يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوميات الأخبار

يوم هلت نوبل على بر مصر

يوسف القعيد

الثلاثاء، 06 أكتوبر 2020 - 05:33 م

عندما دخلت عليه شريكة عمره ورفيقة دربه السيدة: عطية الله إبراهيم، لتوقظه من نومه وتخبره بالخبر السعيد. طلب منها أن تُقلِّل من هذه التخاريف التى تأتيها أحياناً.

غداً خميس الأسبوع الثانى من أكتوبر. وهو الموعد الذى تعلن فيه السويد عن الفائز بـ "جائزة نوبل للآداب". وقد أخذنى الحدث للفرح الذى مضى. يوم أن هلّت نوبل على بر مصر. وحصل عليها نجيب محفوظ. وكانت نوبل الأدبية الأولى، وللأسف الشديد أصبحت الأخيرة.

ومنذ أن حصل عليها نجيب محفوظ، وما إن تهل علينا تباشيرها حتى يرشح بعض الأدباء العرب أنفسهم للحصول عليها. أو تدفع بأسمائهم جهات فى بلادهم. ولكن نوبل قررت ألا تعود. ليصبح نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم الباشا - وهذا اسمه بالكامل - الفائز الوحيد بجائزة نوبل.

تُرى أى المفاجآت يمكن أن يحملها لنا الغد. جريدة «أخبار الأدب» فى عددها الأخير حاولت أن تربط بين الجائزة الأهم فى عالم اليوم وبين الوباء الذى يعذبنا فى كل لحظة. عموماً الغد ليس ببعيد عنا وثبت أن هذه الجائزة قادرة على أن تفاجئنا كل عام بما لا نتوقعه. وإن عجزت عن المفاجآة يتم احتجابها. وأحياناً تؤجل للعام التالى. ولذلك فوجئنا بفائزين فى عام واحد منذ سنوات.

أعود بذاكرتى لأكتوبر 1988، الإعلام الغربى نطق إسم نجيب محفوظ خطأً. لأن الترجمات من لغة لأخرى تنتج عنها مفاجآت. قالوا: نجيبا محفوظا. لكن عندما كان الخبر يهز الدنيا. كان نجيب محفوظ فى «سابع نومة». يأخذ قيَّالته التى اعتاد عليها. وهو لم يغير أى عادة من عاداته على الإطلاق مهما كانت الظروف.

عندما دخلت عليه شريكة عمره ورفيقة دربه السيدة: عطية الله إبراهيم، لتوقظه من نومه وتخبره بالخبر السعيد. طلب منها أن تُقلِّل من هذه التخاريف التى تأتيها أحياناً. لكن الذى قطع الشك باليقين ساعتها وصول السفير السويدى إلى منزل نجيب محفوظ، ليبلغه بشكل رسمى بحصوله على الجائزة ؛ وهو تقليد تحرص عليه جائزة نوبل كل عام .

فالجائزة تُعطى لكُتَّاب تعرفهم وبحثت عنهم وأجرت كثيرا من الدراسات حول نتاجهم الأدبى. وزارت مصر قبل ذلك مستشرقة أوروبية وكان هدفها أن تجمع الكثير مما يمكن أن يقال أو يُكتب عن نجيب محفوظ ومشروعه الروائى وأثره الأدبى.

يومها أذكر أن نجيب محفوظ لم يُغيِّر عاداته فى يوم الخميس من كل أسبوع. التغيير الذى جرى اتصال مدير التحرير بالأهرام، كان المرحوم محمد باشا. ليبلغه بالخبر السعيد. ولو كانت هناك كلمة أكثر من السعادة لوصفت بها الخبر. ويطلب منه بأدب أن يتفضل ويزورهم فى الأهرام لتلتقط له صورة أمام مبنى الأهرام.

أصعب ما فى حياة نجيب محفوظ تغيير عاداته التى اعتاد عليها وتآلف معها. لكنه ارتدى بدلته بدون ربطة عنق وخرج من بيته ليجد سيارة الأهرام فى انتظاره. وذهب، وهى الصور التى عجزنا فيما بعد عن العثور عليها حتى لنجيب محفوظ نفسه.

عاد إلى بيته. لم يكن هو نفس البيت الذى تركه. كنا كلنا هناك. لأنه من المعتاد فى يوم الخميس أن يذهب إلى كازينو قصر النيل، ويمكث فيه حتى يتوافد عليه شلة الحرافيش. وقد رأيتهم تباعاً يجلسون معه إلى أن يأتى وقت الذهاب إلى منزل محمد عفيفى ليقضون السهرة.

وَجَدَنَا نجيب محفوظ فى بيته وأصيب بالذهول، وقال وكأنه يكلم نفسه:
- إنتوا وصلتوا لغاية هنا؟.
وكان يجب عليه البقاء معنا. إلا أن التزامه الصارم بالمواعيد جعله يغير بعض ملابسه وينزل متوجهاً إلى الكازينو الذى يقابل فيه أصدقاءه وبعض أعضاء شلة الحرافيش الذين يسهرون معه فى بيت محمد عفيفى. وكان من بينهم الفنان أحمد مظهر. وقد رأيته أكثر من مرة فى الكازينو لأنه يومها كان عليه الدور أن يأخذ الأستاذ نجيب إلى بيت محمد عفيفى ويعيده إلى منزله.

كانت أياما. وأيام نجيب محفوظ كانت مرتبة، لا تخضع لأى صدفة، ولا تسيطر عليها أهواء. كانت الدنيا بالنسبة له كالمسافة بين نقطة وأخرى على خط مستقيم. قبل أن يغادر منزله ودعنا واعتذر لنا وشكرنا.
كانت نوبل الأولى، ولم يتوقف أحد من أدباء ذلك الزمان، ومعظمهم إن لم يكن جميعهم قد رحلوا عن الدنيا. أقول إنه لم يتوقف أحد عن الحلم بنوبل. لأنها ما دامت قد جاءت لنجيب محفوظ. فما الذى يمنع أن تعاود المجئ مرة أخرى؟ ليس هناك ما يمنع. وخصوصاً عندما نتكلم فى منطقة الأحلام. وهى سلوك إنسانى لا سيطرة للإنسان عليه.

صوت مصر الحضارى
الكلمة التى ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى الدورة الـ 75 للأمم المتحدة عن طريق الفيديو كونفرانس، لم تكن كلمة شكلية. لأنها وصلت لحدود رسم صورة باذخة وبالغة لموقف مصر من قضايا عالم اليوم.
عن سد النهضة قضية المصريين الكبرى، قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، إن تصاعد قلق الأمة المصرية البالغ إزاء هذا المشروع - أعجبنى بلا حدود تعبير الأمة المصرية فيه نحت لغوى عبقرى، مصر أكبر من دولة وأكثر تأثيراً من قُطر، إنها كيان قائم بذاته، تُصَنَّفْ خطأً بأنها من العالم الثالث، ولكنه بزخم تاريخها وعبقرية موقعها الجغرافى، وحجم النهضة التى تجرى على أرضها، هنا والآن لا بد أن توصف بأنها أمة - قال الرئيس بأننا سعينا إلى التوصل إلى اتفاق مع دولة صديقة وتحقيق المطلوب من أجل حق مصر فى الحياة.

دارت الكلمة البليغة حول: حفظ الأمن والسلام الدوليين والتنمية المستدامة 2020/2030، والأجندة الدولية لحقوق الإنسان، والتوازن بين الحقوق والحريات، والفصل بين السلطات، تجديد الخطاب الدينى، تمكين الشباب، تحقيق المواطنة، ودور المرأة المصرية. وهى كلها منجزات يشهد بها الجميع فى السنوات الأخيرة. سنوات حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى.

عرفت من الكلمة أنه يعيش فى مصر الآن ستة ملايين مهاجر ولاجئ فى مصر. دون أدنى مساعدات دولية يقدمها العالم فى مصر. ولكنها التزامات وأعباء الدور المصرى. مصر دولة دور. فهى صانعة الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ.

أطل الرئيس على الأزمة السورية. فالمطلوب هو الحل السياسى الشامل. ووقف الحرب دون اجتزاء أو مماطلة. والقضاء على الإرهاب. عن اليمن قال الرئيس: آن الأوان لوقفة حازمة توقف ما يجرى هناك. كما أنه لا بد من الحفاظ على وحدة اليمن واستقلاله. وطلب التمثيل الجغرافى فى مجلس الأمن. وأيضاً تمثيل إفريقيا.

وتصل الكلمة لقمة بلاغتها عندما قال الرئيس: الأرض تسع الجميع. لم تكن كَلِمَة مُنَاسَبَة بقدر ما كانت تحديد موقف أمة عظيمة. أمة لها أقدم تاريخ إزاء كل القضايا الراهنة التى يتحدث عنها العالم الآن.

أبحث عن السينما المصرية؟!
بالتحديد أكتب عن دور الدولة فى الإنتاج السينمائى المصرى، ومحاولة تجديد دماء هذه الصناعة التى بدأت فى زمن الرائد العظيم طلعت حرب. ووصلت إلى أن أصبحت الصناعة الثانية بعد القطن. وما أدراك ما القطن فى تلك الأيام البعيدة.

أعرف أن القطاع الخاص ينتج. ولكن لا يجب أن نطلب منه دوراً ثقافياً. لأنه من المفترض أن يراعيه ويعمل حسابه فى كل ما ينتجه من تلقاء نفسه دون طلب من أحد. ولكنه لا يفعل هذا ونحن توقفنا عن أن نطلب منه مراعاة دور مصر الثقافى فيما يقوم به. أيضاً عند الكلام عن الارتقاء بصناعة السينما أتوقف ولا أكمل الجملة لأن شباك التذاكر هو سيد الموقف.

وإن جاء فيلم جيد من هنا أو هناك. فمن المؤكد أن مجيئه صدفة غير قابلة للتكرار مرة أخرى. وحتى إن تكررت فهى لا يمكن أن تصنع ربيعاً سينمائياً. يجعلنا نحلم باستعادة هذه الصناعة التى كانت إحدى ثوابت نهضة مصر الصناعية فى القرن العشرين. سواء فى النصف الأول أو الثانى منه.

دون لف أو دوران أكتب عن الدور الغائب للدولة المصرية. ممثلة فى وزارتى الثقافة والدولة للإعلام فى الإنتاج السينمائى. فهذا دور لا يمكن أن يترك فى القطاع الخاص. لم أكن أحب العودة للبديهيات الأولى. وأقول إن صناعة السينما دور ثقافى وحضارى يليق باسم مصر. بعيداً عن حسابات الربح والخسارة. وأنها تستحق منا نحن المصريين أن نحاول، كل فى موقعه أن نرفع الستار عن مباهج السينما المصرية.
ليست القديمة أو الوسيطة كما تفعل كل فضائيات السينما العربية الآن. ولكن أقصد سينما تنتجها مصر الراهنة، وليست مصر الأمس. أقصد مصر الآن والغد.

.. وأين مسرح القطاع الخاص؟!
تحاول المسارح المملوكة للدولة أن تقدم ما لديها فى إطار الإمكانيات المتاحة والممكنة. والمحاولة قد تنجح أو تمر مرور الكرام. أريد الكتابة عن مسرح القطاع الخاص الذى حقق فى سبعينيات القرن الماضى حلاً نادراً للمعادلة السحرية فى الإنتاج المسرحى بأن قدم عروضاً هزت الدنيا واستمرت رغم تتابع المواسم. ومع هذا حافظت على الحد الأدنى من مفردات العرض المسرحى الممتع والناجح والمفيد.

أى أنه يسلى المشاهد ويكون إلى مكونات عقله الكثير. ومن لا يجد لديه وقتاً إضافياً ليشاهد هذا الجهد المصرى الخاص والنادر. وسيشعر بالخجل نيابة عن الأجيال الجديدة من ورثة صُنَّاع هذا المجد أو هذا الفن.

أعرف أن من قاموا بالدور كانوا أسماء كبيرة. والكبير لا يولد كبيراً. ولكنه يكبر بالجهد والعمل. هل نسينا أن السياحة - خاصة العربية ازدهرت وقتها - لأن الأشقاء العرب كانوا يحضرون وقتها ليلاً لمشاهدة العرض المسرحى، ثم يقضون النهار التالى فى ربوع القاهرة الأثرية ويعودون لبلادهم ومعهم الزاد والزواد من المتعة الثقافية والإنسانية.

هل أطمع فى وجود مسرح قطاع خاص جديد لا يقلد الماضى؟ لكن يضيف له الكثير من المتغيرات التى جاءت ولم يكن لمجيئها دخل منا. ولا نقدر على إيقافها. التطور لا يوقفه أحد مهما كان.

* قالـــــوا:

-إذا انقطع الأمل، فعلينا أن نعاشر اليأس معاشرة حسنة
نجيب محفوظ

- أفضل الأشياء ما لا فائدة منه.
زهير بن أبى سُلمى

- الخوف من الموت غريزة حية لا عيب فيها. وإنما العيب أن يتغلب الخوف علينا ولا نتغلب عليه.
عباس محمود العقاد

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة