انتصارات أكتوبر
انتصارات أكتوبر


بعد 47 عامًا على نصر أكتوبر.. الأدباء يغردون على أغصان العبور

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 08 أكتوبر 2020 - 06:27 ص

كتب محمد سرساوى:

من مستنقعات الانكسارات الموحلة، إلى قمم المجد الشاهقة، فى ست ساعات هى عمر عملية العبور العظيم الذى سبقته سنوات شاقة من الإعداد والتمهيد، والتخطيط الدقيق، والخداع الماكر الذكي، والتأهب المتحمس المثابر، والسهر المضنى الطويل انتقلت أمة بأكملها من ذل اليأس وعار الانكسار إلى ضفاف العزة ومرافىء الكرامة المنعشة، فى لحظة غيرت مجرى التاريخ وأعادت كتابة فصوله وقدمت إلى الدنيا نموذج المصريين الباهر فى البسالة والصمود والفداء والإيثار، قادة وضباطًا وجنودًا أوفياء وقفت وراءهم جبهة داخلية متماسكة مساندة تقدم كل الدعم المادى والمعنوى بدءًا من التبرع بالدماء الغالية لصالح جرحى العمليات القتالية وحتى عرق الكد من أجل القوت فى صورة تبرعات انهمرت لتثبت للعالم أن مصر كلها تقاتل من أجل كرامتها، واليوم وبعد ما يقرب من نصف القرن على هذا الحدث العظيم الذى زلزل الدنيا، وحفر بصماته على ذاكرة الإنسانية، وقف عدد من مبدعينا ومفكرينا ونقادنا يغردون على أغصان العبور العظيم ويتأملون تلك اللحظات الخالدة من عمر الزمن.

فى البداية يقول الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة: الأدب عبر عن هذا الحدث فى كل ألوانه سواء فى الشعر أو الرواية أو القصة، وسيظل هذا الحدث ضوءا منيرا فى تاريخنا المعاصر، ليس فى مصر وحدها بل فى الوطن العربى كله، وقد جاء التعبير عن هذا الحدث عميقا، حيث ولد هذا النصر من مأساة اسمها «نكسة 67»، واستطاع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بذل الجهد الضخم الكبير فى إعادة بناء القوات المسلحة، وجعلها قادرة مرة أخرى على استعادة الأرض، وهذا ما حققه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وعلينا أن نراجع القصائد التى كتبت فى تلك المرحلة وكذلك الأعمال الروائية والقصصية، والمشكلة أن الجيل الجديد ابتعد عن رؤية هذه الانتصارات ولم يعد قادرا عن التعبير عنها، وأنا أطالب بكتابات جديدة تعبر عما حدث فى حرب أكتوبر، كما نجح جيل الستينيات والسبعينيات فى ذلك، وأقترح أن يتم إعادة قراءة هذه الملحمة تاريخيًا، والتركيز على بطولة الجندى المصرى العظيم فلا تزال هناك مئات الحكايات التى لم تكتشف بعد عن بسالته وبطولته وإيثاره.


ويقول الناقد الكبير د.يوسف نوفل: طبعا من المعروف أن الأدب لا ينفصل عن المجتمع بخاصة فى الأحداث الكبرى مثل الحدث الاستثنائى العظيم؛ حرب أكتوبر المجيد وجاء تأثيره الكبير على الأدب والفن المصرى حيث حكى عن مرارة هزيمة 67، وتنبأ بانتصار أكتوبر، حيث بدت الكتابة كأنها ميلاد للعزيمة، لأن الأدباء يتطلعون ويحلمون ويرون النصر القادم، وجاءت انتصارات أكتوبر بمثابة التتويج لأحلام الأدباء فى أشعارهم وخيالهم وصورهم وتعبيرهم، ولقد تصدى كل أديب حمل قلبه قبل قلمه ليعبر عما بداخله عن صدق وحرارة وإيمان بنشوة وروعة ذلك النصر ويكفى أن الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور واكب الشرارة الأولى فى قصيدته الشهيرة عن الجندى الذى رفع العلم، فقد استطاع عبد الصبور أن يصور هذا الحدث الملموس الحى وليس من باب الخيال بل من باب الواقع، توالت فنون الأدب المختلفة وخاصة الشعر لأن هذا المجال أقرب إلى وجدان المتلقى، ونجح الأدب المصرى فى أن يوثق هذا الحدث التاريخى حيث جعل القارى يشعر ويتخيل ما حدث فى تلك الفترة المجيدة.


العمر لحظة 
ويقول الناقد المتميز د.حسين حمودة: عندما نفكر فى نظرة الضمير الأدبى إلى انتصارات أكتوبر، بعد مرور سبعة وأربعين عامًا عليها، يجب أن نفكر فى «الحصاد الإبداعي» عن هذا الانتصار وعن هذه الحرب، أى يجب أن نستعيد ما قدمه الأدب، وما قدمه الإبداع عموما، حول هذا الانتصار وهذه الحرب، وللأسف ما تم تقديمه من أعمال أدبية وإبداعية عن هذه الحرب لا يتكافأ بحال مع أهميتها، وما تم إنجازه فيها. طبعا هناك عدد من الأعمال الروائية المهمة التى تناولت حرب أكتوبر (من أهمها: «الرفاعي» و»حكايات الغريب» لجمال الغيطاني، و»الرصاصة لا تزال فى جيبي» لإحسان عبد القدوس، و»الحرب فى بر مصر» ليوسف القعيد، و»موسم العنف الجميل» لفؤاد قنديل، و»زهر الخريف» لعمار على حسن، و»العمر لحظة» ليوسف السباعي»، وغيرها من أعمال قليلة فى النهاية).. ولكن تظل هذه الحرب بحاجة إلى تعبيرات أدبية عنها، وبحاجة أيضا لتناولات غير أدبية، فى السينما بوجه خاص. ما يبدو مطمئنا، فى هذه الوجهة، أن حرب أكتوبر، مثلها مثل كل «الوقائع الكبرى» المشهودة عبر التاريخ، تظل مادة مراودة للمبدعين والمبدعات خلال عصور ممتدة. فالحروب الكبرى فى أوروبا، مثلا، لا تزال تراود المبدعين والمبدعات بعد فترة طويلة من انقضائها.. ولذلك تتوالى الأعمال الأدبية والسينمائية عن هذه الحروب حتى الآن.. ولعل الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على حرب أكتوبر.. ولكن فى مجالات الإبداع التى تتداخل فيها «الصناعة» و»الفن»، أو يمثّل الاقتصاد جزءا مهما منها، كما هو الحال فى السينما، يجب أن تكون هناك إسهامات من قبل الدولة.. بمعنى أنه يجب مشاركة الدولة فى إنتاج «أعمال سينمائية كبيرة» عن حرب أكتوبر، فمثل هذه الأعمال يصعب على المنتجين الأفراد أن يغامروا فيها بميزانيات كبيرة، أما الإبداعات التى لا تحتاج إلى مثل هذا التمويل، كالأدب بأنواعه، فالمؤكد أنها ستشهد، فى الفترات والأزمنة التالية، اهتماما أكبر بحرب أكتوبر، وبانتصارنا المدوى فيها. ومن هنا يمكن أن يكون هناك تقييم آخر لنظرة الضمير الأدبى لانتصارنا المشهود فى حرب أكتوبر.


تل الشجرة والدبابات المحطمة
يقول الأديب المتميز سمير الفيل: ربما كان مرور 47 سنة على حرب أكتوبر يعنى الكثير، فثمة محاربون صعدوا، وجيل جديد ظهر فى الميدان، وكان عليه أن يستلم الراية، ليواصل فكرة المقاومة والتضحية بالغالى والنفيس من أجل رفعة الوطن وسلامة أراضيه، جرت وقائع الحرب بينما كنت أدرس فى فصل أولى أول ابتدائى الأبجدية، وعلمت فى فترة ما بعد الظهر بعملية العبور التى طالما انتظرناها فترددت فى مسامعى ثلاث أغنيات:» موال النهار»، و» رايحين فى إيدنا سلاح»، «سكت الكلام»، يومها بالضبط كتبت قصيدة ـ كنت ما زلت شاعرا قبل انتقالى للسرد ـ «رسالة من شهيد إلى أبيه الفلاح»، كانت القصيدة جزءًا من هذا الحلم الذى تحقق بعبور المانع المائى ورفع العلم المصرى وتحطيم خط بارليف، مازلت أتذكر صور الأسرى الإسرائيليين وهم يجلسون القرفصاء ومنهم العقيد عساف ياجورى. ما زلت أتذكر صور الشهداء العظام: ابراهيم الرفاعى، محمد زرد، عاطف السادات، أحمد حمدى وغيرهم، لقد قر فى وجدان الشعب المصرى أن إيقاع الهزيمة بجيش قوى تسانده أمريكا مسألة ممكنة، كما علم هذا الجندى البسيط كيف يتصدى بسلاح « الآربى جي» للدبابة « الباتون « و» السنتوريون «، وحين جندت 1974 شاهدت فى « تل الشجرة» هياكل الدبابات المحترقة والمحطمة، وقد انعكس هذا على المجتمع الذى عادت إليه الثقة، وصار من الطبيعى رفع الرأس وتجاوز المحنة، صحيح أن معارك أكتوبر حققت النصر لجيشنا غير أن الأهم من ذلك هو إعادة الاعتبار للمحارب المصرى، سليل جيش عظيم قاده ذات يوم إبراهيم باشا فى معارك ضارية أثبتت رفعة المحارب المصرى وشدة بأسه.


قصائد عبد الصبور وحجازى
وتقول الأديبة والناقدة د.عزة بدر: نصرأكتوبر، العبورالعظيم، انتصار الإرادة، عشق الوطن والأرض، تلك هى المعانى التى خلدها النصر فى قلوبنا، هى كمال النية باسم الله، هى النداء العميق المطمئن الواثق: الله أكبر، هى معجزة التحقق، والعقيدة الراسخة بأن الله معنا، تمر السنوات، ويظل المعنى متمثلا فى عبقرية الجندى المصرى، والمواطن المصرى فى تحقيق النصر، واحتمال الشدائد، وكتابة أحلى القصائد فى حب الوطن على خط النار، ستبقى حرب أكتوبر فى الضمير الأدبى نداء الحق، قصائد صلاح عبد الصبور إلى أول جندى رفع العلم فى سيناء « وأنت فى لحظتك العظمى / تحولت إلى معنى / كمعنى الحب.. معنى الخير / معنى النور/ معنى القدرة الأسمى «، قصائد أحمد عبد المعطى حجازى إلى العلم الذى يرفرف على القنطرة شرق، العلم الذى يخفق فى قلوبنا، فنرفع هاماتنا لنعانق صقره الذهبى، رمز القوة، رمز الفخر، يخفق بحب الأرض والوطن، أغنيات العبور التى تدفقت شعرا، هزة الفرح فى أعين الأجيال، والعلم المصرى يجوب الآفاق منتصرا ، الجندى المصرى الذى صنع معجزاته، فأرسى فى قلوبنا معانى التضحية والفداء، الكتابات التى سجلها أبطالنا البواسل عن تلك الحرب، وعن آيات النصر، والتى ما زالت تتواتر، ليحفظها التاريخ كلمة حق، وشهادة على براعة التخطيط، ودقة التنفيذ.


التضامن العربى الذى تحققت معه وحدة العرب فانتصروا، رموز البطولة التى ستظل فى ذاكرة الأجيال، صفحات من نور، المنسى، والرفاعى، والجنود المصريون خير أجناد الأرض، الذين قدموا للأجيال معنى التضحية فى سبيل الوطن، كتابات الغيطانى «حكايات الغريب «، ورواية « الرفاعى «، كتابات إحسان عبد القدوس « الرصاصة لا تزال فى جيبى « وكل عمل أدبى ألهمته الحرب شعرا ونثرا، ليظل الجندى المصرى الظهر والسند، الأب الحامى، حابى رمز النيل، أوزوريس المنتصر، عين حورس، تظلله أجنحة إيزيس الحامية، أهرامات مصر، عالم من رموز الفخر، وطاقات نور تبقى حاضرة فى قلوب المصريين للأبد، نصر أكتوبر أيام فى أعمارنا تتجدد، هى المدد، هى زاد الطريق الصاعد الطويل إلى قمة الهرم لتحقيق انتصارات أخرى فى مجالات التنمية والعلم والعمل، وتلك هى معجزاتنا الجديدة التى نسعى إلى تحقيقها، ولنجعل نصر أكتوبر هاديا لنا شعلة الضوء التى سنحملها، لتضىء للأجيال الطريق إلى كل نصر جديد.


ليس مجرد ذكرى
وفى الختام تقول الأديبة الشابة د.سالى مجدى: انتصار حرب أكتوبر المجيدة ليس مجرد ذكرى لانتصار حرب بين بلدين بل هو رمز للعزة والكرامة العربيه كلها وجسارة الشعب المصرى الذى لا يعرف مستحيلا ولا يستسلم للانكسار ولا الانهزام، إنه يمثل الأمل ويذكر الأجيال بقيمة تراب أرض الوطن الذى امتزج بدماء الآباء والأجداد وحتى الآن هو من الأمور التى تداعب خيال الأدباء والكتاب فى مشاهد الحرب والبسالة والاستشهاد حبا فى الوطن والفراق بين الأسر وأبنائهم والأحباء من أجل رفعة مصر وأرضها والفرحة بالانتصار وعودة الجنود المنتصرين يحملون على أكتافهم أرض سيناء الحبيبة أرض الفيروز.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة