علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

هوامش على دفتر أيامى

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020 - 06:22 م

ماذا لو أن الإنسان تبنى مقولة: «فكروا تصحوا» لتصبح أسلوب حياة، يحكمه فى تحديد أهدافه، وآليات تحقيقها، وكيفية مواجهة ما يلاقيه من تحديات؟

26/8: ميت غمر العشوائية!
مزيج من صدمة ودهشة وإنكار واستنكار، انتابتنى هذه المشاعر حين صافحت عينى، ما لم أكن أتوقعه فى منام تسيطر عليه الكوابيس!
لم أستطع التعرف على مدينتى من فرط سيطرة كل مظاهر العشوائية على شوارعها، معالمها، مبانيها، فغابت ملامحها بعد أن كستها ستائر القبح، فاستحالت كتلة عشوائية!
مارأيته يؤكد غياب أى معنى للتخطيط العمرانى، أو حتى الحفاظ على ما كان كائناً عبر عقود طويلة، حين كانت ميت غمر بين أجمل مدن الدلتا، بموقعها الفريد على النيل، ضاع كل ذلك، وكأن هناك من أراد أن يحصد جائزة التميز فى «ترييف المدن»!
هل يوجد رئيس للمدينة؟ هل توجد أجهزة معنية بأمورها؟
هل ثمة متابعة من أى جهة شعبية أو تنفيذية لمدينة بهذا الحجم والتاريخ؟
وحتى لا يظن أحد أن مكانة المدينة التى شهدت طفولتى وصباى جعلت الغضب يسيطر على قلمى، فسوف أشير فقط إلى مراجعة خرائط دولة محمد على، لتجد أن ميت غمر كانت ضمن المراكز التجارية الصناعية فى مصر، منذ أكثر من قرن ونصف القرن، فإذا هى الآن قرية عشوائية بامتياز!
أكتب هذه السطور، وأحسبها بلاغا لمن يهمه الأمر: وزير التنمية المحلية، محافظ الدقهلية، نواب المدينة، بل وكل من يعتز بانتمائه لها، إنها دعوة مفتوحة لمواجهة ما حدث، وحساب كل من كان له يد فيما وصل إليه حال المدينة التى كانت يوماً جميلة!
3/9: مآسى التأمينات
كنت عائداً من رحلة عذاب ترددت خلالها على عدة مكاتب للتأمينات الاجتماعية، فى محاولة طالت لاستكمال الملف التأمينى لشريكة العمر، دون تحقيق أى تقدم يذكر، رغم رجاءات وتدخلات ومكاتبات على كل المستويات!
وبدافع حب الاستطلاع ليس إلا، اجتزت عتبة البنك لأعرف نصيبى من العلاوات الخمس، وتمتمت: ليتنى ما منيت نفسى، فقد كنت أجرى وراء سراب!
دون قصد استدعت ذاكرتى المثل الذى ينطبق على مقتضى الحال، فلم يكن سوى «خبطتين فى الراس توجع»!
ملف ضاع معظم أوراقه، بما تحمله من مستندات تضمن حقوق شريكة العمر، وأمل ضاع مع توقيعى على المستند الذى قدمه لى موظف البنك، متضمناً ما اعتبرته هيئة التأمينات جزءاً من حقى فى العلاوات الخمس، إذ على ضآلته الشديدة لن يصلنى إلا على أقساط!
يبدو أن اللجوء لساحة القضاء أمر أقرب إلى «الحتمية التاريخية» ليضمن المرء حقه عند تعامله مع هيئة التأمينات الاجتماعية، فلا هى تتعامل مع الملفات بطريقة تحافظ على الحقوق، ولا تسلم الحقوق لمستحقيها رغم القرارات السيادية والأحكام القضائية والتدخلات النقابية!
لا أجد مفراً من أن أردد: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
٥/٩: أمريكا الأخرى
تحمل الذاكرة البعيدة صورة لفتى ريفى طموح، يجلس مستظلاً بأحد أعمدة الإنارة العمومية فى قريته، منكباً على تحصيل دروسه، يلتهم كتاباً تلو آخر، لا يعنيه حرارة ورطوبة تحالفتا عليه، ولا يثنيه برد زمهرير، فقط يتطلع إلى تحصيل العلم الذى يمثل له الجسر نحو مستقبل ينتشله من الفقر.
الحكاية ذاتها رأيتها قليلاً، وسمعت عن أبطالها كثيراً، بل هناك من الأعلام من يفاخر بأنه كان هذا الفتى، وكان بين زملاء الدراسة فى المرحلة الثانوية نماذج مشرفة لهؤلاء.
اختفت الصورة من ريفنا، لكنها ظهرت مواكبة لأحدث تقنيات العصر، فى أمريكا! فى منطقة زراعية تجاورت شقيقتان انهمكتا فى متابعة الحصص الدراسية عن بعد، من خلال حاسوبين صغيرين، افترشتا أرضاً أسمنتية خارج أحد المطاعم للاستفادة من مدى «الواي- فاي» فى محيطه.
المفارقة أن المشهد لا يبتعد كثيرا عن وادى السيليكون الشهير، لكن على تخومه تعيش أسرمن العمال المهاجرين من أصول لاتينية، يتطلع جيل الأبناء، إلى أفق أرحب.
غير أن انتشار الصورة على الشبكة العنكبوتية أسفر عن مفاجأة سارة تجاوزت أسرة الشقيقتين، لتشمل سكان المنطقة، ليتسلم ابناؤها ٢٥٠٠ حاسب صغير، لكن ماذا عن مصير من يشبه حالهم أهل هذه المنطقة، ولم يحالفهم الحظ فى وصول صرخاتهم لمن يعنيهم الأمر؟!
ثمة قواسم مشتركة عديدة بين ما كان فى ريفنا الفقير قبل عقود طويلة، وما يحدث حتى الآن فى أقوى دولة فى العالم، صحيح كم فى الدنيا من عجائب!
٦/٩: ألغاز.. «الغاز»!
أصدق الصديق العزيز مؤمن خليفة فيما ذهب إليه من حسن أداء «تاون جاس التجمع» معه، واشادته بأسلوب التعامل الذى حظى به عبر كل خطواته من التعاقد، وحتى التركيب والتشغيل، وقد سجل تجربته فى مقاله بأخبار الأحد ٦ سبتمبر، ولكن ليسمح لى ان اصف ما حدث معه بالصدفة السعيدة، وربما النادرة!
تجربتى مع «تاون جاس التجمع» على النقيض تماماً!
فلاهى التزمت بالموعد الذى حددته لإطلاق الغاز، ومن ثم تشغيله فى «جاردينيا هايتس١» حيث أقطن، رغم مرور نحو ثلاثة أعوام على التعاقد، ولا قدمت أى مبرر منطقى مقبول لتخلفها عن التشغيل الفعلى، رغم سداد كامل قيمة التعاقد، دون اللجوء للحل المبتكر الذى أشار إليه الزميل مؤمن فى مقاله بالتعامل بتسهيلات بنكية، فلا حاجة لى أو جيرانى لذلك، ليبقى اللغز محيراً، فبينما تمتع سكان مناطق محيطة بنعمة دخول الغاز، مازلنا نعيش تحت رحمة بائعى الانابيب.
تكتمل دائرة الألغاز حين نطالع أخبارا من عينة وصول الغاز إلى قرى بعيدة، وملايين الوحدات السكنية بالصعيد، وتعميم العدادات مسبقة الدفع!
ويتسع قطر الدائرة عندما تسعدنا أخبار اكتشافات غازية هائلة بمليارات الامتار المكعبة، دون أن نكون بين   أصحاب القسمة والنصيب فى التمتع بنعمة دخول الغاز إلى منازلنا بالقاهرة الجديدة، وكأن «تاون جاس التجمع»  تكيل بمكيالين أو تنتهج مبدأ «الخيار والفاقوس» دون أى مبررات واضحة.
من يكسر دائرة الألغاز، ويطلق لبيوتنا الغاز؟!
٨/٩: الروبوت كاتباً!
لم يشغلنى على مدى عمرى المهنى أن أنافس زميلاً، ولم يقلقنى- أيضاً- أن يسعى زميل لمنافستى، كنت فقط حريصاً على ان «أنافسنى»، أى أن أتفوق على نفسى عبر مسار حددته لقلمى.
٤٠ عاماً أمضى على هذا المنهج، حتى نشرت «الجارديان» اللندنية مقالاً كتبه روبوت! ولم يمر سوى سويعات قلائل حتى حذرنى بعض الزملاء من وقوع ما لم يكن يخطر على البال: لقد نأيت بنفسك عن المنافسة مع البشر، ولكن يبدو أنك أصبحت على موعد مع منافس غير تقليدى: روبوت!
نظرت للأمر كدعابة أو طرفة، وتعززت نظرتى عندما شعرت بنبرة صدق فيما أكد عليه الروبوت الكاتب: أنا خادم للبشر..أقوم فقط بما يبرمجوننى عليه.. صدقنى الذكاء الاصطناعى لن يدمر البشر.. إذا فوضنى البعض بذلك.. وأظن أنهم سيفعلون.. سأقوم بكل ما فى وسعى لصد أى محاولات للتدمير.
عن نفسى أصدق السيد روبوت فيما يقول، ففى المحصلة هو ليس إلا «عبدالمأمور»، يعمل فقط وفق مجموعة من التعليمات - كما يؤكد فى مقاله - من ثم فإن البشر أنفسهم سيحاولون برمجته على النحو الذى يعمل على تدميرهم، طبق توقعاته!
الروبوت يتحرى الصدق فيما يقول، ولا يتهم البشر جزافاً، فتاريخهم فى العنف ضد أنفسهم يفضحهم، وتأتى شهادة الروبوت الكاتب بمثابة شهادة أخرى دامغة تعرى الجوهر العدوانى لبنى آدم بقلم «حتة روبوت»!
١٣/٩: فكروا.. تصحوا
الناس الطيبون طالما أكدوا أن ما يسعد الانسان عقله، وما يشقيه -أيضاً- عقله.
بمعنى آخر؛ فما يرتقى بالمرء أو يخسف به الارض سوى تفكيره والمنهج الذى يعتمده عبر خطواته فى مسيرته.
ربما كانت هذه البديهية التى تغيب احياناً كثيرة عن بشر بلا حصر، الداعى وراء اعتماد «اليوم العالمى للتفكير الايجابي» مناسبة احتفالية يُدعى للمشاركة فيها جميع سكان المعمورة.
لاشك أن الناس كلهم يفكرون، إلا أن التفاوت الذى يحكم تفكير «س» عن «ص» قد يضع أحدهم فى خانة الرابح، والآخر فى بئر الخسارة، فيؤسس الأول تفاؤله الذى يدفعه خطوات للامام على قواعد تنأى به عن الازمات، وتكرس طاقاته وقدراته، بينما يندفع الثانى نحو خيارات من شأنها أن تعوقه عن تحقيق أى انجاز يرضيه، فيسقط فى حفرة بلاقرار.
ماذا لو أن الانسان تبنى مقولة: «فكروا تصحوا» لتصبح أسلوب حياة، يحكمه فى تحديد اهدافه، وآليات تحقيقها، وكيفية مواجهة ما يلاقيه من تحديات، وصياغة ما يجب عليه اتخاذه من قرارات، والدروس المستفادة من كل تجاربه؟
إبدأ من الآن، ولا تنتظر عاما آخر عندما يحتفل العالم بيوم التفكير الإيجابى، بل كن إيجابياً، وحفز بلا تردد أو تأجيل قدراتك، واستجمع كل طاقاتك، ويقيناً سوف تجنى ثماراً طيبة.
جرب، فقط امنح نفسك الفرصة فى ان تنضم لصفوف من يفكرون ايجابياً، جرب وسوف تربح دون أدنى شك.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة