جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

الحياد القاتل

جمال فهمي

الخميس، 24 سبتمبر 2020 - 06:31 م

عندما يحتدم الصراع والعراك بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الظلم والعدل، بين القهر وطالبى الحرية.. هل يليق هنا موقف «الحياد» طلبا للسلام والسلامة؟
هذا السؤال الإنسانى الخطير، أجاب عليه المسرحى الألمانى العظيم، بريتولد بريخت (1898- 1956) فى مسرحية شهيرة كتبها من فصل واحد فى العام 1936 أثناء الحرب الأهلية الأسبانية التى كانت مشتعلة بين الفاشيين من جهة، والجمهوريين التقدميين والديموقراطيين فى الجهة الأخرى.. أما اسم المسرحية فهو «بنادق الأم كرار».
تبدأ المسرحية بمشهد تمهيدى يجيب البطل فيه صراحة وبوضوح تام عن السؤال العتيد، مؤكدا أنه فى صراع من هذا النوع يصبح «الحياد» انضماما فاضحا للطرف الظالم ولا يجلب أى سلام ولا يضمن أية سلامة.
أما حكاية المسرحية فهى تبدأ بعد هذا المشهد المستدعى من النهاية إلى المقدمة، فنعرف أن أسرة فقيرة كانت تعيش فى إحدى مناطق أسبانيا أيام الحرب الأهلية، مات الزوج وهو يقاوم الفاشيين، فآلت الأم على نفسها أن تنأى بولديها عن الانخراط فى هذه الحرب، إذ تعتقد أن زوجها لقى حتفه لأنها لم تضغط عليه بما يكفى لكى لا يتورط مع الثوار، لهذا هى تعمل كل ما فى وسعها حتى تحمى ولديها، على رغم علمها بأن شقيقها»بيدرو»منخرط تماما فى الحرب ضد الفاشيين.
بيدرو هذا يحاول إقناع الأم أن تدله على سلاح كان زوجها يخفيه فى المنزل قبل أن يُقتل، لكنها تأبى تماما التزاما بموقفها المحايد فى الحرب، يحدث هذا بينما ابنها الأصغر يتابع الجدل المستمر بين أمه وخاله، مبديا تعاطفه مع موقف الخال، ولا يكف عن إظهار إشارات تشى باقتناعه بأن المشاركة فى الحرب ضد الفاشيين إنما هى واجب على أمثاله من الفقراء، كما يعيب أيضا على أخية الأكبر عدم اكتراثه بما يحدث فى الوطن وأنشغاله بعمله كصياد بائس.
إذن، الابن الأكبر كان غائبا عن كل هذا الجدل العائلى لوجوده فى عرض البحر يصطاد، وفى اليوم المقرر لعودته تنتظره العائلة أمام الشاطئ ومن بعيد يلوح مركبه الصغير تنبعث منه إضاءة واهنه تتعلق بها عين الأم، لكن فجأة ينطفأ نور القارب فتظن الأم أن أبنها الكبير ربما التحق بالثوار وذهب معهم إلى الحرب، ولم تكن تعرف أنه برىء وأن الحرب، فى تلك اللحظة، هى التى ذهبت إليه، وتَعرَض قاربه لغارة من القوات الفاشية أدت لمقتله من دون ذنب ولا قتال.
بعدها ينفجر الحزن والغضب فى صدر الأم وتقرر ليس فقط إسقاط حيادها وإعطاء شقيقها الأسلحة المخبأة فى دارها، بل أكثر من ذلك تطلب منه أن تحارب هى وابنها الأصغر فى صفوف الثوار.
وتظل الأم هكذا حتى يقبض الفاشيون عليها هى وأخاها ليقبعا معا فى أحد معسكرات القوات الفاشية، وفى هذا المعسكر الرهيب يدور الحوار (الذى استُهلَتبه المسرحية) بين بيدرو وواحد من حراس المعسكر الغلابة، يقول هذا الأخير ما معناه أنه لا جدوى من المشاركة فى حرب معروف نتائجها مسبقا (يقصد الحرب ضد قوى الظلام والفاشية)، فيرد بدرو وهو يشير إلى شقيقته قائلا: «.. هى أيضا تساءلت عن جدوى النضال، لكنها لم تبق على حيرة تساؤلها حتى النهاية وانما لفترة قصيرة.. لكن ثمة آخرين مثلها طرحوا هذا السؤال، ثم ظلوا يطرحونه حتى النهاية، وأقول لك، أننا لم نهُزم ولم ينتصر علينا الفاشيون أعداء الحياة، إلا لأن هؤلاء ظلوا يتساءلون زمنا طويلا».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة