أصبح المهرجان حقيقة لا تخصنا وحدنا. ولكنها تخص المهتمين بفن السينما في مصر وإفريقيا والأشقاء العرب الأفارقة

ثلاثة أيام قضيتها في الأقصر لحضور مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الخامسة. من 17 إلي 23 مارس 2016، حضرت وقائع الافتتاح في البر الغربي. وتابعت المهرجان في اليومين الأول والثاني وشاهدت فيلم: نوارة. الفيلم الثالث للمخرجة المتميزة الواعدة: هالة خليل.
وفكرة إقامة مهرجانات سينمائية خارج القاهرة والإسكندرية مهمة. لأن القاهرة ومن بعدها الإسكندرية احتكرتا المهرجانات السينمائية وغيرها من الفعاليات الثقافية. لدرجة شكلت عدواناً علي أنحاء مصر المختلفة. أسعد بأي مهرجان يقام خارج القاهرة، وبعيداً عن الإسكندرية. لأن المدن الأخري غيرهما ربما كانت في أمس الحاجة لأنشطة ثقافية يراها المواطن الذي يعيش في الأقصر أو الإسماعيلية أو أسوان أو الغردقة. وأتمني أن تمتد المهرجانات لأماكن أخري في مصر يسمع المواطن الذي يعيش فيها عن الفنون ولا يراها.
ها هي إفريقيا السينمائية. فهل اكتشفنا مؤخراً أننا أفارقة؟ مع أن كتاب جمال عبد الناصر: فلسفة الثورة. يعتبر الدائرة الإفريقية واحدة من دوائر المجال الحيوي لمصر. ليس لأن مصر - بالجغرافيا - إفريقية التكوين. ولكن لأن إفريقيا بالنسبة لمصر مجال حيوي وامتداد حقيقي.
هل نتناسي أن النيل واهب الحياة نهر إفريقي؟ نتحدث عن إثيوبيا بسبب ملابسات سد النهضة. وهي ملابسات محزنة. وطريقة تعاملنا معها أكثر حزناً من مجرد إقامة السد. لكن ما أقصده إفريقيا كلها. ربما نهتم بشكل خاص بدول حوض نهر النيل. باعتبارها واهبة الحياة للمصريين. لكن إفريقيا القارة البكر التي تنتظر دوراً مصرياً تأخر كثيراً. وتأخره تركها نهباً لكل من «هب ودب» وآخر من يعبثون بإفريقيا العدو الإسرائيلي. لكنها حكاية أخري.
رأيت أهل الأقصر سعداء بالمهرجان وبنجوم مصر وإفريقيا والعالم الذين جاءوا للمشاركة في أعمال المهرجان. شاهدت زحاماً ما كنت أتصور وجوده في افتتاح المهرجان وفي العرض الخاص لفيلم: نوارة. ولم تمكنّي ظروفي من الاستمرار في المهرجان حتي أشاهد فيلم محمد خان الجديد: قبل زحمة الصيف.
أعرف الكثير من صعوبات تمويل المهرجان. وشاركت رئيسه سيد فؤاد ومديرته عزة الحسيني صعوبات الحصول علي التمويل. وإن كان العام الخامس حلت مشاكله المالية. فأنا أتمني من الدولة المصرية أن يكون هناك اعتماد مالي دائم ومستمر علي شكل حساب مالي في أحد البنوك يخصص للإنفاق علي المهرجان. بدلاً من اللجوء للوزارات الراعية. وعلي الرغم من ترحيب وزراء الثقافة والسياحة والشباب والرياضة ومحافظ الأقصر بدعم المهرجان. لكن الارتباك المالي الذي تعاني منه مصر يجعل الوفاء بالوعود مسألة صعبة.
وزير المالية السابق هاني قدري اعتمد ميزانية لمهرجانات القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية. تُصبح جزءاً من ميزانية وزارة الثقافة وتخصص لهذه المهرجانات. لماذا لا يعامل مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية بنفس المعاملة؟ لا أحب أن يكون سلوك الوزراء شخصياً مائة في المائة. ذهب هاني قدري وجاء غيره. وإن كانت ثوابت الدولة المصرية لا يجب أن تغيرها تغييرات الوزراء.
أصبح المهرجان حقيقة لا تخصنا وحدنا. ولكنها تخص المهتمين بفن السينما في مصر وإفريقيا والأشقاء العرب الأفارقة. ولذلك فإن جزءاً من وفاء مصر بالتزامها تجاه أشقائها يعني أن يقام هذا المهرجان في موعده. وأن نمكنه من ذلك بدلاً من مغامرة البحث عن تمويل كل عام. وكأن الأمور في مصر تبدأ من الصفر دائماً.
من الصعب ألا أتطرق للسياحة ومحنتها غير العادية. كان قلبي يوجعني وأنا في الطريق إلي الأقصر عندما أجد المطار الداخلي خالياً من الناس. وإن وجدت سائحاً فإن هذا يكون بمنطق الصدفة غير القابلة للتكرار. المحلات خالية، الشوارع لا سياح فيها، ولعدم وجود السياح فمن يتعاملون معهم من الأهالي لا نجدهم.
وما دامت أزمة السياحة تمسك بخناقنا. وكلما تصورنا أننا يمكن أن نخرج من هذا المأزق يأتي هذا الحادث أو ذاك. ليعيدنا إلي المربع رقم 1. لذلك فإن النشاط الثقافي خاصة - السينمائي - يمكن أن يشكل رافداً من أهم روافد استعادة السياحة المصرية التي تشكل حجر الزاوية في خروجنا من المأزق الذي نعيشه الآن.
أعرف مشاكل مصر. ولكني أحلم أن يهتم بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية المسئولون الكبار في مصر. وفي المقدمة منهم الرئيس عبد الفتاح السيسي. الذي اهتم كثيراً بإفريقيا، وجعلها حاضرة في وجداننا. والمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، ووزير الثقافة حلمي النمنم، والدكتور عمرو الجارحي وزير المالية. طبعاً لا نُغفل الجهد المشكور للمهندس خالد عبد العزيز وزير الرياضة، ويحيي راشد وزير السياحة.
عدت ومعي مطبوعات المهرجان. ولعل أهمها الكتاب الذي أعده علي أبو شادي: عمر الشريف في عيون الدنيا، مقالات من الصحافة العالمية.