عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

إزالة القبح والفوضى

عمرو الخياط

الجمعة، 11 سبتمبر 2020 - 05:36 م

إماطة الأذى عن الطريق صدقة، لكن إماطة القبح والعشوائية عن وجه مصر فرض عين حال على كل مصرى.
لا تندهش من التسييس المتعمد لحالات إزالة التعديات التى تجريها الدولة إنفاذاً للقانون واستهدافا مباشرا لإنقاذ مصر من وباء العشوائيات اللعين، فالدولة التى غابت لسنوات عن مجتمعات الفوضى تعود الآن بقوة القانون لمساحات اجتماعية لطالما أفرزت نماذج سلوكية مشوهة تحولت إلى مفرخة لتنظيمات الإرهاب، فلما وضعت الدولة يدها على بيت الداء راحت تلك التنظيمات تصرخ بعد أن علمت أن دولة ٣٠ يونيو قررت تجفيف المنابع الاجتماعية للفكر المتطرف ولمعسكرات التجنيد المفتوحة.

إذا كان هناك ضرورة ملحة لتجديد الخطاب الدينى فقد قلنا من قبل إن الأولوية لتجديد الخطاب الاجتماعى الذى بات مألوفا فى بيئة أفرزت عقولاً قابلة لاستقبال الفكر المتطرف تحت وطأة الفقر وثقافة غياب الدولة، تلك هى المعضلة التى تواجه حربا شرسة، فالقضاء على العشوائيات هو فى الأساس إنهاء لحالة اجتماعية ظلت تقدم الضحايا لسنوات طويلة ممن تورطوا فى السلوك الإجرامى أو انخرطوا فى تنظيمات الإرهاب ليس ارتباطا بالفقر فقط بل بالفكرة العامة لغياب وتغييب الدولة عن مجتمعاتهم.
لقد ظهر علينا رئيس الجمهورية محذرا من خطورة التعديات والعشوائيات وذهب إلى توصيف الظاهرة بأنها خطر على الأمن القومى، ولم يكن وقتها مبالغا أو مستحدثا لجديد إنما كان واصفا دقيقا لواقع متجذر فى جسد الدولة المصرية، وربما كان توصيفه صادما لكن فى جميع الأحوال لا يمكن استقباله بأنه إساءة لأى طرف بقدر ما يتعين استقباله كإلزام ذاتى ألزم به الرئيس نفسه أمام الشعب المصرى من منطلق منصبه الرئاسى الذى يلزمه دستوريا بالتصدى لكل ما يهدد الأمن القومى المصرى، هنا قد وضع الرجل نفسه بشكل معلن أمام مسئولياته القانونية، وهو أمر لا ينبغى أن يتم التعامل الجماهيرى معه باعتباره اجراء عقابيا أحادياً من جانب شخص الرئيس بل اجراء رسمى مؤسسى ملزم للرئيس المنتخب الذى يتعين عليه حماية الشعب المصرى من الأخطار التى تهدد أمنه القومى وتستبيح مقدراته، والحماية هنا تشمل إزالة أسباب التهديد ووضع آلية تمنع عودته مجددا.
وتفسيرا للخطورة الداهمة على الأمن القومى فإننا لا نستطيع أن نتجاهل ما أحدثته التعديات على الأرض الزراعية من تراجع حاد فى الرقعة الزراعية المنتجة والتسبب فى فجوة غذائية ضخمة هددت الأمن الغذائى للمصريين تهديدا مباشرا، بل إنها جرفت مساحات زراعية فأهدرت ثروات حيوانية وداجنة وقضت على آلاف من فرص العمل.
تتراكم تلك التأثيرات وسط مجتمعات عشوائية فتفرز مواطنا نشأ على مفهوم غياب الدولة عن تفاصيل حياته، وقد نقول إنه اضطر لذلك لأن الدولة قد تركته من قبل فلما أتت دولة ٣٠ يونيو بمشروع يتقدمه عبدالفتاح السيسى من أجل تحسين جودة حياة المصريين وإزالة الفوضى والقبح الذى يحاصرهم فلا يمكن لأى منطق أن يتعامل مع هذا المشروع باعتباره إجراء عقابيا بل إجراء علاجى وكلاهما قد يكون مصحوبا بآلام لكن الأهداف تكشف نوايا الدولة تجاه مواطنيها.
تستمر الخطورة على الأمن القومى من خلال التهديد المباشر للسلام الاجتماعى، حيث تركت العشوائيات لتنمو فخلقت مجتمعات اعتنقت ثقافة الفوضى وانعدام القانون فأفرزت نماذج سلوكية منحرفة وعانت من قصور فى الخدمة وليس غيابها، لأنها أساسا نشأت خارج الإطار التنظيمى لإجراءات الدولة التى وضعت خطتها وفقا لمساحة بناء محددة سلفا ووفرت لها خدمات البنية التحتية فلما سيطرت الفوضى على تلك المناطق ظهر القصور بسبب حدوث خلل فى توزيع الخدمة، كل ذلك أدى إلى عوار حاد فى منظومة العدالة الاجتماعية أدى لحالة من الطبقية القسرية أثرت سلبا على تجانس المجتمع بعدما غرست شعورا بتعمد الدولة تهميش مجتمعات بعينها بينما هى فقدت السيطرة عليها مما أدى لتفاوت طبقى رسخ شعوراً بالظلم أدى لتكوينات اجتماعية من الكتل البشرية الحرجة التى يمكن استخدامها كأدوات للفوضى بين حين وآخر.
كثيرون ممن يحسبون أنفسهم على النخبة كانت لهم مقالات تتضمن انتقادا حادا لنظام الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك ما قبل عام ٢٠١١، ركزت غالبيتها على ملف العشوائيات باعتبارها عنوانا صارخا لغياب الدولة وإهمالها لملف العدالة الاجتماعية، وطالبت تلك النخبة حينها الدولة بتحقيق التوازن ما بين مجتمع «العشوائيات»، ومجتمع «الكومبوندات»، بل إنهم راحوا يعلنون أن غياب الدولة عن العشوائيات أفرز مجتمعا منقوص الانتماء لأن الدولة تجاهلته فأحدثت خللا فى التزامات العقد الاجتماعى، والآن جاء السيسى ليلزم نفسه بترميم هذا العقد وصيانة رصيد الانتماء الوطنى الذى أوشك على النفاد بسبب غياب العدالة الاجتماعية، فكان حتما على السيسى أن يضع خطة عاجلة لرفع الاحتياطى الاستراتيجى للانتماء العام القائم على نظرية واقعية تقول إن الولاء لمن يلبى الحاجة، ولازال السيسى يواجه العشوائيات بمشروعات الإسكان التى تضمن حياة كريمة تبرهن على أن الدولة ملتزمة ببنود العقد الاجتماعى مقدما بالتالى فإن معدل الانتماء الطبيعى المطلوب من المواطن هو مردود على حجم الرعاية التى تلقاها من هذه الدولة.
لا تتوقف خطورة العشوائيات عند هذا الحد بل تستمر نحو العبث الممنهج فى مفهوم الأمن القومى من خلال إحداث خلل جسيم فى الهوية المصرية الوطنية وإصابتها بتشوهات جسيمة بعدما أفرزت أنواعا من الفنون التى تحرض على العنف وتستخدم مفردات لغوية خارجة، فضلا عن فرض مصطلحات لغوية دخيلة على الذوق العام أصبحت تعبر عن انتماء لطبقة اجتماعية معينة فحدث التنافر بين مكونات نسيج المجتمع الذى فقد أبسط قواعد الاتصال وهى اللغة العامية المصرية التى أصابتها تشوهات عنيفة خلقت تكوينات اجتماعية آثرت الانفصال عن بعضها البعض وعدم الالتقاء على أرضية ثقافية واحدة فأصابت النسيج المجتمعى بشروخ حادة ساهمت كلها فى خلق حالة طبقية مصطنعة.
تتجلى هنا الأهداف الاستراتيجية لما تتخذه الدولة من إجراءات لتنفيذ بعض أعمال الإزالة وهى فى ظاهرها عملية هدم، لكن الحقيقة أنها عملية بناء للإنسان المصرى وإنقاذه من الحصار الاجتماعى الذى فرض عليه العيش فى بيئات غير سوية جعلته فريسة للاستخدام السياسى واستغلت حقه فى العيش الكريم من أجل ابتزازه وخداعه واستخدامه لهدم دولة بأكملها.
الحقيقة أن دولة ٣٠ يونيو تنفذ عمليات إزالة لمنظومة القبح التى فرضت نفسها على المجتمع بعد أن تعايش معه فألفه فأصبح مفرزا لهذا القبح.
دولة ٣٠ يونيو تبنى إنسانا مصريا تعرضت شخصيته لموجات من التجريف.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة