منذفاز جون هارسانى ومواطنه الأمريكى جون فوربس ناش مع الألمانى رينهارد سوليتين بجائزة نوبل فى الاقتصاد عام 1994 فقد تحولت نظريتهم عن «توازن المباريات أو قواعد اللعبة الاقتصادية» إلى منهج استرشادى استفاد منه صناع القرار فى عوالم السياسة والعلاقات الدولية، كما وظفه الباحثون فى مجالات الاجتماع وعلم النفس وحتى العلوم البيولوجية المتطورة.وقد أريد لنظرية المباريات أو قواعد اللعبة أن تكون تعبيراً رومانسياً بديلاًعن «منهج إدارة الصراع» وصولاً لاحتمالات التعاون بين الدول والمؤسسات والهيئات والمنظمات والشركات عابرة القارات، وحتى داخل المجتمع الواحد والدولة الوطنية الواحدة لتكون حكماً بين الفاعلين فى سياساتها الداخلية، باعتبار طبقات المجتمع الواحد ومؤسساته وأحزابه ونشطائه لاعبين يتغيون الفوز فى المباراة الواحدة وفق قواعد محترمة أصبح العالم الحديث حريصاً على وجودها وتطبيقها.
ووفقاً لهذه المفاهيم فقد أضحت السياسات الدولية وحتى نظيرتها الداخلية مباريات تحتمل المكسب الحاسم «مباراة صفرية» يكسب فيها طرف بهدف أو أكثر مقابل لاشئ وهنا ينشأ الصراع، أو تكون مباراة غير صفرية تحتمل التعادل السلبى وكذا التعادل الإيجابى فينفتح المجال للتعاون، والمباراة فى كل الأحوال رهن للخطط والاستراتيجيات التى تتبعها الدول حيال بعضها البعض، أو المجتمعات فى تكويناتها السياسية المختلفة، واللاعبون فيها على اختلاف مهاراتهم وكفاءتهم وإخلاصهم.بهذا الطرح أصبحت السياسة لعبة لها قواعدها كمثيلتها فى عالم المباريات الرياضية، لكن من أسف فقد اعتاد الكبار على تطويع قواعد اللعبة لصالحهم أو رشوة الحكم أو موالسة اللاعبين «مزدوجى الولاءات والطابور الخامس» لحصد نتيجة المباراة، وهنا يتعهد منظمو اللعبة الكبار «الفيفا السياسية» بمحاباة الفرق الكبرى وربما مجازاة الفرق الفقيرة ولاعبى الأقاليم إذا ماتقدموا بالشكوى واستنجدوا بلجنة الحكام والفيفا السياسية العالمية الكبرى. من هنا تبدى ظلم النظام العالمى الذى نعيشه، وتبدت معها أيضاً سوءات النظم السياسية فى دولنا السنية وعالمنا الثالث.
ربما طالت بنا المقدمة، لكنها حتماً سيكون مردودها أكبر لتوضيح مأزقنا السياسى الدولى والمحلى فى عالمنا المعاصر وبلادنا المحروسة، حيث الغرب «الأنجلوساكسون»يحاول أن يلاعبنا مباراة صفرية ساحقة ماحقة، ويعاقبنا أيضاً إذا مارفضنا خروج الحكم «الأمريكى - الغربى» على قواعد اللعبة أو موالسته لصالح كبار العالم ومحركى الدمى «الفرق» الكبار. وإجبارنا على البقاء دوماً فى دورى المظاليم.ولقد استسلمت مصر طويلاً لهذه القواعد الظالمة منذ رهن السادات 99% من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وكان خلفه أكثر تفريطاً فى بقية الأوراق لصالح المخططات الصهيوأمريكية. وجاء بعده الإخوان ليحولوا قواعد اللعبة «لسيما أونطة» وماتش تباع فيه سيناء وحلايب وشلاتين وهويتنا الوطنية ثمناً لبقائهم وحكمهم وأمميتهم وخلافتهم المزعومة.
فى 30 يونيو نزلت الجماهير بعشرات الملايين للملعب وطردتهم، وهزمت فريقهم الموالس وطردت الحكم الدولى الظالم وأفشلت مخططاته وتابعيه، وأسروها فى نفوسهم وراحوا يترصدون جيشنا الوطنى وقائده الذى استدعته الجماهير ليعيد للعبة قواعدها واحترامها. لعب السيسى باقتدار ومعه رجال أشداء مؤهلون، وهم قلة حوله مباراة فرض قواعدها ونتيجتها وفك الحصار الخارجى عن مصر، وكسبنا مباريات دولية عديدة بالتعادل السلبى أحياناً والإيجابى معظم الأحيان، لكن وكعادتنا المصرية القديمة فرطنا فى كثير من مبارياتنا المحلية التى استوزرنا واستوظفنا فيها فرقاً من الهواة والمعاقين، فخسرنا مباريات عديدة كادت تعيدنا لدورى المظاليم مرة أخرى. وإذا بهم يرفعون كارتاً أصفر تلو الآخر فى وجه السيسى رأس الحربة ويحاولون إخراجه من اللعب والمباريات أكثر من مرة، واليوم يعلنون فى الكونجرس والنيويورك تايمز والواشنطون بوست ومراكز الفيفا السياسية الدولية الظالمة أنه لابد من إخراج السيسى من الملعب بالكارت الأحمر أو بالحكم الظالم أو بعض الموالسين من لاعبى فريقنا أو المدربين غير المحترفين ولا الواعين. وفجروا فى وجوهنا ألغام اللعب بالتجار ورؤوس الأموال غير الوطنية واللعب فى الدولار وجنون ارتفاع الأسعار وحادث الطائرة الروسية وضرب السياحة وتعقيدات مقتل روجينى وقرار البرلمان الأوروبى ومجلس حقوق الإنسان فى جنيف وتهديدات وزير خارجية أمريكا واللعب على حدودنا الغربية والجنوبية وتهريب السلاح وعمليات الإرهاب المسلح فى سيناء وختمت بالأمس باختطاف طائرة مصر للطيران، كل هذه التهديدات الخطرة التى تمس أمننا القومى المباشر، إنها ليست مباراة عادلة لابد لنا فيها من إعادة تغيير قواعد اللعبة، واستعادة زمام المبادرة، وأولها التهدئة العاجلة فى قضايا حقوق الإنسان لنزع فتيل الأزمة التى تحكم دوائرها ضدنا.
إن تحسين صورة مصر فى الخارج تحتاج تدخلاً عاجلاً ومباشراً من الرئيس السيسى لتسوية مشكلات الجمعيات الحقوقية التى أكثرها ولاؤها للخارج وكثير منها صنيعة الإخوان وتنظيمهم الدولى، ويستخدمون مخلب قط ضدنا لكن قواعد اللعبة الدولية تقتضينا احتواء الموقف فى مباراة تعادلية وليست صفرية. ولعل الظروف تخدمنا بحادثى إرهاب بروكسل وإطلاق النار على الكونجرس الأمريكى الذى يمكن معها إدراج الأمريكان للإخوان منظمة إرهابية. وحسنا فعل النائب العام أول أمس بالإفراج عن نشطاء 6 أبريل، ولعلنا نبادر بتسوية ملفات الشباب المحبوسين من أنصار 30 يونيو ويناير من غير الإرهابيين.
ولايفوتنا الإشارة إلى تحرك الرئيس فى اتجاه تغيير قواعد اللعبة بوقف المساخر الداخلية التى حاول البعض أن يجعل منها مباريات خارج كل القواعد التى تقبلها الدول المحترمة، لقد احتمل كثيراً وصبر أكثر وتباطأ قراره لحسابات ربما أخلاقية، وإذا به يفاجئنا بقرار الأمس بعزل هشام جنينة وقبلها إعفاء الزند وإسقاط عضوية عكاشة وغلق الفراعين للهلفطة وقلة الحياء، ولعله يكمل جردته الميدانية فى وقفة تعبوية لتنظيم الإعلام بإصدار قوانينه التى أشار إليها الدستور، وبمحاسبة المسئولين المقصرين فى أى موقع وإخراج الكارت الأحمر فى وقته وحال وجوبه. ولعل الرئيس يكمل أيضاً مبادرته بتغيير قواعد اللعبة فى ضربة معلم للسماح لحمدين صباحى وعمار على حسن بمؤتمر عام يقدمان فيه بديلهما الذى يتحدثان عنه تحت رعاية الرئيس شخصياً وبدعوة منه، وفى هذا يعيد الرئيس ترميم معسكر يناير- يونيو، ويرى العالم كله أنه قائد مسئول مؤمن بالتحول الديمقراطى على خلاف كثيرين ممن حوله،وهو أكبر وأبعد مايكون عن الاعتبارات الشخصية والمنافسة السياسية التى يتحسب لها غيره لاهو، فهو يعرف قدره عند شعبه، وهو أعز من كل المباريات التى يحاول البعض فرضها على تجربته وعلينا.
ولماذا لايدعو الرئيس لمؤتمر لحقوق الإنسان بحضوره ورعايته تسوى فيه كل الإشكاليات، ويفتح صفحة جديدة نباهى بها العالم ونفاجئه مرة أخرى بأننا غيرنا قواعد اللعبة وكسبنا المباراة وحولنا المحنة التى أرادوها لنا منحة والمؤامرة فرصة.
سارع ياسيادة الرئيس بترميم الصورة العامة داخلياً وخارجياً، غير قواعد اللعبة كما فعلت من قبل، غلب روح التعاون والتوازن ولاداعى لمباريات صفرية لا فى الداخل ولا فى الخارج. هذا فعل القادة التاريخيين الأذكياء وأحسبك منهم، وهو كلام مخلص يحمى تجربتك- تجربتنا الوطنية، ويضعنا على طريق المستقبل.