صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


صندوق النقد: تغير المناخ سيؤدي لخسائر كارثية بشرية واقتصادية

شيماء مصطفى

الخميس، 08 أكتوبر 2020 - 03:35 ص


قال صندوق النقد الدولي، إن تغير المناخ، إذا تُرك دون علاج، سيؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية قد تصل إلى حد الكارثة، ولكن الوقت لم يفت بعد لتغيير المسار.

وأوضح خبراء صندوق النقد الدولي، ارتفاع درجات الحرارة العالمية بنحو درجة مئوية واحدة منذ حقبة ما قبل الثورة الصناعية، من جراء غازات الدفيئة التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، وما لم تُتخذ إجراءات قوية لكبح انبعاثات هذه الغازات، فقد ترتفع درجات الحرارة العالمية بما يتراوح بين درجتين وخمس درجات مئوية إضافية مع نهاية هذا القرن. ولإبقاء درجات الحرارة في مستويات آمنة حسب رأي العلماء، يتعين الوصول بصافي انبعاثات الكربون إلى الصفر على مستوى العالم مع حلول منتصف القرن.

 

وأكد صندوق النقد الدولي، في آخر عدد من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، أن أدوات السياسة الاقتصادية يمكن أن تمهد الطريق للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر على أساس صاف مع حلول عام 2050 بينما يواصل العالم سعيه للتعافي من أزمة كوفيد-19، وإمكانية اتباع هذه السياسات بصورة تدعم النمو الاقتصادي، والتوظيف، والمساواة في توزيع الدخل.

 

وأوضح خبراء صندوق النقد، أنه يمكن للسياسات الاقتصادية أن تعالج تغير المناخ من خلال قناتين أساسيتين: التأثير على تكوين الطاقة (المصادر عالية الانبعاثات مقابل المصادر منخفضة الانبعاثات)، والتأثير على الاستخدام الكلي للطاقة. وتتحدد تكاليف ومزايا السياسات المختلفة حسب كيفية استخدام هاتين القناتين المنفصلتين، فعلى سبيل المثال، يؤدي فرض ضريبة على الكربون إلى جعل أنواع الوقود القذرة أعلى تكلفة، مما يحفز مستهلكي الطاقة على التحول إلى أنواع الوقود الأكثر مراعاة للبيئة،وفي هذه الحالة، يهبط الاستهلاك الكلي للطاقة أيضا لأن الطاقة، في مجملها، تتسم بارتفاع التكلفة.

  

وفي المقابل، تؤدي السياسات التي تهدف إلى جعل الطاقة الخضراء أرخص ثمنا وأكثر وفرة (الدعم أو الاستثمار العام المباشر في الطاقة الخضراء) إلى زيادة نسبة الطاقة ذات الانبعاث المنخفضة، ولكن، من خلال ما يحققه دعم الطاقة الخضراء من خفض لتكلفة الطاقة ككل، فإنه يعمل أيضا على تحفيز الطلب الكلي على الطاقة أو أنه، على الأقل، لا يتسبب في انخفاضه.  

 

وأشار خبراء صندوق النقد الدولي، إلى أن الجمع بين ضرائب الكربون والسياسات التي تخفف الأثر على تكاليف الطاقة التي يتحملها المستهلكون من شأنه تحقيق انخفاضات سريعة في الانبعاثات دون آثار سلبية كبيرة على الناتج والتوظيف. وينبغي أن تبدأ البلدان باختيار حزمة إجراءات لتنشيط الاستثمار الأخضر – أي الاستثمار في النقل العام النظيف، وشبكات الكهرباء الذكية لإدخال مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء، والتعديل التحديثي للمباني حتى تصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. هذه البنية التحتية الخضراء ستحقق هدفين.

 

وتابعوا: "أولا: ستعزز إجمالي الناتج المحلي العالمي والتوظيف في سنوات التعافي الأولى من أزمة كوفيد-19، ثانيا، ستؤدي البنية التحتية الخضراء إلى زيادة الإنتاجية في القطاعات منخفضة الكربون، ومن ثم تخلق حافزا للقطاع الخاص كي يستثمر فيها ويزيد من سهولة تكيفها مع ارتفاع أسعار الكربون. ويفيد تحليلنا للسيناريوهات القائمة على نماذج بأن اتباع استراتيجية سياسات شاملة لتخفيف آثار تغير المناخ من شأنه إعطاء دفعة لإجمالي الناتج المحلي العالمي في أول 15 سنة من التعافي بنسبة تبلغ حوالي 0.7% من إجمالي الناتج المحلي العالمي في المتوسط، ودَفعة للتوظيف في نصف هذه الفترة تقريبا بما يتيح وظائف إضافية لحوالي 12 مليون شخص على مستوى العالم، ومع ترسُّخ التعافي، ستصبح أسعار الكربون المعلنة والمتزايدة بالتدريج أداة قوية لتحقيق الخفض المطلوب في انبعاثات الكربون".

 

وأضافوا: "إذا نُفِّذت برنامج للسياسات من هذا القبيل، فمن شأنها أن تضع الاقتصاد العالمي على مسار مستدام عن طريق تخفيض الانبعاثات والحد من تغير المناخ، وسيؤدي التأثير الصافي إلى خفض خسارة الناتج المتوقعة الناجمة عن تغير المناخ إلى النصف تقريبا، كما سيحقق تحسنا في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي على المدى الطويل يزيد بكثير على التحسن الذي يحققه المسار الحالي اعتبارا من سنة 2050 فما بعدها".  

تكاليف الفترة الانتقالية

وتابع الخبراء في التقرير، أنه رغم المنافع الممكنة على المدى الطويل، والدفعة المبدئية للنشاط الاقتصادي، فإن مثل هذه السياسات تفرض تكاليف بالفعل طوال الفترة الانتقالية. فبين العامين 2037 و 2050، من المتوقع أن تؤدي استراتيجية التخفيف إلى إبقاء إجمالي الناتج المحلي العالمي دون المستوى المتوقع في حالة عدم تغيير السياسات، وذلك بنحو 0.7% في المتوسط كل عام، 1.1% في عام 2050، غير أن هذه التكاليف تبدو معقولة، نظرا لأن الناتج العالمي من المتوقع أن يرتفع بنسبة 120% بين العام الحالي وعام 2050، ويمكن تحقيق مزيد من الخفض للعبء الذي يتحمله الناتج إذا تضمنت السياسات المناخية حوافز للتطور التكنولوجي في مجال التكنولوجيات النظيفة – من خلال دعم البحوث والتطوير، على سبيل المثال. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون حزمة السياسات محايدة التأثير على الناتج في تلك الفترة إذا أُخِذت في الاعتبار منافع مهمة كتحسن النتائج الصحية (بسبب انخفاض التلوث) أو انخفاض الازدحام المروري.

 

ولفت إلي أن هناك تفاوت كبير بين البلدان في التكاليف التي يتحملها الناتج في المرحلة الانتقالية ارتباطا بحزمة السياسات المطبقة، ففي بعض الاقتصادات المتقدمة، قد تكون التكاليف الاقتصادية أقل، بل قد تتحقق مكاسب على مدار الفترة الانتقالية، ونظرا للاستثمارات السابقة في مصادر الطاقة المتجددة لدى هذه الاقتصادات، فبإمكانها زيادة استخدامها بسهولة أكبر وتجنب تكاليف التكيف الكبيرة. أما البلدان ذات النمو الاقتصادي أو السكاني السريع (خاصة الهند) ومعظم البلدان المنتجة للنفط، فيجب أن تتوقع تكاليف اقتصادية أكبر مع التخلي عن أشكال الطاقة الرخيصة، كالفحم أو النفط، ولكن هذه التكاليف التي يتحملها الناتج تظل بسيطة في معظم البلدان وينبغي النظر إليها مقارنةً بأضرار تغير المناخ التي يتم تجنبها والمنافع الصحية المتأتية من خفض استخدام الوقود الأحفوري.

تخفيض العبء

وقال خبراء صندوق النقد الدولي، إنه من الأرجح أن تكون الأسر منخفضة الدخل هي الأكثر تضررا من تسعير الكربون، لأن إنفاقها على الطاقة يستنفد نسبة كبيرة نسبيا من دخلها، ولأنها الأرجح أن يعمل أفرادها في قطاعي النقل والتصنيع اللذين يتسمان بكثافة استخدام الكربون، وهناك سياسات متنوعة تستطيع الحكومات استخدامها للحد من الآثار السلبية لارتفاع أسعار الكربون على الأسر، أولا، يمكنها منح تخفيض كلي أو جزئي على ضرائب الكربون من خلال التحويلات النقدية. فعلى سبيل المثال، يخلص بحثنا إلى أن توفير حماية كاملة لاستهلاك الأسر التي يصَنَّف دخلها ضمن أقل 40% في توزيع الدخل، ستحتاج حكومة الولايات المتحدة إلى تحويل 55% من كل إيرادات تسعير الكربون، بينما ستحتاج الحكومة الصينية إلى تحويل 40% منها.

ثانيا، يمكن أن تؤدي زيادة الإنفاق العام – على البنية التحتية العامة النظيفة، مثلا – إلى خلق وظائف جديدة في القطاعات منخفضة الكربون التي غالبا ما تكون كثيفة العمالة نسبيا من أجل تعويض فقدان الوظائف في القطاعات مرتفعة الكربون. وسيساعد أيضا تسليح العمالة بمهارات جديدة على تيسير انتقال الوظائف إلى قطاعات منخفضة الكربون، وأخيرا، على الحكومات أن تتحرك بسرعة لضمان تَحَوُّل مواتٍ للنمو ومراع لاعتبارات العدالة.

 

اقرأ أيضا:

انطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي.. الأسبوع المقبل
 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة