د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

د. مراد وهبة: عندما تخذل السياسةُ الفلسفةَ

محمد السعدني

الخميس، 17 سبتمبر 2020 - 06:15 م

انتهينا فى مقالنا السابق «د.مراد وهبة واللص الذى يسرقنا مرتين» للإشارة إلى محاولات النظام العالمى لإحياء قيم ومفاهيم الاستعمار القديم ولكن بأساليب مغايرة عنوانها المراوغ «التطبيع والسلام» وهدفها المضمر إنهاء القضية الفلسطينية وإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية لمنطقتنا للتحكم فى مصائرنا، وتسويغ استلاب بلادنا ومقدرات شعوبنا مرة أخرى، فى حركة يقودها دونالد ترامب وكوشنر وماكرون ونتانياهو، وتابعوهم، وأصبح علينا توضيح علاقة د. مراد وهبة من ذلك كله.وهنا نورد كلاماً منه، وآخر عنه، وجميعها فى حسبة بسيطة عليه لا له، فهو شريك بالانحياز للاستعمار والاحتلال وتسويغ أفكاره والترويج لحججه والدفاع عن ممارساته، ووضع ذلك كله فى إطار راح يغلفه بالفلسفة والتسامح والتنوير ومناهضة الأصولية الدينية، بينما يمارس نحو مسعاه أقصى درجات التعصب والمخاتلة وتذويب الهوية والدعوة للاستسلام، ما أظهر خواء الفكرة وإفلاس الفيلسوف وانكشاف تماهيه مع العدو الصهيونى وسياساته، وهو أمر ليس جديد عليه منذ اشتراكه فى التسعينيات مع جماعة كوبنهاجن للتطبيع، د. لطفى الخولى، والسفير صلاح بسيونى، ود. عبد المنعم سعيد، وغيرهم، الذين أعطوا هدايا مجانية للمحتل الصهيونى وحاولوا تبييض وجهه على حساب القضايا العربية، وضد توجهات شعوبنا التى رأت فيما يفعلونه تفريطا وخيانة.
فى حواره مع سليمان الهتلان فى حديث العرب بتاريخ 21 أغسطس الماضى- موجود على الإنترنت- أدان مراد وهبة النخبة المثقفة لأنها ترفض صفقة القرن قبل قراءتها، بدلاً من الذهاب للحوار حولها، واتهم المثقفين بالخيانة والأصولية لأنهم دائما يتشككون فى الغرب ويهاجمون الآخر - لاحظ الغرب وليس الكيان الصهيونى المغتصب- وأنهم بذلك يشجعون الإرهاب ويقفون فى نفس مربعه. ويالها من جرأة وسقطة، إذ يصف من يقفون مع الحقوق المغتصبة والأرض المحتلة، وضد الممارسات الوحشية لجيش الاحتلال، بأنهم يشجعون الإرهاب وهم الخونة! المغالطة هنا أنه يعلم بالضرورة مثلنا جميعاً، ومما رشح عن ملامح هذه الصفقة الظالمة، ومن تصريحات ترامب ونتانياهو والطفل المعجزة كوشنر، أنها ترفض حل الدولتين كما أقرتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والجامعة العربية، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية قبل ترامب. وأنها تقايض الفلسطينيين على الأرض والوطن بحفنة دولارات، فكيف لا يرفضونها؟ وكيف لايرفضها المثقفون العرب؟
المصيبة أنه يقر بأنه كتب منذ سنوات يحث الفلسطينيين على اتخاذ «أبو ديس» عاصمة بديلة للقدس، وحكى قصة لا تدينه فحسب بل تسىء إلى ما بقى منه من عروبة، بأنه التقى عميد كلية الإنسانيات بتل أبيب الذى أخبره مبكراً بأن أبوديس ستكون هى عاصمة فلسطين وليس القدس. فقال مراد وهبة: لكن عرفات لن يقبل، وبادره العميد: نشيله ونجيب غيره، قال مراد: وإذا غيره لم يقبل، فقال : نشيله وهكذا لغاية ما نجيب واحد يقبل. ثم راح مراد يشرح بفخر وحفاوة مغزى الحوار الذى على إثره كتب مقاله «أبوديس عاصمة لفلسطين» بأن إسرائيل بتعمل تراكم لأى فكرة على مدار سنين حتى تمهد الآخرين لقبولها، وبإعجاب قال: شوف عملوا إيه من أيام عرفات وصولاً بعد سنوات طويلة لصفقة القرن، وهم يراكمون على الفكرة بما يجعلك تمشى فيها من حيث لاتدرى وتفاجأ اخيراً بالمسألة. إذا لم يكن فى اعترافه هذا إقراراً بأنه رضى أن يكون بوقاً يروج للأفكار الإسرائيلية ويكتبها نيابة عنهم ليمهد لقبولها، أليس فى ذلك إقراراً مهيناً منه، بأنه شريك فى التمهيد للصوص لسرقة الأرض واغتصاب الحقوق؟ ثم أليس فى ذلك انحياز منه للإسرائيليين، وتعصب للدفاع عن أفكارهم والترويج لها؟ أليس التعصب نوعاً من الأصولية والدجماطيقية اللتين طالما صدع رؤوسنا فى التفلسف بشأنهما؟ أليس بذلك يعطى لإسرائيل الحق فيما ينكره علينا؟ ولماذا فى مواجهتنا يقف منتصباً متهماً العقل المصرى الذى لايقبل بما يقول هو ويرى بالتخلف والأصولية، بينما لا يتحدث أبداً لا هو ولا زملاؤه من مجموعة كوبنهاجن للتطبيع المجانى عن العقل الاسرائيلى المراوغ. لماذا يكيل مراد وهبة بمكيالين فى مواجهة قضية سياسية يحيلها هو إلى رؤية فلسفية، ظناً منه أنه يمكن مراوغتنا والهروب بها إلى حيث يريد الاسرائيليون والمحتالون على حقوقنا وعقولنا ورؤانا العادلة معهم.أين الفلسفة والمنطق وحتى الضمير الإنساني مما يقدمه لنا مراد وهبة نيابة عن ودفاعاً عن وتمهيداً للصوص الذين يسرقوننا مرتين.
كان هذا هو الكلام منه، أما الكلام عنه، فموعده المقال القادم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة