عبدالله البقالي
عبدالله البقالي


حديث الأسبوع

قلق مشروع على مصير الحياة

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020 - 06:29 م

بقلم/ عبدالله البقالي

يجمع الخبراء والمتخصصون على أنه لم يعد من خيار آخر أمام البشرية غير وضع الطبيعة فى أولويات السياسات العمومية المتعلقة بجهود التنمية المستدامة، والاستثمار فى استعادة سلامة نظم الدعم الطبيعية للأرض، ويَرَوْن أن العام الجارى الذى تعيش فيه البشرية أزمة طارئة غير مسبوقة فرصة تاريخية تتيح إمكانيات مهمة لتحقيق هذه الغاية بالنظر إلى الأحداث البارزة التى سيعرفها، من قبيل قمة التنوع البيولوجى المقررعقده فى نيويورك خلال الشهر الجاري، ومؤتمر آخر فى نفس الموضوع ستحتضنه مدينة كونمينغ الصينية فى بحر الشهر المقبل، إضافة إلى انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المزمع تنظيمها بمدينة جلاسكو باسكتلندا خلال شهر نوفمبر المقبل. ويستحضرون فى هذا الصدد الرهانات المصيرية المطروحة، لأن هناك مليون نوع من مختلف الكائنات الحية مهددة بخطر الانقراض على المدى القريب، وتغير المناخ أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل الحياة فى الكون.
إن تزاحم انعقاد المؤتمرات والندوات فى فترة قصيرة حول موضوع مصير التنوع البيولوجى فى العالم يكشف عن مدى القلق البالغ الذى يشغل المجتمع الدولى حول قضية مصيرية، التى دقت دراسات حديثة كثيرة فى شأنها ناقوس الخطر. فقد نبه تقرير حديث صادر عن جريدة (الجارديان) إلى أن الكتلة الحيوية للحيوانات البرية قد انخفضت ب 82 بالمائة، ويتوقع انقراض ملايين من الفصائل الحيوانية الأخرى، كما أن النظام البيئى فقد نصف مساحته.
تقرير آخر صادر قبل أيام عن هيئة الأمم المتحدة المختصة بالطبيعة يكشف عن معطيات وإحصائيات مذهلة وخطيرة، حيث يعلن عن تضرر كبير لبنية التنوع البيولوجى فى العالم خلال السنوات الممتدة من 1970 إلى 2016، ويوضح فى هذا الشأن انقراض 68 بالمائة من الفقريات (الطيور والأسماك والثدييات والبرمائيات والزواحف وغيرها) ويقول تقرير آخر حديث صادر عن شركة بريطانية متخصصة فى عالم الحيوانات إنها أخذت بالاعتبار المعطيات العلمية المتعلقة ب 20811 من أصناف الكائنات، ضمنها 4392 كائنا حيوانيا، وخلصت إلى تسجيل الانخفاض المهول للثدييات المتوحشة خلال أقل من خمسين سنة الماضية.
وبالعودة إلى تقرير المنظمة الأممية المختصة فى الطبيعة الذى صدر حديثا تحت عنوان (مؤشر الكون الحى) فإن المناطق الاستوائية فى العالم تعتبر أكثر تأثرا فيما يتعلق بالإضرار بالتنوع البيولوجي، حيث يصل معدل الانقراض فيها إلى 94 بالمائة، خصوصا فى منطقة أمريكا الوسطى والكاريبى، فى حين يصل هذا المعدل فى القارة الإفريقية إلى 65 بالمائة. كما توقف التقرير عند تدمير ما يقارب من 90 بالمائة من المناطق الرطبة فى العالم منذ سنة 1700 إلى اليوم، وعند الأضرار البليغة التى تسببها الإنسان لملايين الكيلومترات من الأنهار، مما كانت له تأثيرات كبيرة على ديموغرافية الكائنات الحية، منها 3700 صنف من هذه الكائنات، بِما يمثل مليون كائن حيوانى يفوق وزنها ثلاثين كيلو جراما من أسماك ضخمة ودلافين وفرسان النهر وثعالب الماء والقنادس، وأعطى التقرير مثالا على ذلك بتشييد السدود الذى يحول دون هجرتها وبحثها عن التغذية والإنجاب.
من جهة أخرى، أشار علماء متخصصون إلى أن وتيرة المخاطر المحدقة بالتنوع البيولوجى زادت سرعتها بشكل مذهل فيما يتعلق باستغلال الأرض والمياه بسبب الاستغلال المفرط والتغيرات المناخية، وأن الأنظمة المستعملة فى الإنتاج الغذائى تمثل أكبر تهديد للأرض، واستدلوا بظاهرة اندثار المساحات الغابوية التى وصلت نسبتها إلى 80 بالمائة من المساحة الغابوية الإجمالية، وبانبعاثات غازات الاحتباس الحرارى التى بلغ معدل زيادتها إلى 30 بالمائة،وبضياع 50 بالمائة من المياه العذبة.
حجم الكارثة يسائل المجتمع البشرى فيما يتعلق بمصير التنوع البيولوجي، لذلك تساءل التقرير الأممى عما إذا كان بالإمكان الحد من المخاطر، أو على الأقل تخفيض وتيرة الدمار؟ وجوابا على هذا السؤال يجيب تقرير أنجزه الصندوق العالمى للطبيعة (WWF) بالتعاون مع مجموعة من منظمات المجتمع المدنى ومن الخبراء المتخصصين الذين اجتمعوا فى تحالف (Beding the curve) (لنعكس المنحنى) باقتراح سبعة سيناريوهات تتطرق بالتفصيل إلى ضرورة تغيير السلوك الإنسانى، بيد أن دراسة أخرى نشرت فى مجلة (الطبيعة Nature) تجيب على هذا السؤال المحورى بحتمية اعتماد مقاربة شمولية مندمجة تتضمن تدابير حمائية طموحة من شأنها تغيير المنحنى فيما يتعلق بالتنوع البيولوجى فى أفق سنة 2050، من قبيل الزيادة فى معدل حماية التربة من 15 حاليا إلى 50 بالمائة، وتعديل ومراجعة أنظمة الإنتاج الفلاحي، وتخفيض ضياع الغذاء إلى النصف، وتقليص استهلاك البروتينات الحيوانية إلى النصف. وزيادة الوعى بالمخاطر المحدقة بالتنوع البيولوجى مما يساعد فى تعبئة الأشخاص والجماعات من أجل ضمان أعلى معدلات التعبئة.
الأكيد فى ضوء جميع هذه المعطيات أن وضعية التنوع البيولوجى أصبحت مقلقة، وأن الأنشطة البشرية تزيدها تعقيدا وخطورة، والأكيد أيضا أن هناك ضعفا بالوعى بأن حياة الإنسان مرتبطة أشد الارتباط بمستقبل هذا التنوع، لأن الأمر يتعلق بمصادر حاسمة لاستمرار الحياة على وجه البسيطة، لذلك سيكون مشروعا أن يسود الخوف على مصير حياة كل فرد فى هذا الكون.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة