محمد درويش
محمد درويش


يوميات الأخبار

أبطال أكتوبر.. أين نحن منكم؟

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 05 أكتوبر 2020 - 06:10 م

 

بقلم/ محمد درويش

كلمة شكر من كل الأجيال كفيلة باعتبارها قبلة على جبينى الرجلين اللذىن لم يستسلما للاعاقة رغم أنهما لم يغادرا المستشفى منذ ٤٧ عاما.

السبت ٦ أكتوبر ١٩٧٣
توجهت منذ الصباح الباكر إلى مستشفى الطلبة بميدان الجيزة لتوقيع الكشف الطبى ضمن باقة طلاب جامعة القاهرة الذين التحقوا بها فى العام الدراسى الجديد، كنا مجموعة من الشباب الذين تناهز أعمارهم الثامنة عشرة تم توزيعهم على كليات الجامعة المختلفة طبقاً لمجموعهم فى الثانوية العامة وكانت كلية الاعلام هى رغبتى الأولى، كنت على يقين من تحقيق الرغبة لأن مجموعى كان على رأس طلاب المرحلة الثانية فى التنسيق مثل الأول على الثانوية العامة فى المرحلة الاولى، أى رغبة أولى من الرغبات الاثنين والثلاثين ستتحقق له دون حاجة الى ملء استمارة الرغبات بـ ٣١ كلية أخرى

ورغم أنى كنت علمى علوم وشهادة الثانوية العامة مدون بها تفوقى فى الكيمياء والتاريخ الطبيعى الا أن ذلك لم يمنعنى من كتابة كلية الاعلام أول رغبة وهى التى تقبل خريجى الثانوية سواء أدبى أو علمى.

كان أمامى معهد بترول السويس الذى صار كلية فيما بعد، ينافس حاليا الطب فى مجموع الدرجات التى يقبلها وكان أمامى معهد اليكترونيات منوف الذى صار الأن كلية هندسة، ولكن الرغبة فى دخول الاعلام ودراسة الصحافة كان تعديلاً لمسار خاطىء باختيار القسم العلمى بدلاً من الادبى وكانت رغبة دفينة بدأت من الصغر فى أن أكون صحفيا ارتباطا بأحرف عشرة هى «أخبار اليوم» التى لم يكن يدخل غيرها بيتنا من الصحف الثلاث.

المهم التقينا مجموعة من الشباب، كل منا فى كلية مختلفة ولم التق بزميل التحق بالاعلام مثلى، وكالعادة جرت المناقشات والحوارات الى أن انبرى أحدنا مؤكداً أن الحرب على الأبواب فله قريب تم استدعاؤه بعد خروجه بأيام قليلة. لم نصدق ما قاله ونحن الشباب ويضمرنا إحساس اليأس خاصة بعد أن أعلن الزعيم السادات أن عام ١٩٧١ هو عام الحسم. ومر العام وبعده عام ودخلنا فى الربع الأخير من عام ٧٣ ولا حس ولا خبر - اكتشفنا بعد ذلك أن تسريح الذين تم استدعاؤهم ضمن الخطط الاستراتيجية للتمويه.

انتهى الكشف الطبى فى منتصف النهار وعدت الى منزلى وما هى الا فترة زمنية قصيرة حتى كان البيان الأول الذى صدر فى الساعة الثانية والنصف إلا خمس دقائق بعد ظهر السبت ٦ أكتوبر.. معظم من استمع للبيان لم يدرك أن التاريخ سيتوقف عند الساعة الثانية وخمس دقائق عندما خرجت أسراب الطائرات تدك حصون العدو القابع على أنفاس المصريين ست سنوات وخمسة أشهر لم يكن فيها قابعاً على الأرض الطاهرة فقط.
توالت أيام أكتوبر العظيمة وتوالت البيانات العسكرية فى الاذاعة والتليفزيون وتهافتنا على شراء الصحف والصور العظيمة التى امتلأت بها وكانت تجسيداً لملحمة محو العار الذى ظل وصمة فى جبين وطن لما يزيد على ست سنوات.

عميدان فى مستشفى المعادى
على مدى ٤٧ عاماً حفلت مصر بحكايات أساطير وأساطين العبور العظيم، سواء كان منها ما تداولته الصحف أو الدوريات بشكل عام والكتب أو أحاديث الجنود البسطاء أمام باب منازلهم الريفية وما خفى منها كان أروع وأعظم ولكن يظل أمثالى من أبناء جيلى ممن لم تتح لهم فرصة خوض ملحمة العاشر من رمضان يلح عليهم سؤال آخر أين نحن من هؤلاء.. وهؤلاء منهما نموذجان تنحنى لهما الهامات وهما عميدان قعيدان مقيمان بمستشفى المعادى العسكرى نتيجة اصابتهما فى حرب استرداد الكرامة ولم يغادرا المستشفى منذ أكتوبر ١٩٧٣.

الأول أشارت إليه الدكتورة نجوى كامل أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة على صفحتها فى موقع التواصل «فيس بوك» حينما وضعت صورة من حوار معه نشرته «الأخبار» منذ أربع سنوات فى الاحتفالات بذكرى أكتوبر وهو الحوار الذى أجراه الزميل د. أسامة السعيد.

د. نجوى كتبت تدعو إلى الاتصال بالعميد السيد وجدى قعيد الفراش فى المستشفى منذ ٤٧ عاما بعد أن أصيب بـ ١٣ شظية فى العمود الفقرى ومع ذلك كما وصفه أسامة السعيد فى حواره مازال يرفع راية النصر. د. نجوى لفتت الانتباه بالاشارة إلى تليفون العميد وجدى وأرى أن كلمة شكر من كل الأجيال كفيلة باعتبارها قبلة على جبين الرجل الذى لم يستسلم للاعاقة وصارت غرفته فى المستشفى صومعة لتاريخ مصر وتليفونه: ٠١١١١١٢٨٩٩٤
وعندما اتصلت بالدكتورة نجوى حكت لى عن بطل آخر وهو العميد حسن عبدالحميد الذى لم يغادر المستشفى أيضا من ٤٧ سنة أيضا وتليفونه: 01227452776
أمام هذين النموذجين من الأبطال لا أجد إجابة لسؤالى أين نحن منكم يا أبطال أكتوبر؟

ندم.. ما بعده ندم
كنت أخلو إلى نفسى وأنا أتخيل شبابا تعدى عمره التاسعة عشرة مثلى سواء كانوا بمؤهل متوسط أو بدون مؤهلات وهم يزيدون على وطنهم ويرفعون أعلامه الخفاقة على الضفة الشرقية من القناة.
كم تمنيت أن أكون معهم وأعيش اللحظات التى يعيشونها وأنتشى بفرحة النصر أو فرحة الشهادة وأرزق حيا عند ربى ولو أصبت فهى إصابات الفخار والإعزاز وعلامات فى جسدى حبا للوطن وانتصاراً على من هم أشد الناس عداوة لكل من فى الارض فهم - كما يعتقدون - شعب الله المختار الذى يترفع على باقى خلقه ولكن إذا دققت تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.

وكنت أسائل نفسى هل حرمنى التعليم الجامعى من الالتحاق بالتجنيد فى سن الثامنة عشرة واللحاق بالابطال الذين عبروا القناة، هل لو كنت صاحب مؤهل متوسط أو بدون مؤهل اصلاً ونلت الشهادة فى الحرب بدلاً من شهادة البكالوريوس التى حالت بينى وبين الخدمة العسكرية التى التحقت بها بعد التخرج عام ١٩٧٧ وبعد انتهاء الحرب بأربع سنوات، اسئلة عديدة طافت بعقل ووجدان الشاب الذى يقترب عمره من العشرين ربيعاً وكانت تعتريه خلالها حالات من الندم الشديد على أن القدر لم يكتب له أن يكون هناك ليساهم فى عزف ملحمة من البطولة والفداء.. وكان ندما ما بعده ندم.

كنوز اللواء علاء الدين سويلم
لا يمكن الكتابة عن حرب أكتوبر دون الاشارة إلى اللواء مهندس علاء الدين سويلم خريج الدفعة التاسعة من الكلية الفنية العسكرية عام ١٩٧٢ أى قبل حرب اكتوبر بعام واحد، كان ملازم أول فى الخطوط الأولى من مقدمة القوات التى عبرت يوم السادس من أكتوبر.

صفحة اللواء سويلم لا يمكن فصلها عن ما تضمه المكتبات من حكايات وروايات عن حرب الشمس كما يحب أن يسميها هو، بل أن كنوزه التى تمتلئ بها صفحته ينحصر معظمها فى حكايات وروايات الأبطال سواء منهم الجندى المجند أو العريف أو الرقيب وصولا إلى أعلى الرتب فى الوحدات والفصائل والسرايا والكتائب وحتى الألوية والفرق.

كنز لا يغادر وجدان اللواء سويلم ولهذا ظل فى ذاكرته نبراسا نستكشف منه سواء من خلال صفحته أو ما أنتجه من كتب دروب معادن المصريين الأصيلة. الحكايات التى يرويها، فكما هى تشجيك وربما تترقرق معها دموعك إلا أن كثيرا ما يغلفها بتعليقاته ووصفه الرائعين بإبتسامة وسط الكد والجد الذى كانت تدور المعارك فى رحاها.

اللواء سويلم يملك ناصية القلم، وله أسلوبه المتميز كمثقف موسوعى قرأ فى السياسة والتاريخ فضلا عن العسكرية وقد سبر غور النفس المصرية عن احتكاك عملى وقراءات على نطاق واسع وهو يمزج ما قرأه نظريا وعايشه عمليا فى لوحات يعزفها بالقلم لتخرج الحروف تشكل سطورا ما أجملها عندما تستقر فى الوجدان ولسبب بسيط لأنها خرجت من الوجدان.

أدعو دور النشر إلى التواصل مع الرجل الذى تشعر أن فى جعبته الكثير عن أكتوبر ومهما كان نطاق المتابعين لصفحته فإن الإليكترونى قد لا يخلد كما تخلد الأوراق عندما يجمعها كتاب.

تحية لهذا الرجل العظيم، ولمن يرغب فى متابعته على الفيس بوك فإن صفحته باسمه باللغة العربية: علاء الدين سويلم حفظه الله بطلا من أبطال أكتوبر ومؤرخا لأحداث عظام جسام عاشها بنفسه أو سمع عنها من أقرانه.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة