أخناتون
أخناتون


حكايات| ثورة دينية أخمدتها المؤامرات.. أسرار من حياة الفرعون الغامض «أخناتون»

شيرين الكردي

الخميس، 17 سبتمبر 2020 - 03:36 م

فرعون من الأسرة الثامنة عشرة نال من الشهرة ما نال، ومن أقاويل وصل بعضها إلى حد الأساطير، ما بين مدح وذم حول شخصية حكمت مصر في عهد الفراعنة لمدة 17 عامًا، طويت صفحاتها بطريقة غامضة رجح البعض أن المؤامرات والدسائس وحدها كانت فيها البطل.


الملك أمنحوتب الرابع «أخناتون»، شخصية مثيرة جذبت بكل تفاصيلها الباحث الأثري الدكتور حسين دقيل، للبحث والتنقيب حول، أخناتون الذي نشأ في مدينة أرمنت بالقرب من طيبة «الأقصر حاليًا» عام 1389 ق.م.


مرهف الحس دائم التفكير شارد الذهن، في أغلب أوقاته، صامت متردد متطلع إلى قرص الشمس المستدير الذى صوّر أشعتها فيما بعد على جدران معبده؛ كما لو أنها أذرع طويلة تنتهى بأيد تلمس جميع المخلوقات في سعادة وهناء، بتلك الكلمات وصف دقيل، شخص أخناتون.


وأردف أنه كان نحيفًا، طويل القامة، بظهر يظهر به انحناء، وأكتاف ضيقة وأرجل رفيعة وطويلة، وجهه كان طويلًا وعيناه كبيرتان غائرتان، فقد كان يعاني من ضعف ومرض لازمه طوال حياته.


دعا أخناتون وهو صاحب فكرة التوحيد وعبادة رب واحد؛ إلى عبادة «آتون» إلهًا واحدًا ليس له مثيل، وأقام له معبدًا بطيبة، وأهمل معبد "آمون"، وسمّى مدينة طيبة باسم "ضياء آتون"، ولم يرض أخناتون بأفعال كهنة آمون وضغطهم على الأفكار باسم الدين ونشر الفساد السياسي، وقال مقولته المشهورة: "إنّ أقوال الكهنة لأشد إثما من كل ما سمعت"، وقد رأى كهنة آمون في هذا الأمر خطرًا وتهديدًا حقيقيًا لهم ولمعبودهم فبدأوا يتهامسون ويدبرون المكائد، دقيل موضحًا صراع الكهنة مع أخناتون.


خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، بدوره قال إن دعوة إخناتون لم تكن تنصب على المعتقدات الدينية فقط، بل تعدّت ذلك إلى تغيير شامل لكل مظاهر الحضارة، وتمثلت أصول دعوته في «الحقيقة والواقع»، فاعتمد في إقناع تابعيه على البراهين الظاهرة الدالة على سلطان معبوده، ولم يتخذ لمعبوده هذا شكلًا حيوانيًا كغيره من أرباب مصر القديمة.


بالرغم من ذلك؛ لم يكن أخناتون من الشخصيات التي تواجه التحديات أو تعمل على حل المشكلات بل كان يسعى دائما إلى الهدوء والسكون وينشد المودة والسلام، لذا فقد آثر البعد عن موطن القلاقل بطيبة؛ فتركها ومعبودها واتجه نحو مدينته الجديدة التي أنشأها وهى مدينة «أخت – آتون» «تل العمارنة في المنيا حاليًا».

ريحان، أكد أن أخناتون، انشغل بديانته الجديدة عن أمور الدولة وشؤون الحكم؛ حتى أنّ سفراء البلاد وحكام الولايات كانوا يأتون إليه رافعين شكواهم، بسبب التهديدات الخارجية التي تعرّضت لها ولاياتهم؛ فلم يستطع أن يقدم لهم غير الترحاب والهدايا، وذهبت نداءاتهم واستغاثاتهم أدراج الرياح، فازدادت قوة أعدائه؛ كالحيثيين في آسيا وتحدوا سيادة مصر وممتلكاتها الخارجية.


وعند محاصرة القدس، استغاث به حاكمها طالبًا منه النجدة؛ كما يظهر ذلك في رسالته التي أرسلها إلى كاتب الملك: «إن كل بلاد سيدى الملك في طريقها إلى الخراب، أخبر الملك صراحة أن بلاده في طريقها إلى الضياع»، كما استجار به أيضا حاكم مدينة جبيل في لبنان، ورجاه أن يرسل له جيشًا لنجدته، قائلًا له: "إنني في مدينة جبيل هذه مثل طائر وقع في الشرك"، ولما لم يستجب إخناتون لرجائه، بعث إليه رسالته الأخيرة المحزنة: "إن لم تأت نجدة فإني إذن رجل ميت".


اعتبر ريحان، أن العواصف لم تهب على الإمبراطورية المصرية في عهد إخناتون من الخارج فقط؛ بل ثارت قلاقل أيضا من داخل مصر؛ حيث سخط النبلاء المقيمون في طيبة، وازدادت قوتهم، وخرج الكهنة من مخابئهم، وأعادوا عبادة آمون المحظورة، وتجاهل إخناتون هذه المعارضة، ورفض أن يواجهها، كما رفض أن يوجهه أحد إلى النظر في تلك المشكلات.


وازداد الأمر سوءً عندما ماتت ابنته الكبرى «مكت – آتون»، علاه الهم والغم والارتباك، وزاد وجهه نحولًا، ولم تعد عيناه تتلألأ في ضوء الشمس، وقد بدا عليه الضعف حتى تجاه عقيدته ودعوته، بعد أن أنهك بدنه وأفنى جسمه في إقناع الناس بها.


ولم يستطع أحد أن يُخرج الملك من حياة الوهم التي كان يحياها حتى ضاعت الإمبراطورية التي أنشأها أسلافه، وبدأ في الهروب من هذا الواقع المؤلم إلى الملذات واحتساء النبيذ والاستماع إلى الموسيقى، وبدأ في أثناء ذلك في تبادل الرسائل مع كهنة آمون بطيبة، محاولًا أن يصل معهم إلى اتفاق، شريطة أن يتركوه وشأنه، وأن يسمحوا له بالاحتفاظ بعرشه.


وتابع بأنه على الرغم من أن الإصلاح الديني الذى جاء به أخناتون أخذ جُل وقته، إلا أن السكان العاديين في المملكة ظلوا على عقيدتهم التقليدية بالتعبد إلى آمون وتقديم القرابين له، وطلب الشفاعة منه، وهذا ربما كان بسبب أنّ الإصلاح الذي جاء به كان إصلاحًا فوقيًا جاء من سلطة عليا.


مات إخناتون، في عام 1358 ق.م؛ بعد أن أنهكه المرض، وبلغ به الحزن مداه، ودمرت مدينته «أخت – آتون»، وظلّت مرتعًا للحيوانات المفترسة والطيور الجارحة والحشرات والزواحف القاتلة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة