يأتي الرئيس للقاء ومعه أجندة كبيرة وأكثر من قلم. ويدون ما يسمعه. يكتب صفحات كثيرة. يحتفظ بجوهر ما يقال ليقاوم النسيان ويقف ضد السهو

قابلنا الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية. ثم قابلناه بعد نجاحه مباشرة. كان اللقاء الأول في أوائل 2014، واللقاء الثاني في أواخر نفس العام. بعد نجاحه في انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة. شهد لها الكل باستثناء من أضيروا بنجاحه ومجيئه إلي السلطة. لأنه حرمهم من مشروعهم للاستيلاء علي مصر واحتلالها. وتحويل شعبها لأرقاء وعبيد. والاستيلاء علي خيرها ومنتجاتها وجعلها ملكية خاصة لهم. ألم يقولوا أنهم إما أن يستولوا علي مصر أو أن يدمروها؟ ولا يوجد حل وسط علي الإطلاق.
ثم قابلناه الأسبوع الماضي. الذين حضروا اللقاء من المثقفين والنخبة يتغيرون من لقاء لآخر. وهذا من طبائع الأمور. ولكن السؤال الذي شغلني في لقاء الأسبوع الماضي هو: هل تغير الرئيس؟ هل تغيرت صورته التي شاهدناها وعرفناها وتعاملنا معها منذ ماس 2011 عندما كان مديرا للمخابرات الحربية. ثم وزيراً للدفاع. ثم مرشحاً رئاسياً ورئيساً.
طبعاً هناك نقلة كبيرة تمت وتغيير لمكونات المشهد الذي يتحرك فيه. فمدير المخابرات الحربية غير وزير الدفاع، غير المرشح الرئاسي. ومن المؤكد أن هذا كله يختلف عن الرجل المسئول عن إدارة شئون دولة إقليمية عظمي مثل مصر. فيها كثافة سكانية ضخمة. ومطالب يومية لا تمكن الرجل الأول في هذا الوطن حتي من النوم الهادئ المستريح الذي يحصل عليه المواطن العادي.
من المؤكد أن المشهد الذي فوجئ به الرئيس عندما أصبح رئيساً لمصر يفوق كل توقع. وأي قدرة علي الخيال الإنساني. بل ربما يفوق القدرة علي الاحتمال وينقل الإنسان من دائرة الفعل إلي دائرة رد الفعل. وردود الأفعال لا تصلح لبناء الأوطان. ولا لمواجهة متطلبات الحكم. خصوصاً عندما يكون الوطن هو مصر. والمحيط بها هو محيطنا العربي. وما يجري فيه. والأمة التي ننتمي إليها هي الأمة الإسلامية التي تستخدم اسمها ودينها في أفعال تجعل العالم كلها يصطف ضدها. علماً بأن المسلمين الحقيقيين أبرياء من كل هذا الذي يتم باسم الإنسان. والإسلام لا علاقة له به.
اكتشاف حجم هموم مصر ومشاكل المصريين وتراكمات عقود مضت من الإهمال والتراخي في إدارة الوطن. بل ونهب ثروات البلاد والعبث بمقدراته كفيل بأن يجعل أي إنسان يعيد النظر في كل مسلمات عمره. وبالتالي لا بد من اختلاف جوهري بين الإنسان الذي كان مرشحاً للرئاسة. ثم الإنسان الذي فرض عليه قدره ومصيره أن يكون مسئولاً أولاً في مصر.
أقول - وهذه شهادة لوجه الله وحده - أن الرجل هو هو لم يتغير. ما زالت لديه حالة نادرة عرفناه به أول ما عرفناه من التواضع الجم والأدب غير العادي وحفظ مقامات الناس والتعامل معهم انطلاقاً من أقدارهم التي يعرفها جيداً. يعبر عن هذا قدرة علي الإنصات بصبر لا يقل عن صبر أيوب مهما أطال من يتكلم. ومهما أسهب. ومهما تطرق في حديثه لأمور ربما كانت بعيدة عن طبيعة اللقاء. فالرجل يستمع ويستوعب ويعطيك انطباعاً كأنه يستمع لهذا الكلام لأول مرة. وأنه يستفيد منه.
من اللقاء الأول وحتي لقاء الأسبوع الماضي. يأتي الرئيس للقاء ومعه أجندة كبيرة وأكثر من قلم. ويدون ما يسمعه. يكتب صفحات كثيرة. يحتفظ بجوهر ما يقال ليقاوم النسيان ويقف ضد السهو. ويحمل معه بعد اللقاء ما يذكره بكل ما استمع إليه من الآخرين. لا يسفه رأي أحد ولا يرفض أي كلمة قيلت. بل يستوعب كل ما يستمع إليه ويستخرج منه ما يرتبط بمصالح الوطن العليا التي هي أهم ما يشغله.
أي أن الرجل يريد أن يخرج من اللقاء بنتائج محددة. ولا يتوقف اللقاء عند حدود البعد الاجتماعي والتقاط الصور التذكارية والمصافحات وكلمات المجاملات ولا خطب السادة المثقفين التي طالت أكثر مما ينبغي.
هكذا كان وهكذا هو الآن يوظف كل ما يمر به لخدمة البلاد التي اختاره شعبها لكي يكون مسئولاً عنها. وكلفه بالقيام بهذه المسئولية وهو يشعر أنه في مهمة قومية كبري من أجل مصر ويطلب من الجميع أن يساعدونه علي القيام بها.
سؤالي الأول: هل تغير الرئيس؟ ولو قلت أنه لم يتغير سأتهم نفسي بالمجاملة. فالإنسان الآن غير الإنسان نفسه في الدقيقة الماضية. وغير الإنسان في الزمن الآتي. فمرور الزمن يترك بصماته وتغييراته علي الإنسان. لكنها مسائل خارجية. المهم أن الجوهر يبقي كما هو.
لو أدركنا الفارق بين الثوابت والمتغيرات. وأن الثوابت ثوابت. والمتغيرات لا بد من وقوعها، لقلنا أن السيسي لم تتبدل ثوابته. وهذا لا يمنع حدوث بعض المتغيرات غير الجوهرية.