هل أقول كيف تعاملنا مع أزمة سد النهضة؟ وكيف عبر إعلامنا عن الأزمة وتناولها وقدمها للناس؟ وكيف وصل بنا الحال لتوقيع اتفاق مع إثيوبيا لا نعرف عنه أي شئ

لا أعرف كم من دول العالم توجد بها وزارات لإدارة الأزمات؟ أو إدارات عليا تابعة للقيادة السياسية لإدارة الأزمات؟ وعلي الرغم من وجود مثل هذه الإدارات أو الوزارات أو عدمها. فنحن في أمس الحاجة إليها. لأننا كلما واجهنا أزمة حتي ينطبق علينا المثل الشعبي القائل: يغرق في «شبر ميه».
والأزمات جزء من الحياة. خصوصاً بعد تعقد ظروف الحياة وتداخلها. ولا بد من الاستعداد لملاقاة الأزمة والتعامل معها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة. لكننا نعيش في هذا المكان من العالم. وكأن الدنيا خلت من الأزمات أو أن لدينا قدرة لا يمكن وصفها علي التعامل مع الأزمات.
تعالوا نلقي نظرة علي أزمة الطائرة الروسية. التي سقطت في أجوائنا قبل شهور. وأدت إلي ردود أفعال ما زلنا نعاني منها. كيف تعاملنا معها؟ ثم كيف تناولها إعلامنا وقدمها للناس. هل أقول إننا نسينا الطائرة رغم خطورة الحدث وآثاره القاسية علي اقتصادنا. ولم يذكرنا به سوي قرار النائب العام منذ أيام بالبدء في تحقيق جنائي في الواقعة. وهذا معناه أن كل ما قيل أن هناك قصدا جنائيا من وراء إسقاط الطائرة، كان فيه قدر من الصواب. ومع هذا رفضناه في وقتها، وتعاملنا معه كأنه هجوم علي الوطن. ثم ثبت إمكانية صوابه. ولكن بعد فوات الأوان.
لا أريد أن أعدد الأزمات التي نمر بها. فهي أكثر من الهم علي القلب. هل أقول كيف تعاملنا مع أزمة سد النهضة؟ وكيف عبر إعلامنا عن الأزمة وتناولها وقدمها للناس؟ وكيف وصل بنا الحال لتوقيع اتفاق مع إثيوبيا لا نعرف عنه أي شئ. استخدمته إثيوبيا في الحصول علي قروض ومعونات كثيرة من العالم. ثم جاءت أزمة الشاب الإيطالي جوليو ريجيني وما زالت مستمرة.
ما أكتبه عن إدارة الأزمات التي لا بد من وجود وزارة لها أو هيئة عليا تابعة لرئيس الجمهورية لا تقل أهمية عن مجلس الأمن القومي الذي يرأسه الرئيس كلما واجهت مصر ظروفاً صعبة أو عصيبة. كلام قديم بالنسبة لي، قلته أكثر من مرة. ربما أكتب عنه للمرة الأولي. وسأستمر في الكتابة عنه حتي يستجيب أولي الأمر وتكون لنا إدارة تعلمنا كيف تتعامل مع الأزمة؟ وتوحي لإعلامنا بكيفية تناولها.
لا أخفي دافعي للكتابة. فهو أزمة الجزيرتين. والطريقة التي قدم بها الأمر للناس. وطرح عليهم. ثم شكل التعامل مع الآثار الناتجة عن الإعلان وردود الأفعال عليه. وكيفية التعامل معها. أعرف أن الأزمة هي مرحلة تصل إليها الأمور حتي في حياة الإنسان أو في صحته العامة. وهي مرحلة الاختلال أو المرض التي يمكن الخروج منها إلي الشفاء أو إلي ما بعد الأزمة. وهو ما نسميه بتفاقم الأزمات.
علينا أن نجنب بلادنا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها من كلمتي: تفاقم الأزمات. لأن الآثار الناتجة عن الأزمات لا تؤدي في كل الأحوال إلي انفراجات في التعامل مع الأزمة. ولكنها قد تؤدي إلي ما بعد الأزمة بمعني إلي ما هو أسوأ من الأزمة نفسها. وهو ما يجب أن نجنب الوطن آثاره بسبب طبيعة الظروف التي نمر بها والمشاكل التي تواجهنا والخصوم الذين يحاولون عرقلة مسيرتنا. والعالم المختل الذي ينحاز جزءا جوهريا منه إلي خصوم مصر بدلاً من الوقوف مع مصر وشعبها في محاولة بناء مصر الجديدة.
لا أدعي أنني أول من فكر في هذا. فما زلت أذكر - وسأظل - أن المرحوم الأستاذ أحمد بهاء الدين كانت تشغله قضية المستقبليات. بمعني أننا ننام في أحضان الحاضر. ونتذكر الماضي إلي أن يفاجئنا المستقبل بما لا نتوقعه. وكلمة المفاجأة معناها أننا ربما لا نستطيع التعامل مع هذه المفاجأة. فتوقع المفاجأة نصف الطريق إلي شكل حقيقي للتعامل معها.
بعد غياب المستقبليات من حياتنا. كان الأستاذ بهاء يتكلم عن الشكل الذي نتعامل به مع الأزمات. والطريقة البدائية التي تجعلنا نبدو أمام العالم كما لو كانت أي أزمة تمر بنا هي بداية الدنيا. أو هي الأزمة الأولي في تاريخنا. لا نستفيد مما مضي ولا نأخذ دروساً مما جري. وكل أزمة تأتي إلينا نبدأ معها من الصفر.
أرجو ألا يفهم من كتابتي أنني أقول إن مصر بلد الأزمات. وأنها تخرج من أزمة لكي تدخل في أزمة أخري. لكن ما أتمناه ألا نبدأ في التعامل مع الأزمة بعد أن تقع وتمضي أيام. ثم نحاول لملمة الأمور. فنفشل أو ننجح. ومن المؤكد أننا نفشل في كثير من الأحيان. وأتمني ألا نفشل هذه المرة؟.