توجد في أرشيف السينما المصرية لقطة صامتة للملك عبد العزيز مع الملك فاروق في زيارته لمصر. التي كانت في وقتها حدثاً. بعدها تعددت الزيارات. جاء الملك فهد إلي مصر. وأصبح استقباله جزءاً من تاريخ الوجدان المصري. ثم جاء الملك فيصل قبل أو بعد موقفه التاريخي بوقف تصدير البترول للغرب خلال حرب السادس من أكتوبر. وكان جزءاً من منظومة العمل العربي المشترك التي ساندت ودعمت مصر في حربها لاسترداد أرضها المحتلة.
السعودية ومصر آخر بلدين عربيين كبيرين بقيا من البلدان العربية التي عاصرناها في القرن العشرين. لن أحصي ما ضاع منا. أو ما في طريقه للضياع. لكن القاهرة والرياض يمكن أن يلعبا دور وتد الخيمة العربية في زمن تعصف بها الرياح وتوشك أن تقتلعها من جذورها.
لا يوجد تطابق كامل بين أي بلدين في العالم. حتي لو كانا إقليمين في دولة واحدة. المصالح تتباين والمواقف تختلف والاهتمامات تتباعد. لكن لو أن بلدين كبيرين مثل مصر والسعودية فرقا بين الثوابت والمتغيرات لشكلا ركيزة هامة في مواجهة زمن يحاول اقتلاع فكرة العروبة واستبدال الصراع العربي الإسرائيلي بصراعات عربية عربية أو عربية إسلامية. ولا يجب أن ننسي ما قاله هنري كيسنجر عندما جاء لمصر بعد حرب السادس من أكتوبر. قال يومها من القاهرة إنه لن يصدق ان الصراع العربي الإسرائيلي انتهي ما لم تنشأ صراعات عربية عربية بديلة لهذا الصراع. وهو ما يحاولون القيام به منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتي الآن.
أي تقارب عربي بين مصر والسعودية يخدم ثوابت الموقف العربي الآن. ويبعدنا عما يراد بنا ويراد لنا. وعندما نستعيد قراءة كتاب شيمون بيريز: الشرق الأوسط الجديد. لا بد أن نتكاتف معاً وأن ننحي الخلافات وأن نبعد النعرات. وأن ندرك الهدف من المؤامرات الموجهة لنا. وأن نعتبر أنه لم يبق للعرب سوي أن يتكاتف من بقي منهم علي ما كانوا عليه حتي لا يطال الجميع ما حدث للبعض.
الملك سلمان عندما كان أميراً. وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي سنة 1956، أعلن تطوعه في الجيش المصري للدفاع عن مصر، باعتبارها بلده. حدث هذا في منتصف خمسينيات القرن الماضي. وقبل أن نصل إلي الحلم القومي العربي الذي عشناه منذ ستينيات القرن الماضي وحتي وقت قريب.
قابلت الملك سلمان عندما ذهبت إلي المملكة العربية السعودية ضيفاً علي مهرجان الجنادرية. كان أميراً للرياض. وذهبت مع ضيوف المهرجان وقتها. ما زلت أذكر أنني كنت في معية يوسف إدريس، محمود السعدني، جمال الغيطاني، كامل زهيري، وغيرهم كثيرون من المثقفين المصريين الذين كانوا يشاركون في المهرجان.
قضينا معه وقتاً طويلاً. تكلمنا نحن أولاً واستمع إلينا بقدرة علي الإنصات نادرة. وعندما تكلم هو اكتشفنا قدرة لم نجدها عند الآخرين علي التفكير وطرح الأمور وربط المسببات بالنتائج وتناول القضايا بعيداً عن الطرطشة العاطفية والشيفونية القُطرية. كان عقلاً مختلفاً عن الآخرين.
عند وفاة الأستاذ هيكل اتصل بي سفير المملكة العربية السعودية في مصر، أحمد عبد العزيز القطان. وأبلغني أن الملك سلمان يريد أن يتصل بأسرة الأستاذ هيكل بنفسه ليقدم لها العزاء في وفاته. سألني: من الذي يكلمه؟ رجعت للأسرة وعُدت أقول للسفير انها السيدة هدايت تيمور، رفيقة درب الأستاذ وشريكة رحلته والأقرب بين كل البشر إلي وجدانه وروحه.
أعطيت رقم تليفونها الخاص للسفير السعودي. لكن الأسرة أبلغتني بعد قليل أنها لا ترد علي التليفونات بسبب أن من يطلبونها يتصلون بها علي مدي الأربعة وعشرين ساعة من كل يوم. وطلبوا أن يكون الاتصال علي تليفون الدكتور أحمد هيكل، ويعطي التليفون لوالدته لترد علي الملك.
بعد قليل عاود السفير أحمد عبد العزيز القطان الاتصال بي ليقول لي ان الاتصال تم فعلاً بين جلالة الملك والسيدة هدايت تيمور. وأكمل أن الإعلان عن الاتصال لوسائل الإعلام المختلفة متروك لنا إن أردنا إعلانه، فهذا من حقنا، وإن أردنا عدم إعلانه فهذا حق لنا أيضاً. ولم أسأل السيدة هدايت ماذا جري في الاتصال بينها وبين الملك. لكن المهم عندي أن الرجل كان حريصاً علي أن يقدم العزاء في وفاة الأستاذ هيكل. وكانت تربطه بهيكل علاقة حكاها لي الأستاذ بتفاصيل كثيرة دقيقة. لكني أعتذر عن حكايتها الآن مع أن فيها كثيرا من التفاصيل المهمة.
ما يعنيني تلاقي الشعبين كمقدمة لتلاقي العرب جميعاً في زمن يحتاج كل واحد منا أن يقترب من الآخر وأن يحتمي به وأن يعتصم بوجوده في مواجهة ما يُراد بنا.