لدى الرجال. ويمكن تفسير هذا المنحى السريع للفقر فى أوساط النساء بأن القطاعات الأكثر استقطابا للنساء فى مجال الشغل كانت فى طليعة القطاعات المتضررة بشكلٍ قوى وعنيف وشامل من انتشار الوباء، وأن هذه القطاعات المشغلة للنساء تعتريها هشاشة كبيرة، وهى قطاعات الخدمات والضيافة والسياحة والأشغال المنزلية ورعاية الأطفال. والأدهى من ذلك كله يتمثل أساسا فى الصعوبة البالغة التى تكتسيها إعادة إدماج النساء فى سوق الشغل على المدى المنظور، بسبب أن تعافى هذه القطاعات الهشة يتطلب مدة طويلة لاسترجاع كامل لياقته وعافيته، وبالتالى فإن المراهنة على إنقاذ النساء من هذه الأوضاع المزرية والصعبة تتطلب من المجتمع الدولى (خطة مارشال) جديدة خاصة بنساء العالم، وفى هذا الصدد يرى السيد لأخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى التابع للأمم المتحدة أنه «يمكن انتشال أكثر من 100 مليون امرأة وفتاة من دائرة الفقر، إذا قامت الحكومات بتحسين الوصول إلى التعليم وتنظيم الأسرة والأجور العادلة والمتساوية وتحسين التحويلات الاجتماعية» وهو الأمر الذى يصعب توقع تحقيقه فى ضوء الحقائق الموازية التى عرت عنها الجائحة بخصوص تراجع وتوارى قيم ومبادئ التضامن والتآزر العالمى، حيث تجلت هشاشة مفاهيم العولمة وعاد الزمن بالبشرية إلى مفهوم الدولة الوطنية القطرية التى يجب أن تتحصن وتعول على إمكانياتها فى مواجهة الأزمات العالمية الطارئة.
وقد تكون الحقيقة صادمة إذا ما أكدنا أن تدارك هوة الفقر بين أغنياء وفقراء العالم قد يتطلب تكلفة مادية ومالية تقل عما يكلفه السباق المحموم نحو التسلّح فى العالم، وأن مثلا سد فجوة الفقر بين الجنسين من رجال ونساء فى العالم لا يستوجب أكثر من 0،14 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، أى ما يعادل 2 تريليون دولار. لكن طبيعة أولويات النظام العالمى الجديد الذى هو حاليا بصدد الولادة يفرض أولويات أخرى بهواجس مختلفة تستند إلى معادلات لا تجد فيها الأهداف الاجتماعية والإنسانية موقعا لها فيها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة